الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

صيحات التجديد الديني ( 50 )

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وآتى إلى صديق حميم آخر .. مجدد رائع فى هدوئه الصامد الذى تحدى به كل غوغائية القوى الظلامية . نأتى إلى الصديق العزيز د. نصر حامد أبو زيد . ولم يكن نصر فى البداية سوى باحث أكاديمى مجتهد ومجدد وواسع الاطلاع ، لكن الهجوم الظلامى الشرس لفت الأنظار إليه فازداد الظلاميون وحشية فى الهجوم عليه . التقيت بالدكتور نصر لأول مرة عندما تشاركنا فى ندوة بمعرض الكتاب أدهشنى بحجمه البرميلى وأدهشنى أكثر بقامة زوجته د. إبتهال السمهرية وتحدثت عن هذه المفارقة فأغرقنا ثلاثتنا فى ضحك ملأ الصالون الملحق قبل الندوة وكان نصر فى الندوة جذاباً وهادئاً وقادراً على الإقناع .. وبعد أن أصدر نصر كتابه الشهير "الامام الشافعى وتأسيس الايديولوجية الوسطية" وكان قد أعده كأحد أبحاث الترقية إلى درجة الأستاذية تفجر الغضب الظلامى على يد التكفيريين وكان أكثرهم حماساً الشيخ عبد الصبور شاهين . وبدأ الهجوم عندما أدعى أحدهم بأن هذا الكتاب يشهد "عداوة شديدة للقرآن والسنة ويدعو الى رفضها والى تجاهل ما أتت به" ووصف الكتاب بأنه مجرد "جهالات مركبة" . ثم كتب الشيخ عبد الصبور كتاباً بعنوان "قصة أبى زيد وانحسار العلمانية فى جامعة القاهرة" "محرضاً فيه على أبو زيد ومتهماً إياه بالكفر والإلحاد" وظل الشيخ يترصد الدكتور نصر فى كل ما يكتب وما أن ينشر فى الهلال مقالاُ بعنوان "المسكوت عنه عند ابن عربى" فأخذ عبارة منقوصة من هنا الى عبارة منقوصة من هناك ليستخرج وبشكل غير علمى وغير صحيح أن نصراً حصر إعجاز القرآن فى أنه تغلب على شعراء عصره لكنه فى ذاته ليس معجزاً وارتفع صوته مؤكداً إلحاد نصر ومطالباً بالتفريق بينه وبين زوجته ، وتضامن الظلاميون وتعالت صيحاتهم وصدر حكم قضائى هو الأول من نوعه فى تاريخ مصر الحديث وينص على تكفير نصر حامد أبو زيد ويترتب على ذلك التفريق بينه وبين زوجته . واحتشد العديد من المثقفين والمستنيرين مدافعين عن الرجل وزوجته ووقعوا على بيان جاء فيه " دفاع عن حرية الاعتقاد وحرية الفكر والتعبير وأكدوا أنهم يرون أن هذا الحكم تشوبه مطاعن ولا يستند إلى أساس من الدستور أو القانون ويخالف بشكل سافر كافة المواثيق والعهود الدولية التى وافقت عليها مصر والتزمت بها . وأن المحكمة استجابت الى المذكرة العمياء التى تقدم بها أفراد متطرفون ومعادون لحرية الفكر والاعتقاد التى أقرتها كافة الدساتير الديمقراطية فى العالم أجمع وترصدت بهذا الفكر الكبير وحكمت بالتفريق بينه وبين زوجته" . لكن الظلاميين استعادوا كل ما كتب أبو زيد والتقطوا عبارة من هنا وأخرى من هناك ولفقوا وزوروا وكذبوا وخاصة حول كتابه "نقد الخطاب الدينى" والذى دعا فيه الى تحرير هذا الخطاب من الخرافات والأكاذيب والأساطير حتى يستطيع المسلمون التخلص بشكل جذرى من آفة التطرف المتغلغلة فى مفاصل المجتمع" ودخل نصر بهذا الكتاب فى مناقشات حامية مع الشيخ متولى الشعراوى وغيره وخرج منها منتصراً . ثم أصدر عن معركته هذه كتاباً بعنوان "من التفكير إلى التكفير" . ولم يكن حكم المحكمة بالأمر السهل على نصر وزوجته وقد التقيته فى هذه الأيام الصعبة فكان محاطاً بحراسة أمنية فثمة حكم بتكفيره ومن ثم يمكن لأى فتى متطرف أن يغتاله مستنداً إلى حكم قضائى . وهو لا يمتلك سيارة وكان يذهب هو وزوجته من بيتهما فى 6 أكتوبر الى الجامعة بالأوتوبيس .. فكيف يذهبان وهما مطاردان ومعهما حراسات أمنية فى الأوتوبيس المزدحم بالركاب ؟ وهمس نصر بأنه قرر الرحيل . ولم أعترض فلا حل غير ذلك . وسافر إلى هولندا . وزرته فى "ليدن" حيث يقيم فى شقة متواضعة ليس عليها اسم حفاظاً على أمنه وأمضينا وقتاً طويلاً . وجدته مشتاقاً لمصر ، يكاد الشوق أن يعصف به ، لكنه كان غزير الإنتاج وحكى عن محاضراته فى عديد من الجامعات والحفاوة التى يستقبل بها .. وعدت إلى مصر حزيناً فكتبت مقالاً عنه وسألت المصريين هل تذكرونه ؟ وأوردت أبياتاً من شعر كتبها حافظ إبراهيم عندما صدر حكم قضائى بالتفريق بين الشيخ على يوسف وزوجته ابنة الشيخ السادات والحجة هو أن على يوسف يمتهن الصحافة وهى مهنة خسيسة . المهم أوردت أبياتاً عديدة من قصيدة حافظ وفيها
كسرت اليراع فلا تعجبى وعفت الكتابه لا تعتبى
ثم ...
وما أنت يا مصر دار الأديب ولا أنت بالبلد الطيب
يحارب فيك الأديب الأريب ويكرم فيك الجهول الغبى
وما أن قرأ نصر هذا المقال حتى رد علىَّ رداً قاسياً محتجاً على أننى أوردت بعضاً من الشعر فيه نقد لمصر التى يعشقها ويعيش على حلم العودة إليها . واعتذرت لنصر .