الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

صيحات التجديد الديني (38)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تراجع الكثيرون.. ويمكن القول بأن الصراع الفكرى طوال عشرينيات القرن الماضى وقبلها بقليل وبعدها بقليل أيضاً كان بين معسكرين كل منهما تحصن برأيه وموقفه وتراشق مع الآخر بتشدد شديد وأحياناً بألفاظ حادة وخالية من أدب الحوار.. معسكر من شيوخ الأزهر المتشددين والمحافظين والرافضين لأى تجديد أو أي التفات للغرب ومنجزاته وحضارته ومعسكر عقلانى وأحياناً علمانى ينهل من الثقافة الغربية بقدر ما يستطيع ويستجلب عبق الحضارة الغربية الى أقصى مدى مستطاع . وإذا كانت ثورة 1919 قد أطفأت إلى حد كبير حدة هذا الصراع إذ أنغمس الأغلب من المتصارعين فى معركة موحدة ضد الاحتلال ، فإن لهيب الصراع قد عاد ليلتهب بعد إطاحة كمال أتاتورك بالخلافة العثمانية . وتجدد الصراع حول هذا الأمر.  
وإذا كان العقاد قد لفت النظر إلى إبداع فكرى إسلامى جديد فإن ذلك محض تعبير عن تجسيد لفكرة التناقض المتداخل الذى أذعن له الجميع فالليبراليون العلمانيون سئموا من الاتهامات الموجهة لهم بالإلحاد والكفر، وخشى السياسيون والصحفيون منهم من تأثر هيبتهم ومكانتهم الجماهيرية وسمعتهم الشخصية ومساسها بهذه الاتهامات القاسية، فأخذوا موقفاً وسطاً فكبتوا بفكرهم المنفتح فى أمور الدين، أما شيوخ الأزهر فقد نبت من بينهم من كتب فى الدين بعقلية منفتحة، باختصار تصارع النقيضان وتأثر كل منهما بالآخر فى نهاية المطاف، وعاشت مصر زمناً يبدو فيها ما يشبه الإجماع على ليبرالية مدجنه وعقلانية خائفة . 
فالعقاد الذى قال في الحلقة السابقة من هذه الدراسة بضرورة الاتجاه نحو الحرص من تفشى الشيوعية، هو نفسه الذى كتب شعراً يقول:
فشت الجهالة واستفاض الفكر 
فالحق يهمس والضلالة تجهر 
والصدق يسرى في الظلام ملثماً 
والزور يمشى في النهار فيسفر 
بئس الزمان لقد حسبت هواءه 
ونسا وأن بحاره لا تُطهر 
وكأن كل الطيبات يردها 
فيه إلى شر الأمور مدبر 
وحتى صحفى مثل عبد القادر أفندى حمزة والذى كتب عشرات المقالات التجديدية والمعارضة لأفكار الشيوخ الرجعيين تراجع هو أيضاً ليتحول الى كاتب مستأنس، فإذا قارنا ما كتبه مثلاً في عام 1904 وقال فيه: "إن علينا أن نخرج أنفسنا من العصر الذى نستسلم فيه لماضينا إذا كنا لا نريد أن نظل جهلاء وضعفاء كما هو الحال الآن وكما كان سالفاً ويقول: "القرآن لا يتضمن سوى قوانين عامة لجميع الناس . وإن لكل أمه حق التصرف انطلاقاً من الحكمة المتضمنة في هذه القوانين، وأن تختار منها ما يتماشى مع الزمان والمكان دون أن تقيد العقل بأي قيد سوى البقاء فى حدود الإيمان". ويهاجم رجال الدين "الذين حولوا الدين إلى تجارة فلم يعد يهمهم أن تردد أفواههم هذه التجارة صباح مساء، ويتخذونها وسيلة للتغرير، واحتيالاً لكسب رضا العامة وشيوع ذكرهم بينها غير ملتفتين إلى الخطر العظيم الذى يدفعون إليه الأمة ودينها تزلفاً إلى العامة من الناس الذين استولى عليهم هوس دينى يدل على تسلط رجال الدين على عقولنا بل يدل على مدى استسلامنا استسلاماً أعمى إلى ماضينا الذى يجب أن نبتعد عنه كل الابتعاد إن كنا نريد ألا نبقى كما نحن وكما كنا جهلاء وضعفاء، علماً بأن رجال الدين المتشددين أجهل الناس بالإسلام. ومع ذلك يتاجرون باسمه ويتخذونه مطية للتغرير والتضليل"  (المقتطف – مجموعة عام 1904 مقال لعبد القادر أفندى حمزة). 
.. هذا ما كان عليه فى 1904.. فهل نتذكر ما كان عليه من هدوء ودعه ابتداء في نهاية الثلاثينيات وحتى رحل؟