الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

بين مدنية الدولة والأزهر!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسى أثناء افتتاح قناة السويس الجديدة، يؤكد أننا بصدد فرعون مصرى يعى جيدًا طبيعة الدور التاريخى الذى تضطلع به أمته خدمة للإنسانية.
كلمات الرئيس جاءت امتدادًا للرسالة التى حملها قبله أجداده الفراعين، فكما كانت مصر فى الماضى سلة غلال العالم، ها هى اليوم تقدم له سبيل النماء والرخاء عبر قناة السويس.
لكن ازدهار التجارة الدولية ونموها ليس الشىء الوحيد الذى تمنحه المحروسة للدنيا، وهذا ما أكده الرئيس عندما أشار إلى دور مصر فى مكافحة الإرهاب، جماعات وأفكار، لافتًا إلى ما سيقدمه الأزهر الشريف للعالم من خطاب دينى ينبذ العنف والتطرف بعد إتمام عملية التجديد التى تتم الآن، وإن كانت نتائجها لن تظهر إلا بعد سنوات، حسب الرئيس.
لو خرج إلى النور خطاب دينى من هذا النوع لأتمت المحروسة رسالتها، لكنى أشك فى أن الأزهر الشريف هو من سيتمم هذه المهمة، بل لا أكون مبالغًا إذا قلت إن الأزهر عاجز عن أن يخطو خطوة واحدة فى مسار تجديد الخطاب الدينى.
ليس هذا تشكيكًا فيما قاله الرئيس، وإنما تنبيه إلى أن قوله كان بمثابة رسالة أخيرة لمؤسسة الأزهر، لا سيما وأن الرئيس ذاته انتقد بالأمس القريب تقاعس رجال الأزهر وعزوفهم عن اتخاذ خطوات جادة لتجديد الخطاب الدينى، كان ذلك فى لقائه معهم أثناء الاحتفال بليلة القدر، عندما اتهم صمتهم عن انتشار التطرف والتخلف بالتسبب فى إلحاد بعض الشباب.
ولو أراد الرئيس حقًا تجديد الخطاب الإسلامى فعليه أن يتجه إلى المفكرين والمثقفين الجادين، والذين يؤمنون بقدسية التفكير العلمى، وأن إعمال العقل فى الموروث فريضة، وألا يقصر الأمر على رجال الأزهر، لأنهم ليسوا أهلًا للتجديد والتحديث وإلا لقرأنا أبحاثهم واجتهاداتهم بدلا من تصريحاتهم التى تأتى دائمًا كرد فعل روتينى لدعوات الرئيس.
أحدهم ترجم استجابته لدعوة تجديد الخطاب الدينى بتعيين أربع واعظات فى مديرية أوقاف محافظة الغربية، لكن هل وعى هذا المسئول فى المؤسسة الدينية أن تجديد الخطاب يعنى نقد الموروث وتصحيح ما به من أخطاء.
يعرف معظم رجال الأزهر والمؤسسات الدينية فى العالم العربى والإسلامى تجديد الخطاب الدينى باعتباره إحياء للموروث القديم، وبالكاد تنقيته من الشوائب والعوالق، ولا يذهب أبدًا إلى تعريف التجديد من حيث كونه اجتهادًا وإعمال عقل لتقديم فقه جديد قد يستفيد من الموروث لكن لا يتبعه كالأعمى.
لم يعد لدينا متسع لنكتفى بمستنيرين كالشيخ محمد عبده وغيره من أعلام التنوير فى الأزهر الذين ينظرون فى التراث، فيأتون بأكثر أفكاره رحابة واستنارة، فقد صرنا بحاجة ملحة إلى مجتهد يقدم تأويلا وتفسيرا جديدا، على غرار مدرسة دكتور نصر حامد أبوزيد، ومجتهدين يسيرون على نهج ابن رشد الذى أحرقناه وأهملناه رغم أنه جزء من التراث الذى يقدسه البعض.
لذلك الأمر يحتاج إلى الاستعانة بأساتذة الفلسفة وعلماء التاريخ والاجتماع وعلوم الأنثروبولوجيا دون الاكتفاء برجال الأزهر، لأنه لا كهنوت فى الإسلام.
فبعض رجال الأزهر يفسرون المادة السابعة من دستور ٢٠١٤ والخاصة بمؤسسة الأزهر الشريف على نحو يجعل منها مؤسسة كهنوتية، حيث يعتبر بعضهم نص المادة «على أن الأزهر قائم على كافة شئونه دون غيره، وأنه المرجع الأساسى للعلوم الدينية والشئون الإسلامية»، أنه المعنى الوحيد بعملية تجديد الخطاب الدينى والمسئول الوحيد عن الاجتهاد، رغم أن الجزء الأول يعنى أن الأزهر وحده القائم على شئونه الداخلية ذات الأبعاد الإدارية والمالية وليس من بينها إعمال العقل والاجتهاد، أما الجزء الثانى من نص المادة فيؤكد على أن الأزهر هو المرجع الأساسى للعلوم الدينية وليس الوحيد.
ستظل مدنية الدولة المصرية على المحك إذا استمرت هذه النظرة للأزهر كمؤسسة دينية لا تنطق عن الهوى، وإذا ظل الرئيس يعتبرها المكلف والمسئول الوحيد عن تجديد الخطاب الدينى، وهى المؤسسة التى لا تزال تخلط بين الدين والسياسة وتروج فى كتبها ومساجدها وفتاواها وخطابها العام شعار جماعة الإخوان الإرهابية «الإسلام دين ودولة»، وتغليبها الدائم لما أسميه بدولة شيوخ الفتوى على دولة القانون بإصدار فتاوى تتدخل فى العلاقة بين الدولة والمواطن والتى لا ينظمها ويرتبها سوى الدستور والقانون.