الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المايسترو سليم سحاب ..!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بالموسيقى تحيا الحياة ذاتها، وهي الروح التي نفخت في جسد الكون ليتشكل عقله ووجدانه وليتحرك بفعل البناء والخلق والابداع من الماضي الى الحاضر الى المستقبل.
تلك حقيقة لايدركها الا فنان يعي ان لكل انسان ايقاعه الداخلي وموسيقاه المتصلة بموسيقى الكون التي تؤثر في عملية احساسه بالاشياء من حوله، فان توقف ذلك الايقاع وسكتت تلك الموسيقى مات الانسان، أو بالاحرى ماتت قدرته على الخلق والابداع، ومات احساسه بالآخرين، فتحول الى كائن انتهازي يعيش على ابتزاز من حوله، وصار يميل الى التوحش والاجرام.
مثل ذلك الانسان الذي فقد موسيقاه الداخلية "همزة الوصل مع العالم الخارجي " يميل في العادة للتطرف والتعصب ويفقد القدرة على الاستماع لغيره ويضع المختلفين معه في خانة الاعداء لذلك لايجد صعوبة في اتخاذ قرار بارتكاب عنف من أي نوع تجاههم حتى لو كان القتل.
سليم سحاب الذي نجح طوال عقود في ادارة أكبر الفرق الموسيقية عبر اشارات عصاه يقف اليوم على خشبة مسرح الانسانية كأعظم مايسترو يشير لنا الى كيفية بعث الحياة مجددا في أجساد أطفال أماتها الاهمال واغتال ارواحها التسكع في ميادين الضياع وافتراش الارصفة والالتحاف بالسماء في ليالي الشتاء قارسة البرودة.
"كورال أطفال مصر" هو بحق مشروع لاحياء الطفولة الميتة وهي رميم، فما فعله سحاب هو اعادة تخليق الانسان بالفن والابداع، والنماذج التي قدمها من خلال مشروعه كشفت كيف كان للموسيقى دورها ليس في تهذيب سلوك أولئك الاطفال فحسب وانما في احساسهم بقيمة الوطن بل وادراكهم لمعاني المواطنة.
هذا ما لمسته على الأقل في حديث بعض أطفال الكورال أثناء ظهورهم على شاشة التلفزيون، والذين أثبتوا ان للفن مفعول السحر في بناء الانسان وقدرته على الخلق واحياء الامم والمجتمعات.
أظن أننا بحاجة ليكون مشروع سليم سحاب المظلة الأم لمشروع أكبر يستهدف استيعاب كل أطفال الشوارع في مصر بحيث لايمكن ادراج هؤلاء الاطفال في برامج لمحو اميتهم وتعليمهم او تدريبهم وتأهيليهم مهنيا، او تهذيبهم سلوكيا دون بعث سر الحياة في نفوسهم عبر الموسيقى والفن، ولا نجاح ينتظر بدون هذه الخطوة التي قام بها الموسيقار والفنان العظيم سليم سحاب، وأذكر في هذا السياق أن الرئيس عبد الفتاح السيسي كان قد أشار الى مشكلة اطفال الشوارع أثناء حملته الانتخابية، واتصور أن المايسترو سليم سحاب قدم طرف الخيط بل لب الحل والطريق الذي ينبغي أن نمضي فيه، لذلك نحن بحاجة الى ماهو أكثر من بروتوكول تعاون بين وزير الشباب ووزيرة التضامن لدعم "كورال أطفال مصر".
فثمة هيئات ووزارات ومؤسسات لها دور كبير كوزارة الثقافة التي تدعم عملية تنظيم ورش فنية بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني ووزارتي الاسكان والانتاج الحربي بما تمتلكانه من مراكز تدريب وتأهيل مهني وحرفي، على ان تظل عملية التنسيق والادارة بيد المجتمع المدني حتى لايصاب المشروع بأمراض البيروقراطية.
ولاينبغي الاهتمام فقط بالمواهب الفنية المبدعة ولكن يجب أن يظل الفن الجرعة الرئيسية التي تمنح لكل الاطفال وبشتى أشكاله وصوره من موسيقى وغناء وعزف ورسم ونحت وتمثيل ورقص وليبدع فيه من يبدع لكن الهدف الأسمى هو أن يظل الجميع مشاركا لأن الفن يمنحه الروح التي فقدها في حياة الشوارع.
لو شئتم الحق فان المجتمع بأسره بحاجة الى كورال سليم سحاب، فكلنا يحتاج لاستعادة قدرته على الغناء والرقص، وربما الرسم أو النحت، كلنا بحاجة لاعادة بناء قدرتنا على الابداع والخلق، لذلك لماذا لاتكرر تجربة سحاب في جميع الهيئات والمؤسسات والشركات العامة والخاصة..؟!
وأتصور أن الادارة التي تريد نجاح مؤسستها ستلجأ الى تشكيل فرق فنية تسمح بمشاركة كل العاملين وتلك تجربة عاشتها مصر بالفعل خلال حقبة الستينيات أشرت لها في مقال سابق.
فقط علينا الايمان بأن الفن روح الحياة وبدونه نحن نتعاطى الهواء والماء والغذاء كالانعام بدون عقول مبدعة قادرة على الخلق مالكة لارادتها.