رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لماذا كانت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية ضعيفة؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أكتب هذه الكلمات فى صباح يوم الأربعاء 2014/5/28، وقد قررت اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، أن يكون اليوم هو اليوم الثالث للتصويت بعد أن لاحظ الجميع انخفاض نسبة المشاركة، وطالب العديد من الإعلاميين بالذات، بمد فترة التصويت يوم آخر، وبررت اللجنة العليا قرارها بارتفاع درجة حرارة الجو!
لا أريد هنا أن أعلق على قرار لجنة الانتخابات، ولكننى أريد فقط أن أتحدث عن انخفاض نسبة المشاركة، وبداية أود أن أشير إلى أننى لم أكن من الذين صدموا بنسبة المشاركة، ولا أعرف أصلًا بأى نسبة تتم مقارنة النسبة الحالية، وما هى النسبة "الضعيفة" مقارنة بالنسبة الحالية وما هى النسبة "القوية" مقارنة بنفس النسبة، أنا على العكس كنت أتوقع بالفعل أن تكون نسبة المشاركة ضعيفة مقارنة بنسبة المشاركة فى الانتخابات الرئاسية السابقة والتى بلغت 48% فى الجولة الأولى و52% فى الجولة الثانية، أى نحو 50% فى الجولتين، وأسباب هذا التوقع من وجهة نظرى تعود إلى:
أولًا: أن تيار الإسلام السياسى، وبالذات الإخوان المسلمين وحلفاؤهم، وأغلب الظن أيضًا قواعد السلفيين، لم تشارك فى عملية التصويت لأسباب معروفة، وهذه الكتلة قد يُقدرها البعض بنحو 5% من أصوات الناخبين، ويُقدرها البعض الآخر بنحو 15%، ويمكننا إذن أن نعتبرها 10% من إجمالى الأصوات، وهى كتلة تصويتية مُتماسكة تصوت معًا وتُقاطع معًا، وإذا افترضنا مثلًا أن نسبة المشاركة فى الانتخابات السابقة وصلت إلى 50% فإن كتلة الإسلام السياسى والبالغة 10% قد صوتت بالكامل، أى بلغت نسبة مشاركتهم فى الـ 50% ما يُقدر بـ 20% لأنهم شاركوا بالكامل فيما شارك نصف إجمالى عدد الأصوات.
ثانيًا: أن ظهور رموز وقيادات الحزب الوطنى، وبالذات فى الأحياء الشعبية والمدن الصغيرة والقرى فى صفوف، بل وعلى رأس، حملات المرشح عبد الفتاح السيسى، دفع بأعداد كبيرة من الذين شاركوا فى ثورة 25 يناير، وبالذات الشباب منهم، إلى الإحباط والعزوف، وهو الأمر الذى حدث من قبل فى الاستفتاء على الدستور، ولفت نظر معظم المراقبين، بل وبعض كبار المسئولين أيضًا، وعلى رأسهم الرئيس المؤقت عدلى منصور، حيث تم فتح حوار مع الشباب وتقديم بعض الوعود، وتكرر الأمر مرة أخرى فى انتخابات الرئاسة بعد أن وصلت الأمور إلى حد أننى شاهدت بنفسى لافتة ضخمة فى ميدان باب الخلق تحمل عنوان: "هكذا يكون الرؤساء"، وتزدان اللافتة بصور، بالزى العسكرى، لكل من عبد الناصر والسادات ومبارك والسيسى!!
ثالثًا: خاض الانتخابات السابقة 13 مرشحًا عبروا عن معظم التيارات السياسية وحرص كل هؤلاء المرشحين على التوجه بخطابهم، المتنوع، إلى جمهور الناخبين، وقد ساعد ذلك على حشد وتعبئة أعداد هائلة من المصريين ودفعهم دفعًا إلى صناديق الاقتراع، وكانت جولة الإعادة بين مرسى وشفيق ذروة لاستقطاب حاد بين مشروعين كان واضحًا أن أحدهما يريد إعادة إنتاج دولة مُهيمنة، والآخر يريد بناء دولة دينية، وفى ظل هذا الاستقطاب الحاد كان من المنطقى أن تتحمس أعداد كبيرة للتصويت رفضًا أو تأييدًا لأحد المشروعين أو حتى رفضًا لأحدهما فيما يُعرف بالتصويت السلبى.
رابعًا: كان واضحًا فى انتخابات الإعادة بين مرسى وشفيق أن هناك توازنًا قويًا بين المرشحين وأنهما متعادلان تقريبًا من حيث القوة، ومن ثم كان الأمر، أمر نجاح أحد المرشحين، بالنسبة لأعداد كبيرة من الناخبين مرهون بذهابهم إلى صناديق الاقتراع، وهو ما كشفت عنه نتائج استطلاعات الرأى ونتائج انتخابات المصريين فى الخارج، وفى المقابل ووفقًا لنفس هذه النتائج والاستطلاعات فى الانتخابات الحالية، كان تفوق السيسى يبدو ساحقًا، ومن ثم دفع ذلك بأعداد كبيرة من أنصاره ومؤيديه إلى العزوف عن المشاركة لأنه "ناجح .. ناجح حتى لو لم أشارك أنا بالذات"، كما دفع ذلك أيضًا بأعداد كبيرة من مؤيدى وأنصار حمدين إلى العزوف عن المشاركة لأنه "لن ينجح فى كل الأحوال بصرف النظر عن صوتى".
خامسًا: قدم المرشحان، وبالذات المرشح الأقوى عبد الفتاح السيسى، نفسهما للرأى العام ليس باعتبارهما مرشحي قوى أو أحزاب أو تيار سياسى محدد وإنما باعتبارهما مرشحي الشعب، ولم يقدم السيسى بالذات أى خطاب للقوى السياسية ولم يحرص على حشدها وتعبئتها لمناصرته، رغم أن عددًا كبيرًا من الأحزاب أعلن تأييده له، ولذلك لم يكن صدفة أن الأحزاب لم يكن لها دافعية لتأييد ومناصرة السيسى أو حمدين، ورغم ذلك كان من الطرائف اللافتة أن بعض الإعلاميين كان يتساءل باندهاش أثناء التصويت واللجان خاوية أين الأحزاب؟! والأكثر طرافة أن هؤلاء الإعلاميين أنفسهم كانوا يهاجمون الأحزاب والقوى السياسية طوال الشهور الماضية، وقد ساهم هجومهم، ضمن إجراءات إدارية وأمنية أخرى، بشكل مباشر أو غير مباشر، فى إضعاف الأحزاب والنيل من قوتها، بل وشرعيتها أيضًا.
كل هذه الأسباب مجتمعة، وأكرر: مجتمعة، أدت إلى ضعف نسبة المشاركة وهو أمر منطقى إذن ومتوقع، ولكن آمال البعض، أو بالأحرى، وبكل أسف، أوهام البعض، دفعت واحدًا منهم، مثلًا، إلى أن يقول لى صباح يوم الانتخاب، فى برنامج تليفزيونى، أن نسبة المشاركة ستصل إلى 80%!!، وهذا الفارق الضخم بين التوقعات المبالغ فيها، والتى لا تستند على أى منطق أو أسباب عقلانية وبين ما حدث، هى ما دفعت هؤلاء المبالغين إلى إحباط كبير صدروه من خلال الإعلام إلى أعداد كبيرة من المصريين المتحمسين للسيسى، وهو الأمر الذى قد يدفع بعضهم، وبكل أسف، وأغلب الظن دون تعليمات عليا، إلى إجراء أى تجاوزات بغرض "تحسين النتيجة" فى مراكزهم وأقسامهم إثباتًا لولائهم وقدراتهم بالذات وأنهم يروجون الآن فى هذه المراكز والأقسام بأن من يبلى بلاءً حسنًا ويقدم نتائج جيدة فى هذه الانتخابات سيقع عليه الاختيار لكى يكون المرشح البرلمانى الذى يحظى بتأييد الرئيس القادم وأجهزة الدولة! بل دعونى أقول لكم إنه يتردد أن صاحب مصنع كريستال عصفور يقول للعمال فى مواجهة الإضراب الذى اندلع بعد أن تراجع عن كل وعوده السابقة، "اضربوا دماغكم فى الحيط.. أنا اتبرعت بـ 5 ملايين جنيه لحملة السيسى والحكومة معايا"!!، وحول لافتة ميدان باب الخلق وادعاءات صاحب مصنع كريستال عصفور وغيرها من الوقائع قد يتسع مقال تام لمناقشة من المسئول عن هذا الأداء ودلالات الأمر.
مرة أخرى: الإقبال الضعيف له مبررات، وهناك عدة أطراف تُصر على أن هناك مبررًا واحدًا، فالإخوان مثلًا، يعزون النتائج لمقاطعتهم واستجابة الناس لدعواهم بالمقاطعة، والقوى الثورية الرافضة للسيسى تؤكد أن الشعب بخير وأن هذه النتائج رفض للسيسى وانتقاص من مشروعيته، أما نحن فلا نُقلل على الإطلاق من حجم وتأثير مقاطعة الإخوان، أو عزوف بعض قوى يناير، وبالذات من الشباب، ولكن نشير فقط إلى أن هناك أسبابًا أخرى لا تقل أهمية من بينها اقتصار المنافسة على اثنين فقط من المرشحين، وعدم توازن القوى بينهما، وغياب الأحزاب والقوى السياسية عن المشهد فى ظل الهجوم الذى أدى إلى تراجع دورها إلى آخر ما ذكرنا من أسباب.