الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

"الخروف المسموم".. أغنام العيد تصيب بأمراض خبيثة وتجهض النساء

تبدأ بالفشل الكلوي ولا تنتهى بالسرطان

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
■ خبراء «الرقابة الصحية»: المجازر تفحص الحيوانات بالعين المجردة ولا توجد أجهزة للكشف عن إصابة الأنسجة بالأمراض
■ «التعبئة والإحصاء»: الجيزة والقاهرة والقليوبية أكثر المحافظات تضررًا من «اللحوم القاتلة».. والأزهر: البعد عنها «سنة نبوية»

لا بد أنه أثار انتباهك.. جذبك ولو للحظات.. هذا المشهد الذي يتحرك فيه ببطء حشد من الأغنام.. حيث عشرات الخراف والماعز.. تسير بين «غنامين»، بينما ينتظر العابرون مرور حشدها بسلام، وقد أثار عبورها غبار الشارع.
مع اقتراب عيد الفطر فإن من بين كل ألف مواطن هناك مائة معرضون لرؤية هذا المشهد.. وربما - أيضا - عدد كبير منهم معرض للإصابة بأمراض خطيرة وسرطانية بسبب هذه الأغنام، ليس لأنها تمر من أمامه، وتثير أتربة كانت مستقرة بملوثاتها، بل لأنهم قد يتناولون لحومها بعدما رعت وترعرعت ولا تزال تتغذى على «القمامة والمخلفات» إلى حين ذبحها.
«البوابة» رصدت الظاهرة المسكوت عنها عمدًا مع سبق الإهمال والتقصير.. وهى التي تتجاوز بخطورتها حد ارتفاع أسعر اللحوم، وتمتد إلى ما يعد عبثًا دائمًا بصحة المصريين ينتهى بإصابتهم بأمراض خطيرة تبدأ بالتسمم الغذائى والفشل الكلوى وربما لن تنتهى بالسرطان.
رغم التحذيرات المتكررة لخبراء متخصصين في هذا الشأن، يبقى سكان مناطق بعينها في الجمهورية عرضة لنتائج كارثية بسبب هذه الظاهرة، فوفق تصريحات رئيس الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، اللواء أبوبكر الجندى، فإن سكان محافظتى القاهرة والجيزة هم الأكثر تضررا.
انتشار الظاهرة دفع اﻷطباء والبيطريين للتحذير من خطورة تناول لحوم الحيوانات التي اعتمدت في تغذيتها على القمامة، وما تسببه من أمراض، غير أن الخطورة تبدو أكبر في ظل عجز المجازر عن اكتشاف الحيوانات المصابة بأمراض وبكتيريا وطفيليات وأنسجة مسمومة، خصوصًا أن الفحص فيها يكون بالعين المجردة.
وفق تقرير الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء عام ٢٠١٤، فإن ثروة مصر الحيوانية تقدر بنحو ١٩ مليون رأس ماشية، وتأتى محافظة البحيرة في المرتبة الأولى، حيث تبلغ ثروتها الحيوانية نحو ٢.٣٩٥.٤٦٧ مليون رأس ماشية وتأتى محافظة الشرقية في المرتبة الثانية ولديها ١.٧٨٢.٣٤١ مليون رأس فيما تأتى محافظتا القناة بورسعيد والسويس الأقل إنتاجا للثروة الحيوانية فالأولى تنتج نحو ٢٣.٨٣٧ ألف رأس والثانية إنتاجها بمعدل ٦٢.٥٦٤ ألف رأس.
وقدر استهلاك مصر للحوم الحمراء ٧.١٤١.٢٨٠ مليون رأس ماشية سنويا، وتعد محافظة القاهرة الأكثر استهلاكا للحوم الحمراء بمعدل ٣٦٦.٣٦٢ ألف رأس ماشية سنويا وتليها الجيزة ٢١٠.٥٠٥ ألف رأس سنويا، وتأتى محافظتا شمال سيناء وجنوب سيناء الأقل استهلاكًا فالأولى تستهلك ١٧.٣٢٠ ألف رأس في السنة والثانية ٣٥.٤٩٠ ألف رأس كما يمثل الإنتاج المحلى ٧٤.٣٪ يوفرها الناتج المحلى من اللحوم الحمراء من إجمالى الإكتفاء الذاتى المتاح للاستهلاك سنويا.. ومن العدد الإجمالى لرءوس الماشية والأغنام فإن نسبة ليست قليلة منها تتغذى على «القمامة» وهو ما يؤدى بالضرورة لمخاطر صحية كبيرة على الإنسان الذي يتناول لحوم هذه الأغنام.
تهديد الثروة الحيوانية
الدكتور شعبان درويش، مدير عام الطب البيطرى السابق بمديرية شمال الجيزة، يرى أن رعاة الغنم، أو «الغنامة» كما يطلق عليهم خبراء الطب البيطرى، هم الأخطر على مستقبل الثروة الحيوانية لأن عملهم في الغالب يقوم على تلقيح الأغنام لبعضها مقابل أجر يأخذه من صاحب الغنمة وغالبا ما يكونون من أماكن متفرقة، لذلك من السهل أن تنتقل العدوى بعد تلقيح هذه الأغنام، التي تتغذى على القمامة، ويضيف «دائما ما تطلب مديرية الطب البيطرى تعاون الشرطة والمحليات والصحة والبيئة والزراعة في الرقابة على هؤلاء الغنامة لمنع انتشار الحمى القلاعية، وجدرى الغنم، وهى أوبئة أخذت تنتشر في كل المحافظات، بعدما ساهم فيها نقل الأغنام من بلد إلى آخر. مشيرا إلى أن ذلك يعرض الثروة الحيوانية لخطر بسبب هذه الأوبئة. ويشدد «درويش» على إدارات الطب البيطرى أن تمارس دورها في التصدى لذلك، بإصدار نشرات توعية وتنظيم حملات تفتيش مستمرة بالتعاون مع المحليات، خصوصا في الأماكن الخطرة مثل إمبابة وبشتيل والبراجيل بالنسبة لمحافظة الجيزة.
مذاقها سيئ ومنعها صعب
ويشير «درويش» إلى أن صعوبة منع رعاة الغنم على القمامة أو «الغنامة» تجعل مسئولى الطب البيطرى يبحثون باستمرار عنهم في أماكن القمامة لتطعيم الأغنام. فضلًا عن استهدافهم للبيوت والحظائر والزرائب لتطعيم الأغنام ضد حمى الوادى المتصدع، والحمى القلاعية، وهو دور وقائى وإجبارى.
الدكتور علاء إسماعيل، أستاذ الجراحة العامة بجامعة عين شمس، ورئيس معهد الأمراض المتوطنة والكبد، يحذر من أن الأغنام والحيوانات التي ترعى على القمامة تصاب بالطفيليات، وأنواع أخرى من الطفيليات منها ما ينتقل للإنسان مثل الدودة الشرطية، أو غيرها مثل القمل والجرب. ويشير كذلك إلى أن لحوم هذه الحيوانات يكون مذاق لحومها سيئًا للغاية. مؤكدًا أن أي حيوان يتغذى على القمامة يحمل أمراضًا يمكن أن تنتقل للإنسان.
ويتفق الدكتور محمد عز العرب، رئيس وحدة أورام الكبد بالمعهد القومى للكبد، معه موضحًا أن تناول لحوم أو ألبان حيوانات تتغذى على القمامة ضار جدًا على صحة الإنسان، كما ينتقل ما تحتويه من ميكروبات وقت ذبحها ويصيب الجزار نفسه، إذ أنها تحتوى على جميع أنواع الميكروبات العنقودية والسالمونيلا، وجميع أنواع الفطريات والعفن، فضلًا عن أنواع خطيرة من الطفيليات في روث الكلاب، والقطط، التي تكوّن حويصليات داخل العضلات والكبد مثل مرض التنيا السوليم الملازم للخنازير. وكذلك مركبات النيتريك والكبريت والمعادن الثقيلة في القمامة التي تسبب أضرارا في جسد الحيوان، إضافة إلى احتواء أكياس القمامة نفسها على مادة الديوكسين، وهى مادة مسرطنة وخطيرة، على عكس الأعلاف التي لها قيمة غذائية وتتحول للبروتين الحيوانى.
ويؤكد رئيس وحدة أورام الكبد بالمعهد القومى للكبد، أن أكياس «الهيبات» و«التنيا سوليم»، و«الدودة الشرطية» تتكون في الخنازير نتيجة أكل القاذورات التي تنتقل ميكروباتها للإنسان إذا ما أكل لحومها، ولا يمكن القضاء عليها حتى مع درجة عالية من الغليان أثناء الطهى، كما تصيب الإنسان بتكيسات العضلات والتيفود والديسونتاريا والتسمم الغذائى نتيجة الطفيليات الموجودة في اللحوم.
أعلاف خطيرة على الصحة
في المقابل، يقول الدكتور عصام إبراهيم، وكيل معهد بحوث الصحة الحيوانية بوزارة الزراعة، إن التغذية الجيدة من أهم عوامل ضمان إنتاج أفضل وضمان صحة القطيع، مشيرًا إلى أن الأعلاف المركزة التي تتكون من الشعير والذرة أو المركزات الجاهزة في السوق ذات قيمة غذائية عالية من البروتين والطاقة والفيتامينات والأملاح والدهون من عناصر التغذية الجيدة، بكميات لا تتعدى ١٥ كيلوجراما يوميًا للرأس الواحد. وذلك مع إعطاء علائق مالئة مثل القش والتبن التي تشعر الحيوانات بالشبع، وتحتوى على نسبة ألياف عالية تنشط عملية الهضم، ولكن قيمتها الغذائية قليلة لاحتوائها على نسبة قليلة من البروتين، إضافة إلى الأعلاف الخضراء والخشنة مثل الدريس بكميات كبيرة في العلائق اليومية، حيث إنها مصدر جيد للطاقة والبروتين والفيتامينات والأملاح للمحافظة على صحة الحيوانات وزيادة إنتاجيتها.
ويشير أستاذ الصحة الحيوانية، إلى أنه عند تقديم الأعلاف الجافة والفقيرة بالعناصر الغذائية الضرورية، مثل القمامة، فهى تكون صعبة الهضم وتؤدى إلى أعراض سوء التغذية وفقدان الوزن، ونقص النمو، والإسهال، وخشونة وتقصف الصوف، وأنيميا، وتقوس الظهر. فتغذية الحيوانات على القمامة بحسب الدكتور عزالعرب، من أسباب تخمة الكرش لدى الحيوان. كما تسبب ضيق التنفس وصعوبة السير، وترفع نسبة نفوق الحيوانات المصابة من ٦٠٪: ٧٥٪ تقريبًا، كما أن لحومها تكون متدنية القيمة الغذائية للإنسان، وتسبب العدوى والإصابة بالأمراض المعدية والطفيليلة والبكتيرية والفيروسية، وقد تكون بعض تلك الأمراض مشتركة بين الإنسان والحيوان، خصوصًا أن مسبباتها تتراكم في أنسجة الحيوانات ولحومها ودهونها وتنتقل منها إلى الإنسان، وقد تؤدى في النهاية لأورام سرطانية وفشل كلوى. ويطالب وكيل معهد الصحة الحيوانية، بضرورة التوعية بأهمية تربية الأغنام والماشية بالطرق السلمية ومخاطر الرعى على القمامة المنتشرة بمصر وتفعيل أكبر لدور الطب البيطرى من خلال إرشاد المربين بالطرق السلمية لتربية الأغنام للحفاظ على الثروة الحيوانية وتجنب التأثير السلبى على صحة الإنسان نتيجة تناوله لحوم الأغنام المصابة.
ملوثات لا تزول بالطهي
ويقول الدكتور فهيم شلتوت، أستاذ الرقابة الصحية على الأغذية وتغذية الحيوان، وعضو مجلس قسم مراقبة الاغذية بكلية الطب البيطرى جامعة بنها: إن تناول لحوم حيوانات تغذت على القمامة يعنى أن ما بها من ملوثات يظل باقيًا مهما طهيت وتعرضت للحرارة العالية، محذرًا من أن لهذه الملوثات الكيميائية أثرا تراكميا في جسم الإنسان يظهر بعد ما يقرب من ١٠ سنوات، وهو ما يكلف الدولة ميزانية طائلة في علاجها.
ويكشف شلتوت عن أن المجازر في مصر يقتصر فحص اللحوم فيها على النظر بالعين المجردة، دون تحاليل دقيقة على اللحوم نتيجة لعدم تجهيز المجازر بوسائل فحص المتبقيات الكيميائية في اللحوم التي لا تكتشف بالعين المجردة. موضحًا أن الحيوان يمر بمرحلة من الفحوصات الظاهرية قبل الذبح كمعرفة عمره ووزنه وحالته الصحية، وحالة صوفه، وعلى أساس ذلك يقرر الطبيب البيطرى ما إذا كان يذبح أم لا، أو تركه لحين تعافيه من أي مرض، أو إعدامه إذا ما كان مصابًا بمرض الحمى الفحمية.
ويوضح شلتوت أن المربين الذين يعتمدون على القمامة كمصدر لتغذية حيواناتهم إنما يهدفون لتربيتها بدون كلفة مالية، كما يبرر ذلك بتناقص مساحات الأراضى الزراعية، معتبرًا أن لذلك أثره على تراجع إنتاج الثروة الحيوانية في مصر. لكنه أيضا يحذر من خطورة هذه الظاهرة المنتشرة في بعض المناطق، خصوصا العشوائية، التي لوحظ فيها تقديم الخبز الجاف «المتعفن» للحيوانات، لافتًا إلى أن العفن الموجود بالخبز ينتج السموم الفطرية المسرطنة، التي تترسب في كبد الحيوانات، وألبانها وبيض الدجاج، وإذا تناولها الإنسان فإنها تصيبه بالسرطان. مؤكدًا أن هناك العديد من الأبحاث العلمية التي حذرت من خطورة تغذية الحيوانات على المخلفات لأضرارها الصحية الجسيمة على صحة الحيوان والإنسان معا، لافتًا إلى أنه أصدر كتابين حول هذا الموضوع باسم «صلاحية وجودة اللحوم والأغذية»، و«الفطريات والمسرطنات في الأغذية». لكنه يشدد على أن الأبحاث العلمية ينتهى بها المطاف بأن تظل حبيسة الأدراج ولا ينفذ منها شىء.
تجاهل "البيطريين"
من جهة أخرى، يؤكد اللواء عاطف يعقوب، رئيس جهاز حماية المستهلك، أن الجهاز يتلقى بلاغات المواطنين على الخط الساخن رقم ١٩٥٨٨ عند تشككهم في عدم صلاحية أي منتجات، ومن ثم يقوم حماية المستهلك بدوره للتأكد من البلاغ، وإذا ما ثبت عدم صلاحية المنتجات يتم اتخاذ إجراء قانونى تجاه المخالفين، مشيرًا إلى أن الجهاز تلقى أخيرًا بلاغًا من أحد المواطنين حول فساد لحوم مصنع لانشون، وبالفعل أغلقنا هذا المصنع بعد ثبوت صحة البلاغ.
ويضيف يعقوب أن جهاز حماية المستهلك والذي يضم تحت لوائه ٦٥ جمعية، يكثف من جهوده في فترات المواسم مثل عيد الأضحى ويشارك في تشكيل لجنة عليا لمراقبة الأسواق بالتعاون مع مباحث التموين، والخدمات البيطرية، ووزارة الصحة. كما يعلن الجهاز إرشادات للمواطنين حول مواصفات اللحوم الجيدة. وفى السياق، يؤكد محمود العسقلانى، رئيس جمعية «مواطنون ضد الغلاء»، أهمية دور المحليات في مواجهة ظاهرة رعى الحيوانات على القمامة، مشيرًا إلى أن عليها تحرير محاضر ضد المخالفين، خصوصًا أن ذلك يؤثر على صحة الحيوانات والمواطنين إذا ما تناولوا لحومها أو ألبانها، فالقمامة تؤدى إلى ترسب التلوث والبكتيريا داخل أنسجة الحيوانات مما يفسد لحومها.
ويشير «العسقلانى» إلى أن جمعية «مواطنون ضد الغلاء»، تلقت العامين الماضى، والحالى، العديد من البلاغات بخصوص تغذية الحيوانات على القمامة وبدورها أخطرت الطب البيطرى والأحياء والمحليات فدورها ضرورى ولكن يبدو غائبا.
البعد عنها "سنة نبوية"
من جانب آخر، فإن الدكتور محمود مزروعة، أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر، يحذر من أنه لا يحل شرعًا تناول لحوم حيوانات تغذت على القمامة، موضحًا أن القمامة نجسة وتحتوى على قاذورات، والعلماء يفرقون بين الدواجن والطيور التي تربت في المنازل ونظيرتها التي تركت للشارع لتأكل النجاسة والقاذورات وتسمى «بالطيور المخلاة» ولا يحل أكلها. كما يفرق العلماء بين الحيوانات آكلة اللحوم كالذئاب والأسود والنمور، وهى أكلها محرم لأنها تعيش على الحيوانات النافقة. مؤكدًا أنه لا يوجد حديث صحيح ينهى عن أكل هذه اللحوم، لكن السنة النبوية لا تقتصر فقط على الأحاديث، وإنما هي ثلاثة انواع إما قول أو فعل أو تقرير. والتقرير مثل أن رسول الله، صلى الله على وسلم، رأى الصحابة لا يأكلون الحيوان الداجن مثل الأوز والبط والدجاج المخلاة لتغذيتها على النجاسة إلا إذا كان يأكل ما ليس متروكا في الشارع، فيقر هذا، وعليه سميت «سنة تقريرية»، كما أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، أحيانا كان يرى شيئًا ولا يمنعه فيصير مباحًا، ولذلك فإن سكوته عنه يدل على جوازه شرعًا، ولذلك يؤخذ هذا على أنه سنة من النبى، صلى الله عليه وسلم، ومن سننه في الإسلام أنه لا تؤكل الحيوانات أو الطيور التي تعيش على الجيف.