الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

كل ما تريد معرفته حول القديس الشهيد يعقوب الفارسيّ المُقَطَّع

ارشيف
ارشيف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ولد القديس يعقوب الفارسي الذي تحتفل الكنيسة اليوم بذكرى استشهاده في مدينة اسمها لابات، في ناحية سوز الفارسية، على بعد ثلاثمئة كيلومتر تقريباً شمالي الخليج الفارسي.

 وكان من عائلة ثرية من فئة النبلاء، قيل امتازت بالكرم وإضافة الغرباء، وكانت على المسيحيّة.

رجل الدنيا

تَلَقَّى يعقوب قِسْطاً وافراً من علوم عصره وكان دَمِثاً، غيوراً على خدمة الناس، وَديعاً. ارتبطَ بصداقة حميمة بالشاه الفارسي، يزدجرد الأول (٣٩٩ - ٤٢٥). وقد أسبغ عليه هذا الأخير امتيازات شتى فبات أكثر معشر يعقوب أهل القصر وأكثر أجوائه مَجالِس كبار القوم. كل ذلك أثّر في وجدانه وجعله سكير المَقامات والأَمْجاد العالمية. يومذاك كانت المسيحية في بلاد فارس مرذولة ومضطهدة، لاسيما بعدما عمد أسقف المدائن، عبدا الشهيد، إلى إحراق معبد الشمس حيث اعتاد يزدجرد الأول تقديم ذبائحه (٤١١ م). وإذ كان على يعقوب أن يختارَ بين إيمانِهِ بالرَّبِّ يسوع المسيح والحظوة لدى الشّاه، اختار امتيازات هذا الدّهر وأمجاده وبات شريك الشّاه في عبادة الأوثان.

ثاب إلى رُشْدِهِ

     وبلغَ المسيحيّين خبر سقوط يعقوب فكان له فيهم وقع الصّاعقة لا سيّما وأنّ يعقوب أحد أعمدتهم. ثمّ أنّ والدة يعقوب وزوجته بلّغاه أنّهما يقطعان به كلّ علاقة لأنّه آثَرَ مَجْدًا عابِرًا على محبّة المسيح ووعد الحياة الأبديّة. وثمّة رسالة قيل إنّهما وجّهتاها إليه، بهذا المعنى، وقيل أيضًا إنّها من رعيّة المَسيحيّين. جاء في الرّسالة: “عار على مَن هو مثلك، رفيع في الحسب والنّسب والإيمان أيضًا، أن يسقط في جبّ الضّلال العالميّ طمعًا في أمجادٍ تافهةٍ مزيّفة. من المؤسف كلّ الأسف أن تُؤَثِّرَ الملك الأرضيّ على الملك السّماويّ، ملك الملوك وربّ الأرباب. ماذا نقول فيك يا مُستحقّ النّوح والبكاء والشّفقة؟ أيّة عطيّة سيجزل لك يا عديم العقل؟ إنّنا ننوح من القلب ودموعنا تتساقط مدرارة حزنًا على صنيعك الممقوت. لكنّنا نضرع إلى الرَّبّ أن يفتح عينيك المُغمضتين وأن يلقي بنوره الإلهيّ في صدرك كي تعود عن غيّك وضلالك. حاول أن تفهم ما آلت إليه حالك. جرّب أن تدرك الخطيئة العظيمة الّتي وقعت فيها. فكّر في أنّك كنت ابنًا للنّور. فأصبحت ابنًا لجهنّم. لا تفوّت فرصة خلاصك، ولا تؤجّل عمل التّوبة. مدّ إلى العليّ يد التّضرّع والانسحاق. عد إلى رشدك وصوابك فيعود فرحنا بك. ولا تنس أنّ إصرارك على ما أنت فيه سيجعل بينك وبيننا قطيعة“.

وأفاق يعقوب من سُكْرِهِ وبَكَى بُكاءً مُرًّا. كلّ همّه بات أنْ يمحو خيانته لربّ السّماوات والأرض، وبالدّم إذا لزم الأمر. لذلك جاهر بإيمانه بالرَّبّ يسوع ونبذ الأوثان. لم يترك مناسبة إلّا فعل كذلك إلى أن بلغ خبره الشّاه نفسه، فاستدعاه وسأله عن حقيقة الأمر، فاعترف ولم ينكر. بدا الشّاه لبعض الوقت غير مصدّق، لكن يعقوب أصرّ. حاول يزدجرد إغراءه بالمَناصِب والمال والأمجاد فلم يُبال. قال إنّه مُستعدّ أن يهبه حتّى نصف مملكته فلم يصغ. ذكّره بالشّباب وحلاوات الحياة الدّنيا فلم يتزحزح. هدّده فلم يكترث. إذ ذاك خرج الشّاه عن طوره وأسلمه، في غضب شديد، إلى التّعذيب.

تحت التّعذيب

 

 

  كانت المرحلة الأولى من التّعذيب عاديّة، لكنّ حمية يعقوب واستخفافه بها جعلا يزدجرد في هياج، فأمر إذ ذاك بإنزال أقسى وأصعب أنواع التّعذيب بيعقوب: تقطيعه قطعة قطعة حتّى يلفظ نفسه الأخير. وشاء الشّاه أن يدعو المدينة كلّها إلى هذا المشهد المُريع. ولمّا حضرت السّاعة، بدا بعض النّاس حَزانى باكين فقال لهم يعقوب: “لا تبكوا عليّ أيّها البائسون، ابكوا على أنفسكم وشهواتكم وملذّاتكم. سأتوجّع قليلًا، ثمّ ينتهي كلّ شيء. أمّا أنتم فمصيركم هنا غير مضمون“.

 

 

ثمّ أنّ الجلاّدين بدأوا بتنفيذ الحكم فقطعوا أصابع يديه ورجليه ثمّ ذراعيه وساقيه. وإذ كان يعقوب في آلام فظيعة صرخ إلى الرَّبّ يسوع: “أغثني يا ربّ!” فجاءت قوّة من عند الله جعلته غريبًا عن الألم، وكأنّ ما يجري كان على جسد شخص آخر. أخيرًا قطع الجلاّد رأسه فتوقّف مجرى الأوجاع وأكمل يعقوب الشّهادة أمانةً وتكفيرًا.

 

 

 

وقد جاءَ في التّراث أنّه عندما قطع الجلّاد إبهامه قال: “هكذا تقلّم الكرمة لكي تنمو جديدًا في أوانها“. وعندما قطع اصبعه الثّاني قال: “تقبّل، يا ربّ الغصن الثّاني من زرعك“. ولما قطع الثّالث قال: “أبارك الآب والابن والرّوح القدس“. وعندما قطع الرّابع قال: “يا من قبلت مديحًا من الحيوانات الأربع، اقبل ألم هذه الأصابع الأربع“. وعند الخامس قال: “ليت فرحي يكون عظيمًا كفرح العذارى الخمس العاقلات“. وعند السّادس قال: “المجد لك يا ربّ، يا مَن مَدَدت يديك الطّاهرتين على الصّليب، في السّاعة السّادسة وجعلتني مُستحقًّا أن أقدّم لك أصابعي السّتّة“. وعند السّابع قال: “كمثل داود الّذي سبّحك سبع مرّات في اليوم، هكذا أنا اليوم أسبّحك بأصابعي السّبعة المبتورة من أجلك“. وعند الثّامن: “أنت يا ربّ استرحت في اليوم الثّامن“. وعند التّاسع: “في السّاعة التّاسعة، يا ربّ، استودعت روحك يدي أبيك، يا مسيحي، وأنا أقدّم لك الشّكر لألم الاصبع التّاسع هذا“. وأخيرًا لمّا قطع الجلّاد آخر اصبع من أصابعه قال: “أرتّل لك، يا ربّ، على عود ذي عشرة أوتار وأباركك لأنّك أهّلتني لاحتمال قطع أصابع يديّ الاثنتين من أجل وصاياك العشر المكتوبة على ألواح الحجر“.

 

وكان  استشهاد يعقوب في مدينة بابل على نهر الفرات وقيل إنّه كان يوم جمعة. وقد تمكّن بعض الأتقياء من سرقة الجثمان ولملمة الأطراف ونقل الهامة لتوارى الثّرى بإكرام وخشوع.

 

 

 

هذا، ورفات القدّيس اليوم في أكثر من موضع في العالم، فالهامة في روما وبعض من عظامه في بلاد البرتغال حيث يُحتفل بعيده في اليوم الثّاني والعشرين من شهر مايو  تجدر الإشارة إلى أنّ العديد من الكنائس والأديرة عندنا، لا سيّما شمالي لبنان، يتّخذ القدّيس يعقوب شفيعًا.