الثلاثاء 04 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

قرآن الأقباط

ليس كتاب المسلمين فقط

الإنجيل
الإنجيل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«مرنم كنسى» يقلد «النقشبندى» ومكرم المنياوى يمدح «خير البرية».. و«فيروز» تتغنى بالهجرة
قبطى يهدى المسلمين «سبحا من المكرونة» وتسجيلات «سيد سعيد».. وآخر يصبح «درويشاً» فى حضرة «الصياد»

يبشر الإنجيل بنبوة «المنحمنا»، اسم النبى محمد باللغة «السريانية» فيقول المسيح موصياً تلاميذه: «جاء المنحمنا هذا الذى يرسله الله إليكم من عند الرب».
يتوافق ذلك مع رواية القرآن على لسان «المسيح» أيضاً الذى يقول فى سورة «الصف»: «يا بنى إسرائيل إنى رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدى من التوراة ومبشراً برسول يأتى من بعدى اسمه أحمد».
مناسبة هذا الحديث عن «التوافق» فى الكتابين السماويين ليست إشارة إلى إعجاز علمى أو تنويه إلى «عقيدة وشريعة» فالقرآن حسمها تماماً «لكم دينكم ولى دين»، لكن الحديث ها هنا عن «تهافت القلوب» -سواء كانت مسلمة أو مسيحية- للحن السماوى الخالد «القرآن الكريم».
للناس فيما يعشقون مذاهب، والعشق لا يكون إلا لما هو «جميل»، للشيء الذى يجذبك بمجرد سماعه حتى لو لم يدركه سمعك أو فؤادك، دليل ذلك عشق من قال فيهم رب الخلق أجمعين «ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى»، للقرآن وتلاوته بل والإنشاد فى حب «رسول هذا الكتاب»، سحرتهم آيات الذكر الحكيم وأذابتهم تجلياً ووقاراً فى حضرتها حتى لا تفرق بينهم وبين من شهد أنه لا إله إلا الله.
طفولتى شكلها مشهد يعكس ما قلته سابقا.. جار «قبطى» لنا يسمى «رومانى منتياس» فى قرية تشهد بين حين وآخر «خلافات طائفية»، ينساب إلى أذنى صوت سماوى صادر من محل البقالة الذى يملكه، مصدره تلاوة الشيخ سيد سعيد لسورة «يوسف»، أتوجه إليه لأفاجأ بهديته لى: «سبحة» صنعها من خيط وحبات «المكرونة» التى يبيعها وشريط كاسيت للتلاوة ذاتها!.
مشهد آخر عرفته عندما قررت البحث عن حياة مقرئى المفضل «الشيخ شعبان الصياد»، أفضل من تلا سورة «مريم»، يرويه أهل بيته فيقولون إن صديقا «قبطيا» يعمل صيدلانيا بمدينة «منوف» كان يذهب وراءه فى كل الليالى ويدعوه لتلاوة ما تيسر من «سورة مريم» قائلا له: «أرح قلوبنا بسورة مريم يا شيخ».
نبقى مع «الصياد» الذى يحكى عنه أيضا أنه أثناء تلاوته لسورة «الإسراء» بمحافظة كفر الشيخ، ومن شدة التجلى والروحانية التى أظهرها صوته، دخل «قبطى» إلى المسجد وصرخ بأعلى صوته: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو على كل شيء قدير.. أشهد أن سيدنا محمد رسول الله»، وفق ما يروى محبو «الصياد».
ومن الحكايات الشهيرة عن «قيثارة السماء» الشيخ محمد رفعت، ما عرف عن كونه «أول مقرئ يبكى الأقباط بصوته»، وتعود أحداث تلك الحكاية إلى فترة الحرب العالمية الثانية، إذ فوجئ مدير الإذاعة آنذاك بضابط كندى «كاثوليكى» يأتى لمقر الإذاعة ويطلب منه لقاء «رفعت» بعد أن سمع صوته فى وقت سابق، وبمجرد رؤيته ومعرفته بأن الشيخ «كفيف» بكى الضابط الكندى وقال: «الآن عرفت سر الألم العظيم الذى يمتلئ به صوته».
لا يقتصر الأمر على حب وعشق للقرآن فحسب، بل تجاوز الأمر للحد الذى جعل المسلمين يرتلون القرآن لمدة تزيد على الألف عام وحتى الآن، على طريقة أحد الأقباط الذى صاغ قراءة من أشهر «القراءات العشر» وهى: «ورش عن نافع»، فـ«ورش» هذا قبطى مصرى اسمه كاملا: «عثمان بن سعيد بن عدى».
حديثا وفى إطار حديثه عن دور شيخ الأزهر والبابا فى احتواء «الأزمات الطائفية» استشهد الإعلامى اللبنانى الكبير جورج قرداحى بالآية الكريمة من سورة العنكبوت: «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا أمنا بالذى أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون»، التى تلاها بشكل حافظ خلاله على دقة التلاوة وأحكامها ما يعكس إلمامه بما يمكن أن نسميه «الثقافة القرآنية».
ولم يخف المطرب السورى الكبير جورج وسوف عشقه للقرآن الكريم وترتيله فى أحيان كثيرة، بجانب تسجيله لأسماء الله الحسنى والأذان بصوته.
كما اعتادت «جامعة لافيرن» بمدينة كاليفورنيا الأمريكية تنظيم حفل تخرج سنوى تدعو خلاله طلابها المسلمين لترتيل القرآن الكريم بين جنبات إحدى كنائس المدينة وسط خشوع وإنصات الحضور. ويمتلئ موقع الفيديوهات الشهير «يوتيوب» بعشرات المقاطع التى تعكس عشق الأقباط والأوروبيين للقرآن وجذبه أفئدتهم قبل أسماعهم وتدل على قدرة القرآن على «توحيد الخلق» فى حضرة كلام «الخالق الواحد».
يظهر أحد تلك المقاطع رجلا أوروبيا طاعنا فى السن يقف داخل صالة أحد المطارات الغربية، تلتقط أذناه قارئا للقرآن يرتل ما تيسر من سورة «الإنسان» وتحديدا تلك القائلة: «إنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا.. عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا.. يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا»، فتنتابه حالة خشوع غريبة تشبه تلك التى تعترى «دروايش الحضرة» فى مجالس الذكر الصوفى، لمَ لا؟ ومُنزل الكتاب يقول: «لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا».
مقطع آخر من مقاطع «يوتيوب» بطلته طفلة أمريكية لم يتعد عمرها ٧ سنوات، تقف داخل «مول تجارى» بإحدى الدول الخليجية، فيلتقط سمعها صوت الأذان الذى يتخلل فؤادها فتجرى باحثة عن مصدر الصوت الذى سحرها قبل أن تخالطها خلافات المذاهب واختلاف العقائد. وفى يونيو ٢٠١٣ وقف الشيخ محمد الرويلى على منصة الاحتفال باليوم الوطنى للأرجنتين فى حضور رئيستها «كريستينا فرنانديز»، ليرتل آيات القرآن بتلاوة ساحرة أبكت إحدى «الشقراوات» من الحضور – كما أظهر فيديو يوتيوب. ومن القرآن إلى مجال الإنشاد حبا فى رسول «مُنزل القرآن»، فها هو «المرنم الكنسى» مايكل رضا يظهر فى إحدى القنوات الفضائية وينشد «إن عظمت ذنوبى»، أحد أشهر ابتهالات المنشد العظيم «النقشبندى»، بطريقة لو استمعت إليها دون أن ترى المؤدى لقلت: «الشيخ سيد بعث من جديد». كما ذاع صيت المنشد القبطى مكرم المنياوى واسمه كاملا: «مكرم جبرائيل غالى» والذى يسحر منذ بداياته فى أوائل الستينيات مستمعيه بالمديح فى سيرة خلق «البرية».
من أشهر ما أنشده «المنياوى»: «يا مشرق الركب ع النبى طال النبات.. الورد فيه شوك فتح للرسول ونبات.. لما عجبنى الحال قلت للحجاج روحوا وأنا أبات.. تصرف جنيهك ع النبى يعوضه عليك ألوفات.. تعيش على أرض سبعين وتنام فى التراب ألوفات.. ما تقوم تزور النبى ده العمر ولى وفات». وهناك حكاية شهيرة عن «مكرم» الذى يصوم ١٥ يوما سنويا فى شهر رمضان تقول إن أحد القساوسة سخر منه قائلا لأحد الحاضرين لعظته: «متسمعش كلامى واسمع كلام مكرم المنياوى»، ما دفعه إلى التوجه إليه ومخاطبته: «الكتاب المقدس ما فيهوش مكرم.. خليك فى خدمة أبناء الكنيسة».
ومصداقا لعبارة «ختامه مسك» نختم بـالعظيمة فيروز «صوت الملائكة على الأرض» التى أنشدت مدحا فى حب الرسول قصيدتها الخالدة: «أقول وآنست بالليل نارا» التى نقلت فيها بصوتها الساحر وألحان «الرحابنة» مشاهد الهجرة النبوية فتقول: «أقول وآنست بالليل نارا لعل سراج الهدى قد أنارا.. وإلا فما بال أفق الدجى كأن سنا البرق فيه استطارا.. وهذا نسيم شذا المسك قد أعير أم المسك منه استعارا؟».
وتقول أيضا فى القصيدة ذاتها: «جرى ذكر طيبة ما بيننا فما قلب فى الركب إلا وطارا.. حنينًا إلى أحمد المصطفى وشوقًا يهيج الضلوع استعارا.. ولما حللنا فناء الرسول نزلنا بأكرم خلقٍ جوارا.. وقفنا بروضة دار السلام نعيد السلام عليها مرارا.. إليك إليك نبى الهدى ركبنا البحار وجبنا القفارا.. دعانا إليك هوىً كامنٌ أثار من الشوق ما قد أثارا».