الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

صيحات التجديد الديني ( 49 )

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ونعود إلى العزيز د. فرج فودة فى كتاب آخر هو "الحقيقة الغائبة" ونقرأ فى المقدمة "هذا حديث ما كان أغنانى عنه لولا أنهم يتنادون بالخلافة ، ليس من منطلق الدعاية أو المهاترة أو الهزل ، بل من منطلق الجد والجدية والاعتقاد ، فيستدرجون مثلى إلى الخوض فيما يعرف ويعرفون ، ويعلم وينكرون ، وينكر ويقبلون ليس من أجلهم ، ولا حتى من أجل أجيال الحاضر التى من واجبها أن تعرف وتتعرف وتعلم وتتعلم ، وتفكر وتتكلم ، بل قبل ذلك كله من أجل أجيال سوف تأتى فى الغد وسوف تعرف لنا قدرنا وإن أنكرنا المنكرون ، وسوف تنصفنا وإن أداننا المدينون ، وسوف تذكر لنا أننا لم نجبن ولم نقصر ثم يقول "هذا حديث تاريخ وسياسة وفكر وليس حديث دين وإيمان وعقيدة ، وحديث مسلمين وليس حديث إسلام ، وهو قبل ذلك حديث قارئ يعيش القرن العشرين وينتمى إليه .. وهو فى النهاية حديث قد يخطئ عن غير قد وقد يصيب عن عمد وقد يؤرق عن تعمد ، وقد يفتح باباً أغلقناه كثيراً وهو حقائق التاريخ ، وقد يحيى عضوًا أهملناه كثيرًا وهو العقل ، وقد يستعمل أداة تجاهلناها كثيرًا وهى المنطق" .. ثم يقول فيما بعد المقدمة "أننى أخوض معك أيها القارئ فى موضوع ألح عليه وما أكثر ما ألح .. حين ارتفعت ولا تزال ترتفع فى الانتخابات السياسية والنقابية مضمونها رايات تقول يا دولة الإسلام عودى ، الإسلام هو الحل ، إسلامية قرآنية وهى رايات لا تدرى أهى دين أم سياسة فمصدروها يتصورون أن الدين والسياسة وجهان لعملة واحدة" ويمضى الكتاب راوياً تواريخ الخلفاء الأمويين والعباسيين وما كان فيها من ظلم وقهر وتأسلم كل ذلك مر والمتأسلمون يترصدون له ويتهجمون وهو يواصل واثقاً أنه يخاطب المستقبل متأكداً من إنصاف المستقبل له ولفكره.
حتى كان واقعه حواره فى معرض الكتاب مع أشهر دعاة التأسلم السياسى والذى قدمه المتأسلمون على أنه الشيخ المعتدل وهو الشيخ محمد الغزالى . وقد كانت هذه المحاورة مهرجاناً فكرياً حقيقياً فقد احتشدنا جميعاً نحن أعضاء جمعية التنوير وحشدنا معنا كل من كان مؤيداً أو حتى راغباً فى الإنصات ، وحشد المتأسلمون ألوفاً من أتباعهم ضاقت بهم القاعة وفاضت إلى الممرات وقد حذرت فرج قبل بدء الندوة بأن يكون محاذراً فى اختيار الكلمات حتى لا يلتقط الشيخ لفظاً يجد فيه مخرجاً لنفسه . وتجلى فرج وكان دقيقاً ، حريصاً ، مندفعاً ، قوياً فى حجته ، دارساً لموضوعه ومزق الشيخ الذى اعتبره كل المتأسلمين حجتهم وداعيتهم ، مزقه وأربكه ودفعه إلى عديد من الأخطاء المضحكة .. وباختصار ارتبك الغزالى وأربك أتباعه. ويبدو أن مبارك أعجب بالحوار فقرر أن يتخذه سلاحاً وأعادت مجلة أكتوبر نشر نصه كاملاً ، وطبعت منه آلاف الكاسيتات منه ووزعت .. وكان استشهاد فرج فودة على باب جمعية التنوير اغتاله صبى سماك لا يعرف القراءة وحجته كانت أن "الأمير" قال إن فرج فوده مرتد ويجب قتله . وفى المحكمة لم يجد الدفاع عن القاتل إلا أن يستعين بالشيخ الغزالى الذى أتى للمحكمة ليشفى غليله من الشهيد وسأله المحامى بعد أن دلل وفق تأسلمه على أن القاتل إنما أقام حد الردة على الشهيد بسبب كتاباته . ويكون حوار أعده المحامى سلفاً مع الشيخ :
المحامى : من الذى يملك إقامة الحد ؟
الغزالى : المفروض أن القضاء يقوم بذلك .
المحامى : وإذا لم يقم القضاء الحد فهل يبقى الحد على أصله من وجوب إقامته ؟
الغزالى : حكم الله لا يلغيه أحد .
المحامى : وماذا لو قام واحد من الناس بإيقاع الحد ؟
الغزالى : يكون هذا الشخص مفتئتاً على السلطة القائمة ، لكنه يكون قد أدى ما يجب أن تقوم به السلطة .
المحامى : ولكن هل هناك عقوبة شرعية للافتئات على السلطة ؟
الغزالى : لا أذكر أن هناك عقوبة فى الإسلام للافتئات على السلطة .
وهكذا فإن الشيخ المتأسلم خيل إليه أنه أنتقم من الشهيد بعد اغتياله .. لكن القاضى لم يأخذ بشهادة الشيخ المتأسلم بل استهزأ بها فى حيثيات الحكم .
وتمضى سنوات ويبقى فرج فوده شامخاً وسيبقى شامخاً بفكره المستنير وشجاعته التى كانت وستظل درساً لنا وينسى التاريخ صبى السماك ومن حرض صبى السماك ومن أعطاه حق اغتيال الشهيد .
وتبقى معلومة مهمة وهى أن القاتل ومساعده أو أميره قد أفرج عنهما مرسى عندما كان رئيساً . واضعاً نفسه فى موضع الشريك فى هذه الجريمة . وأخيراً يا عزيزى فرج ها أنت تنتصر وستستمر منتصراً .