الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

المسلم بين الإيمان الحق.. والتأسلم (20)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم تمض حملة التحريض ضد كتاب الإسلام وأصول الحكم بلا أثر، ولم يكن غضب فؤاد علي، الكاتب الذي أفسد عليه حلم الترشح للخلافة بلا نتيجة، فقد اجتمعت هيئة كبار العلماء بالأزهر برئاسة الشيخ محمد أبوالفضل شيخ الأزهر، وبحضور 24 عضوًا واستدعت الشيخ علي وحاكمته باعتبار أنه حاصل على شهادة عالمية من الأزهر، وأنه قاضٍ شرعي. وقال الشيخ، أمام الهيئة المتربصة به وحاول جهد طاقته أن يدافع عن نفسه دون جدوى، فقد كان الأمر مرتبًا ومدبرًا وبعد ساعتين من جدل أصدرت المحكمة حكمها وجاء فيه: “,”اجتمعت هيئة كبار العلماء في 12 أغسطس 1925 وقررت نزع شهادة العالمية من الشيخ علي عبد الرازق، ومحو اسمه من سجلات الجامع الأزهر، وطرده من كل وظيفة لعدم أهليته للقيام بأية وظيفة دينية أو غير دينية“,”، وبطبيعة الحال فإن شيخ الأزهر أسرع ليزف البشرى إلى الملك فؤاد فأيرق له “,”شاكراً له غيرته على الدين من عبث العابثين وإلحاد الملحدين وحفظ كرامة العلم والعلماء“,” [محمد رجب البيومي – الأزهريين السياسة وحرية الفكر – (1983) – صـ115] . وتأمل الناس صيغة البرقية واكتشفوا أنها تكاد أن تقول إن الملك هو الآخر بالقرار بسبب غيرته علي الدين . ثم تتداعى الأحداث . أرسل شيخ الأزهر القرار إلى عبد العزيز فهمي وزير العدل لتوقيعه وإصداره بعد التصديق عليه . لكن عبد العزيز فهمي باشا وكان من أركان الأحرار الدستوريين رفض التوقيع، ورفض إصدار القرار ، وكتب في مذكراته قائلاً “,”استحضرت هذا الكتاب وقرأته مرة وأخرى فلم أجد فيه أدنى فكرة يؤخذ عليها مؤلفه، بل على العكس وجدته يشيد بالإسلام ونبى الإسلام، ويقدس النبى تقديساً تاماً. ويشير إلى أن النبوة هى وحي من عند الله ، والوحي لا خلاف فيه . وثقل علي ذمتي أن أنفذ هذا الحكم الذي هو ذاته باطل لصدوره من هيئة غير مختصة بالقضاء, وفي جريمة الخطأ في الرأي من عالم مسلم يشيد بالإسلام، وكل ما في الأمر أن ما يتهمونه يتأولون في أقواله، ويولدون منها تهماً ما أنزل الله بها من سلطان“,” [عبد العزيز فهمي باشا – حياتي – صـ154] وغضب الملك ووقع زلزال وزاري وانتهى الأمر بأن استقال عبد العزيز فهمي باشا واستقال معه تضامنا ومساندا للشيخ علي عبد الرازق وثلاثة وزراء آخرون هم محمد علي علوبة وتوفيق دوس وإسماعيل صدقي . وهنا نتوقف مرة أخرى لنتأمل الصورة المرتبكة فإسماعيل صدقي الذي استقال من الوزارة دفاعا عن حرية الرأي والمواقف الليبرالية لشيخ أزهري هو ذاته الذي رأس الوزارة في عام 1930 وألغى الدستور وأصدر بديلا عنه دستورا مرفوضا من الجماهير .. ومارس كل أشكال التعسف والقهر سواء في وزارته الأولى (1930) أو وزارته الثانية (1946) وسمي وبجدارة الطاغية صدقي .
ولكن “,”كتاب الإسلام وأصول الحكم“,” وكاتبه يأبيان إلا الانتصار بأيدي ذات الذين أدانوه. فالزمان يدور وفي عام 1947 أي بعد اثنين وعشرين عاما، كان حزب الأحرار الدستوريين شريكا قويا في الحكومة وكانت ثمة رغبة ملكية في إرضاء هذا الحزب الذي يسانده بلا تردد، وفوجئ الجميع باجتماع هيئة كبار العلماء ومعها أعضاء المجلس الأعلى للأزهر في 25 فبراير 1947 وأصدروا قرارا بإلغاء القرار الصادر في عام 1925 وبإعادة شهادة العالمية للشيخ علي وعودته إلى زمرة العلماء من جديد. لكن المشايخ المجتمعين على عجل اكتشفوا صعوبة إنفاذ القرار، فاللائحة تحتم أن يكون إلغاء القرار بأغلبية ثلثي موقعيه. والموقعون غالبيتهم توفوا ولم يبق سوى القليل.. فتقدم المجتمعون بالتماس إلي “,”جلالة الملك فاروق الأول المعظم“,” يقولون فيه “,”إن المجتمعين من أعضاء هيئة كبار العلماء وأعضاء المجلس الأعلى للأزهر وشيوخ الكليات الأزهرية يلتمسون من جلالة الملك وفضله على الأزهر غزير أن يتفضل فيضيف مكرمة إلى مكارمه الحميدة والعديدة فيعفو عن الأثر المترتب على الحكم الذي أصدرته جماعة كبار العلماء من أكثر من عشرين عاماً“,” [للتفاصيل راجع – د. رفعت السعيد – الإرهاب إسلام أم تأسلم] واستجاب الملك لهذا الالتماس ثم ما لبث أن أصدر مرسوما ملكيا في 2 مارس 1947 بتعيين الشيخ علي عبد الرازق وزيراً للأوقاف. ثم مرسوما آخر بتعيينه أميرا لبعثة الحج المصرية.
والمثير للدهشة أن أحد الكتاب المنغمسين في وعاء التأسلم قد روج ولم يزل أن الشيخ علي عبد الرازق قد ندم على إصداره هذا الكتاب وأنه قرر عدم السماح بنشرة أخرى وقال إن هذا الندم قد أتاه فور صدور الكتاب واحتدام المعركة حوله وأنه تاب عن الخوض في أبحاث من هذا القبيل. لكننا ومع مواصلة البحث نكتشف أن الشيخ قد واصل معركته وبشجاعة أكثر ووضوح أوضح ففي أغسطس 1925 أدلى الشيخ بحديث رائع دافع فيه عن موقفه وهاجم خصومه بشدة لجريدة إنجليزية وتأكيدا منه على تحديه.. أعاد نشر الحديث مترجما في جريدة السياسة [السياسة – 14 أغسطس 1925] .
ثم يفاجئنا الشيخ علي في عام 1928 بتعليق مطول على كتاب “,”السفور والحجاب للآنسة نظيرة زين الدين“,” يقول فيه “,”ولأني أحسب مصر قد اجتازت بحمد الله طور البحث النظري في مسألة السفور والحجاب إلى طور العمل والتنفيذ. فلست أجد بين المصريين – إلا المخالفين منهم – من يتساءل عن السفور وهل هو من الدين أم لا ؟ و من العقل أم لا ؟ بل تجدهم وحتى الرجعيين منهم يؤمنون أن السفور دين وعقل وضرورة لا مناص منها لحياة المدنية الحاضرة“,” ويوجه الشيخ تحية للمؤلفة “,”فهى شابة فتية تنهض بالدعوة إلى ما تعتبره صوابا، وإن خالفت في ذلك رأي الشيوخ والمتقدمين، في حين أن خوف البعض من إعلان آرائهم الحرة إن خالفت رأي الجموع يدمغهم بأنهم ليسوا بأنفع للبشرية من أهل البلد الذين لا يميزون بين خير وشر ، وربما كان أولئك في سكوتهم عما يعرفون، وفي إعراضهم عما انكشف لهم من الحق أحط درجة من الحمقي والمغفلين، فالذي ينقصنا هو الشجاعة في الرأي وقول الحق من غير تردد ولا رياء فهنا مبدأ الكمال الإنساني، وهنا تختلف أقدار الرجال مصلح أو مفسد وشجاع أو جبان“,”. الهلال – أغسطس 1928 - مقال الشيخ علي عبد الرازق – صـ 118] .
... ونمضي لنواصل الحديث حول الفارق بين الإسلام والتأسلم.