الجمعة 14 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

تونس نموذج جديد بعد الثورة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تواصل تونس نجاحها فى اجتياز المرحلة الانتقالية، وهذا النجاح تقف وراءه عوامل عديدة من بينها وفى مقدمتها الميراث البورقيبى، الذى تمحور حول مدنية الدولة وقضايا المرأة والتعليم والطبقة الوسطى والانفتاح على الثقافة الفرنسية والأوروبية، يلى ذلك قوة المجتمع المدنى التونسى بأحزابه ونقاباته خاصة الاتحاد العام للشغل، ثم بعد ذلك تبنى تونس لمنهج الحوار والأداء السياسى بهدف بلورة التوافق حول قضايا ما بعد الثورة مثل الدستور والتعددية وبناء دولة ديمقراطية جديدة.
تمثل الانتخابات التشريعية التى جرت مؤخرًا فى تونس نقطة فارقة فى التحول الديمقراطى، حيث تمكن التونسيون من تقليص نفوذ حزب النهضة الإسلامى إلى 69 مقعدًا، وصعّدوا حزب نداء تونس بـ 85 مقعدًا، وأصبح الطريق مفتوحًا نحو حكومة ائتلافية بزعامة نداء تونس.
تطرح هذه الانتخابات العديد من الأسئلة، يبرز من بينها إمكانية تشكيل نموذج جديد عبر التوافق والتحالف والائتلاف بين أحزاب ذات مرجعية دينية "النهضة" وبين أحزاب أخرى ذات مرجعية علمانية، أى بين أحزاب مصدر الشرعية عندها إرادة الله، وأحزاب أخرى مصدر الشرعية عندها هو الشعب.
ويبدو حتى الآن أن التحالف والتوافق بين حزب دينى وآخر علمانى أقرب إلى التحقق من التحالف بين حزبين ذوى مرجعية واحدة على الأقل فى حدود التجربة التونسية، ذلك أن أحزاب تونس تبنت نهج السياسة والبراجماتية وليس نهج الأيديولوجيات والتلويح بالقوة، ودرجت هذه الأحزاب كلٌ على طريقته فى تذليل العقبات واحتواء العنف والقوة وقبلت فى نهاية المطاف بحكومة تكنوقراط لإدارة المرحلة الانتقالية وتمكنت من صوغ دستور جديد توافقى قبلت به كافة الأطراف، ولم يبق أمام تونس لاستكمال مهمات المرحلة الانتقالية إلا انتخاب الرئيس.
هذا المسار المتميز الذى تمكنت تونس من شق مجراه فى إطار بيئة إقليمية مضطربة نحو التطرف والعنف، فلا اليمن وليبيا وسوريا يجد تفسيره فى البيئة التونسية، وخاصة ما تعلق منها بإخوان تونس الممثلين فى حزب النهضة، فهؤلاء وخلافًا لما قام به الإخوان فى مصر لم يحاولوا الاستئثار بالسلطة وتجنبوا إقصاء القوى المدنية الأخرى وقبلوا بدستور توافقى وفهموا طبيعة الإرث البورقيبى وتجذره فى المجتمع، بعكس إخوان مصر الذين حاولوا السيطرة على مفاصل الدولة المصرية، وحاولوا إقصاء القوى السياسية المدنية وحاول الرئيس المنتمى لهم تحصين قراراته ضد القضاء والرقابة عن طريق الإعلان الدستورى الكارثى.
وفضلًا عن ذلك لم يفهم الإخوان طبيعة المؤسسة العسكرية المصرية ودورها وحدوده فى المجتمع، رغم أن الصراع بينهم وبين هذه المؤسسة طويل ومُعقد عبر الستين عامًا الماضية، وأفضى كل ذلك إلى تراكم الأخطاء فى الممارسة الإخوانية وتعميم السخط على الأداء الإخوانى، وهو الأمر الذى انتهى بسقوطهم وفشلهم المدوى.
استوعب حزب النهضة دروس فشل الإخوان فى مصر وصعوبات تحقيق النموذج الذى كانوا ينشدونه، والذى تمحور حول الانفراد والسيطرة والإقصاء والتلويح بالعنف والقوة، وتبنى الحزب نهج الحوار والتعايش بين مكونات المجتمع التونسى الدينية والعلمانية، وساعد تشكيل المجتمع التونسى على إنجاح هذا التوافق من خلال التماسك المجتمعى وضعف الطائفية وقوة المجتمع المدنى، والتوافق حول هدف الانتقال إلى دولة جديدة ديمقراطية وتعددية بعد الثورة، والتواصل مع الميراث المدنى والثقافى الذى رسخته الحقبة البورقيبية.