الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

بدون كافيين.. أسماء مواليد الحروب دعوة للسلام

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

استطاع الإنسان أن يتكيف على الكثير من الأوضاع الحياتية. بعضها لم يكن يتخيل أن يعيش معه على الإطلاق. بعض هذه الأوضاع لم يكن وضعًا يحبه الإنسان أو يريد أن يحيا بصحبته على الإطلاق. وهو الحروب. 
كنت بصحبة صديق من مواليد خمسينيات القرن الماضي. وأنا أقدر مواليد الخمسينيات لأن أبي رحمه الله ولد في الخمسينيات. سألتُ صديقي: "هما فعلًا مواليد الثمانينيات بتلاحقهم لعنة؟!.. شافوا حاجات صعبة كتير..". ابتسم ابتسامة جميلة ولم يعقب. حينها سألته: "طيب.. يا ريتني اتولدت في الستينيات".. ازدادت ابتسامته اتساعًا حينها قال: "السر في الناس.. الناس كانت أجمل لأنهم كانوا حريصين على الجمال.. لبسهم وكلامهم ونمط حياتهم.. دول لو كان طلع عليهم أي شكل وحش للفن أصلا ماكانش هيمشي مع جمالهم ومش هيتعاملوا معاه.. كان وقت للجمال مش أكتر.. الغريب إن دول اللي ربوا الأجيال اللي ربتكم.. بس لازم تعيشوا وتنبسطوا في الجو ده.. إزاي أنا ما أعرفش؟!".. لفت نظري إلى أنه حتى الحروب كان المجتمع يتعاطى معها بشكل مختلف.. كان يحمد الله كثيرًا بين الوقت والآخر على أن وعي الناس في كل وقت كان حاضرًا، رغم اختلاف نمط حياتهم.
دارت في عقلي أنماط حياة الأفراد في أوقات الحرب. اكتشفت أن أسماء الأفراد يمكن من خلالها قراءة الحروب التي دارت أثناء ميلادهم. ففي ذات مرة وقعت في يدي دراسة إنجليزية حول الأسماء التي أطلقت على الأطفال في أوقات مختلفة من حياة المملكة المتحدة. ولم تذكر الدراسة صراحة أن هذه الأسماء اختلفت في أوقات الحروب. إذ أثبتت الدراسة أن الأهالي يميلون لتسمية أبنائهم تيمنًا بأسماء الملوك الذين يتمتعون ببركة الكنيسة في أوقات الأزمات حتى أن نصف المواليد الذكور في كثير من تلك الأوقات كانت إما جورج وإما وليام. كان الأهالي يحاولون بذلك أن يطلقوا على أبنائهم أسماء أشخاص يتمتعون بالشجاعة وببركة دينية كبيرة، ليحفظهم الله من كل شر، لاسيما أوقات الحروب التي يعانون من ولياتها. ومع الوقت صارت بعض الأسماء تشرف أصحابها حتى دون حرب أو أزمة.
حين ننتقل للشرق الأوسط نجد الأمر مماثلًا أيضًا. إذ تجد أسماء انتشرت في مصر مثلًا أثناء الحروب وبعدها لها طابع مميز يصعب معه أن تنتشر في غير هذه الأوقات مثل "نصرة" و"سيناء". هي أسماء جميلة لكنها لم تكن دارجة قبل الانتصارات العسكرية. الشعوب كانت تحتفل بالبطولات بطريقتها. عملت على أن تحتفظ بعلامات النصر الشجاعة، وبالفرح الذي صاحبهما في أسماء أولادهم. كانوا يرغبون بالتيمن بالمعاني الجميلة والفرح ليكونا علامات مميزة في شخصية ومسيرة حياة أولادهم. لاسيما وأن العرب لديهم مثل سائر يقول "لكل إمريء من اسمه نصيب" ولن أنسى أن أمي كانت تقول دائمًا أنني متعجلة لأن اسمي يأخذ الكثير بسرعة، فكيف أتروى مع هذا الاسم؟!.. كانت تحب الاسم طوال حياتها وكانت تريد أن آخذ منه الكثير. أستطيع أن أرى كل أم وهي تحب أن ترى أولادها بخير النصر وقوة الشجاعة على طريقة أمي في التيمن بالأسماء. 
انتشرت من هنا أسماء القديسين أو من باركوهم لدى مواليد الحرب الأهلية في لبنان في محاولة لحماية أبنائهم من ويلات الحرب، إذ أن هذه البركة هي أكثر ما يحتاج الأطفال الذين لا حول لهم ولا قوة، من وجهة نظر ذويهم. لا يجد الأهالي غير البركة ليهبوها لأبنائهم عن طريق التشابه في الأسماء بينهم وبين من كانوا يهبون البركة على الأرض بكرم الله. على الجانب الآخر من الصعيد العربي نجد أن اسم "سلام" ينتشر بين مواليد الحروب في العراق. لفت نظري انتشار هذا الاسم بشكل كبير بين عدد غير قليل من طلابي العراقيين. ووجدت أن تاريخ ميلادهم يقص أنهم كانوا دعوة أهلهم للسلام بطريقتهم، وأمنياتهم الطيبة لأبنائهم بطريقتهم أيضًا. 
هكذا نرى كيف استطاع الإنسان أن يستخدم الأسماء من أجل الوصول للحياة التي ينتظرها لأطفاله. وفي كثير من الأحيان كان يستغل البركة كي يبارك أطفاله بأسماء المباركين وفقًا لثقافة كل مجموعة من الأفراد في مكان ما على الأرض. يظل الأطفال هم المستقبل، وطالما كانوا بخير نشعر أننا استطعنا أن نحفظ هذا المستقبل من الشرور التي ينتجها بعض البشر كلما امتدت بهم الحياة على الأرض، فنحن أيضًا ننتج الكثير من الخير نحاول به أن نجعل الحياة أجمل لمن نحب. 
د. نهله الحوراني: أستاذة بقسم الإعلام – آداب المنصورة