الأحد 09 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

في مجابهة العجز والإحباط

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتنامى الشعور بالإحباط وسط الشريحة الأكبر فى المجتمع، وهى شريحة الموظفين والعاملين بالقطاعين العام والخاص وأصحاب المشروعات الصغيرة، وهى فى مجملها تشكل الطبقة الوسطى فى المجتمع، وفى الغالب تمثل هذه الشريحة البوصلة الحقيقية لحركة المجتمعات وتوجهاتها.. ولعل المتابع لحركة المجتمع المصرى سوف يلحظ دون جهد الفارق الكبير فى الشعور العام لدى جموع المصريين عقب انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيسًا للبلاد وبين الشعور العام الحالى.. وقبل محاولة إدراك أسباب هذا التحول نشير فقط إلى مثال واضح لحالة المجتمع عندما دعا السيسى الشعب للمساهمة فى حفر قناة السويس الجديدة، وفاجأتنا هذه الشريحة من الشعب بنفس مفاجأة يوم ٣٠ يونيو.. عندما وقفت فى طوابير ممتدة لشراء شهادات استثمار القناة، وضخت إلى خزينة القناة ٦٨ مليار جنيه فى أسبوع واحد.. وفى المقابل رأينا بوضوح حالة الإحباط والعزوف تجاه الانتخابات البرلمانية التى تشهدها البلاد حاليا، وبما يشير إلى أن العامة لا تعول كثيرا على البرلمان، وإذا أخذنا فى الاعتبار مثالا اقتصاديا آخر مثل مشروع استصلاح مليون فدان جديدة، سوف نلحظ عدم انشغال واهتمام الرأى العام به على قدر أهميته.
وحتى ندرك الأسباب الواقعية التى أدت بنا إلى حالة الإحباط التى نعيشها ونشرع لمجابهتها.. يجب أن نقف أولًا عند الميراث الاجتماعى البالى والمتراكم منذ عدة عقود، وأدى بنا إلى ثقافة مجتمعية سائدة انجرفت بالقيم والعادات والتقاليد التى كانت تميز المجتمع المصرى عن غيره.. إلى حيث الفوضى والفساد والرشوة والمحسوبية، ورأينا فى السنوات الأخيرة مجتمعًا يواجه أزمات خطيرة تهدد حاضره ومستقبله، وأدت فى النهاية إلى انفجار ثورة يناير التى عبرت فى بدايتها عن قيم العدالة والمساواة وسيادة القانون والعيش الكريم، وسقوط كل القيم البالية والفاسدة.. ورغم عملية السطو على الثورة بعد ثلاثة أيام فقط، وظهور ملامحها بجلاء فيما سمى بغزوة الصناديق.. إلا أن إصرار المصريين على استعادة تملك وطنهم كان أقوى من كل المخططات والمؤامرات الداخلية والخارجية، عندما أصروا فى الـ ٣٠ من يونيو على إسقاط النظام الفاشى، مع علمهم أنه نظام يملك الميليشيات التى تحمل السلاح والمدعومة خارجيًا على شتى المستويات.. وهنا تكمن الإرادة المصرية فى الإصرار على إسقاط كل القيم الفاسدة والنظم الفاسدة، وترسيخ بناء قواعد جديدة وبقيم جديدة ربما لم يدركها البعض حتى الآن.
من هنا جاء الحماس الشديد من المشير عبد الفتاح السيسى، الذى انحاز لإرادتهم وانحازوا لقيادته للدولة فى هذه المرحلة الصعبة، ووقفوا بجانبه فى مواجهة الإرهاب وفى مشروع قناة السويس، وفى كل القضايا الوطنية والقومية.. ولن يكون مستغربًا انتفاض هذا الشعب فى أية لحظة للوقوف خلف السيسى ومساندته فى كل ما يهدد الوطن إذا استدعى الأمر.. وهذا لا ينفى حالة التململ والإحباط التى أصابت كثيرين بسبب عجز الحكومات المتعاقبة عن تحقيق الطموحات الشعبية المشروعة التى انتظرها المصريون ولم تتحقق.. فلم يعد خافيًا حالة الانفلات الشديدة فى الأسعار، وتأثيرها على معظم الشرائح المصرية إلى حد أن معظم الأسر المتوسطة أصبحت تعانى وفى مواجهة صعبة مع متطلبات الحياة اليومية الأسوأ أنه لا توجد رؤية حقيقية لمواجهة هذه الأزمة التى ترتبط بأسعار الدولار والاحتياطى الأجنبى النقدى، وعملية الاستثمار وحركة السوق وغيرها من العوامل المشتركة التى تحتاج فى مجملها إلى حلول جذرية، وليس بإجراءات سطحية مؤقتة لا تعدو كونها مسكنات وقبولًا بالواقع المرير.. مثلها مثل التعامل مع أزمة مياه الأمطار التى تحولت إلى كارثة لبعض القرى وعجزت الحكومة عن مواجهتها، والأسوأ أنها ما زالت تتعامل معها بنفس الفكر العقيم، والذى يقف عند حد شفط المياه من الشوارع وإلقائها فى الترع، ولم نسمع حتى الآن عن خطة جديدة لمواجهة الأمطار والسيول ثم الاستفادة منها.
إذا كنا مازلنا نصبو نحو تحقيق رؤية جديدة، تنقلنا إلى ما حققته تجارب دولية ناجحة سبقتنا فى هذا الشأن، علينا أن نتوقف أمام صور العجز والفشل التى أصبحت مكررة فى صور شتى، وتصيب هذا الشعب فى مقتل، وتحبط عزيمته التى اشتعلت فى الثلاثين من يونيو، وتوهجت فى حفر قناة السويس وتضافرت فى المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ.. ورأينا الروح المعنوية للشعب المصرى تمثل أحد عناصر مكونات القوة الشاملة لمصر فى مجابهة كل التحديات، ولولاها لسقطت مصر فى الفخ الذى سقط فيه أشقاء آخرون.. من هنا أصبح ملحًا إعادة النظر فى الشأن الداخلى على مستويات كثيرة، ربما يكون على رأسها طريقة تشكيل الحكومة وأسلوب عملها والأدوات التى تحتاجها سواء كانت تشريعات جديدة أو خبرات أجنبية.. ثم الأهم وهو الصف الثانى بعد الوزراء والمحافظين، وهم رؤساء الهيئات والقطاعات والمؤسسات باعتبارهم القوة التنفيذية الحقيقية لأى حكومة، واختيار هذا الصف بعيدًا عن السلم الوظيفى ومن خلال جهات سيادية وتدريبهم خارجيًا وداخليًا، لا يشكل فقط نقلة نوعية مهمة فى كل قطاعات الدولة.. وإنما يمثل أيضا تطهيرا لعناصر الفساد التى تشكل خلايا عنقودية فى الجهاز الإدارى للدولة، وتأبى أن تعمل بعيدا عن القيم الفاسدة والفكر القديم الذى يشل حركة الاستثمار، ويعطل القانون ويصر على الفوضى، ويجابه كل محاولات التغيير والتقدم لهذا الوطن، وإلى حد عجز الحكومة عن تغيير وجه هذا المجتمع فى أبسط صورة سواء تمثل ذلك فى شارع نظيف أو حركة مرور منتظمة.