الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تغريدة الديناصور

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ليس من فارق بين الإنسان والحيوان سوى العقل المتدبر الذي يقوم طوال الوقت بعمليات معقدة تبدأ باستقبال وجمع المعلومات ثم إعادة ترتيبها للوصول الى تصورات وأفكار محددة، وتمتد هذه العملية المعقدة الى بناء معرفي لا نهائي يقوم في الأساس على التراكم في الخبرات المتنوعة لذلك صنع الإنسان التقدم والحضارة .
بينما للحيوان عقل لا يدرك إلا بعض العمليات البسيطة المرتبطة بنمط سلوكه اليومي وهو في كل مرة أقصد في كل مرة يولد فيها يبدأ عملية استيعاب بيئته من جديد فليس له بناء معرفي متصل ينقل ما تراكم من خبرات سابقة لذلك ظلت القطة قطة والأسد أسدا والحمار حمارا دون أن يطرأ تقدم أو تطور على نمط سلوكه
كذلك تستخدم جماعة الإخوان المسلمين بقياداتها وعناصرها العقل الذي كرم الله به تعالي الإنسان، فالعقل عندهم من العقال ولا غرابة في ذلك فهي جماعة تقوم في الأساس على مبدأ السمع والطاعة وبمعنى آخر استقبال المعلومات التي هى تعليمات دون تدبر أو تفكير، وهو ما يعني بالضرورة أنها جماعة تفتقد الى البناء المعرفي القائم على تراكم الخبرات .
وحتى لا أكون مبالغًا فإن عقل الإخوان لم يحتفظ إلا بخبراته في العمل السري وأساليبه القديمة في إدارة عملية تزوير الانتخابات وتزييف الوعي وهي الخبرات التي اكتسبتها الجماعة من خلال انتخاباتها الداخلية. وتكشف كتابات المحامي ثروت الخرباوي القيادي السابق في الجماعة عن حقيقة تلك الخبرات المميزة في مجال التزوير والتزييف .
غير أن ما قصدته بفقدان الإخوان العقل الإنساني الطبيعي هو أنهم ورغم الـ 84 عامًا هي عمر الجماعة لم يتمكنوا من بناء خبرة تراكمية بطبيعة المصريين وما طرأ عليهم من تغيرات .
ودليلي في تلك الطريقة التي يحكم بها الدكتور مرسي منذ توليه السلطة، فرغم أن الرجل جاء بعد ثورة أعلنت بوضوح أن مصريي اليوم ليسوا مصريي الأمس .
فثمة تغير جوهري طرأ على نمط وتفكير وسلوك هذا الشعب، فإذا كانت طبيعة المصريين خلال العقود الستة الماضية جعلتهم يتحملون وربما يستوعبون استبداد الأنظمة السابقة وفسادها، فإن طبيعة هذا الجيل قد تغيرت جذريًا وصارت أكثر جرأة، ورفضًا لكل ألوان الفساد والاستبداد .
بل إن المصريين الذين كانوا يخدعون بالشعارات الدينية أضحوا أكثر وعيًا وصمودًا ضد كل محاولات التزييف باسم الدين، ومع ذلك لا يزال مرسي وجماعته يحكمون مصر وكأن تغيرًا على شعبها لم يطرأ يستبدون ويفسدون وكأنهم يحكمون المصريين في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي .
وإذا خضنا في بعض تفاصيل ما جرى خلال الأيام الماضية سنجد عشرات الأدلة التي تؤكد أن مصير هذه الجماعة الى الانقراض لا محالة شأنها في ذلك شأن “,”الديناصورات“,” التي لم تستطع استيعاب ما يحدث حولها من تغيرات بيئية فها هو “,”الديناصور العجوز“,” ينتظر 12 ساعة يموت فيها المصريون ليخرج على تويتر معزيًا ببضعة كلمات جوفاء وهو نفس السلوك غير العاقل عندما ترك ميليشياته المسلحة تقتل عشرات الأبرياء من المتظاهرين السلميين تحت أسوار قصره بزعم أنهم يدافعون عن شرعية وجوده.
ويبدو أن “,”الديناصور“,” فقد كثيرًا من دماء الإحساس فأعلن مكتبه الرئاسي قبل تغريدة “,”العزاء“,” استعداده للسفر الى القمة الإفريقية بـ“,”أديس أبابا“,” ولم يتراجع عن قرار السفر إلا بعد أن أدرك من سيل الانتقادات الساخرة أن مغادرته للبلاد بينما تسيل دماء مواطنيه فعل لا أخلاقي.
الأغرب من ذلك كله رئيس حكومته فاقد الطعم واللون والرائحة ظل في “,”دافوس“,” ولم يقطع زيارته إليها وراح يطلق التصريحات من هناك وعندما عاد رفض الحديث الى الصحافة الوطنية .
ومع ذلك لا أرى أهمية لطول العتاب أو حتى النقد الى الدكتور هشام قنديل لاسيما وأنه قد أثبت وبجدارة أنه أفشل رئيس وزراء في تاريخ مصر الحديثة ثم إن الرجل مغلوب على أمره يتحرك كقطعة شطرنج تحركها أصابع مكتب الإرشاد .
لكن لنعود الى “,”الديناصور“,” الذي خرج مساء السبت بعد اجتماعه مع مجلس الدفاع الوطني - المختص وفقط بشئون الأمن القومي الخارجي - ببيان راح يتوعد فيه بفرض الطوارئ وحظر التجول ويتهدد الإعلام بألا يحيد عن مصالح الوطن العليا والتي اتضح خلال الشهور الستة الماضية أنها لا تعني سوى مصالح جماعة الإخوان في التمكين والاستحواذ على مقاليد البلاد والعباد .
وراح يكرر دعوته للحوار الفاشل الذي رفض مجلس شورته الالتزام بنتائجه دون أن يبدي أدنى استجابة لمطالب الملايين بتشكيل حكومة إنقاذ وطني وتعديل العوار الفاضح في الدستور والاتفاق على قانون يضمن نزاهة الانتخابات النيابية المقبلة .
آجلا أم عاجلا سينقرض هذا “,”الديناصور“,” لأنه لم يعد قادرًا على استيعاب ما يجري حوله وليس لديه أدنى قدرة إبداعية في إدارة أبسط الأزمات الى أعقدها بل إن وجوده أصبح في حد ذاته مشكلة فكل خطوة يخطوها تقربه من مصرعه وكل كلمة يتلفظ بها تشعل النيران من حوله ورغم حرارتها هو لا يشعر.. قد ينجو “,”الديناصور“,” من هذه الموجة الثورية لكن المؤكد أن أيامه صارت معدودة لأنه وببساطة قد بلغ من العمر أرذله بينما الثائرون شباب لا تزال دماؤهم حمية وعقولهم مفعمة بالحيوية وقلوبهم مليئة بحب الحياة.