الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

في تذكراها القديسة كاترينا تعرف عليها

ارشيف
ارشيف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تستعرض البوابه نيوز، حياة القدّيسة العظيمة في شهيدات المسيح كاترينا الكُليَّة الحِكمة ب (القرن الرابع للميلاد) كاترين في اللغة السريانيّة (ذات التيجان الكثيرة) وفي اللغة اليونانيّة (النقيّة).

وُلِدَت القدّيسة كاترينا وعاشت في مدينة الإسكندرية في زمن الإمبراطورَيْن ذيوكليسيانوس ومكسيميانوس بين أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع للميلاد. 

 

ويبدو أنها كانت من فئة النبلاء، جميلة جدًا وذكية جداّ. وقد سهّل لها موقعها الإجتماعي الانكباب على دراسة العلوم الكلاسيكية كالفلسفة والبلاغة والشعر والعلوم الطبيعية واللغات. طاقتها على الاستيعاب وتفتيق المسائل الذهنية الغامضة أو المعقّدة كانت غير عادية. كل ذلك ولم يتجاوز عمرها العشرين ربيعًا. كثيرون جاءوا يطلبون ودّها فلم ترض بأحد منهم. ثمة دافع في نفسها كان يدفعها عن الزواج. لسان حالها، لترد ضغط ذويها عنها، كان أنها ما لم تلق رجلًا يساويها نبلًا وغنى وعلمًا فلن ترضى به عريسًا لنفسها.

العريس الأمثل

إلى هنا لا نعرف تمامًا ما إذا كانت كاترينا قد نشأت مسيحيّة أم لا، لكن والدتها كانت كذلك. فلما عيل صبر أمها واحتارت في أمر ابنتها استعانت بناسك قدّيس كان يقيم خارج المدينة. قال الناسك لكاترينا إنه يعرف رجلًا يتمتع بالمزايا التي تطلب، وان حكمة هذا الرجل تفوق حدود التصوّر، فحكمته مبدأ الكائنات المنظورة وغير المنظورة. وهو لم يتعلم الحكمة من أحد لأنها عنده منذ الأزل. من جهة أخرى، هذا الإنسان أنبل من كل أهل الأرض بما لا يقاس، وله سلطان على الكون برمته وقد خلق العالم بقدرته الذاتية. 

 

لا أجمل منه في بني البشر لأنه الإله متجسدًا: الابن والكلمة الأزلي للآب، وقد صار إنسانًا لأجل خلاصنا. هو أيضا يلتمس العروس، وعروسه النفس البتول ولا يرضى عن النفس البتول بديلًا. قال لها الناسك ذلك وصرفها.

وعادت كاترينا إلى بيتها متحيّرة، متأملة، في قلبها فرح وفي نفسها شوق ولهف للقاء الختن كما وصفه لها الناسك.

وفي الليلة عينها رأت كاترينا والدة المسيح  مريم وابنها يسوع المسيح لكن يسوع أبى أن يَنْظُرَ إليها لأنّها، كما قال، بشعة وكلها ملوّثة طالما أنها تحت الموت والخطيئة.

اضطربت كاترينا لهذا الحلم - وعادت في اليوم التالي إلى الناسك تسأله العون فعلّمها أسرار الإيمان وعمّدها.

ومِنْ جديدٍ ظهرت لها والدة المسيح والمسيح فقال عنها السَّيِّد: "ها هي الآن كاترينا مشرقة، جميلة، غنية ومزدانة بالحكمة والحق. الآن أقبلها عروسًا نقية!". ولكي تختم والدة الإله خطبة كاترينا السماوية أخذت خاتمًا ووضعته في إصبعها وأوصتها بألا تقبل عريسًا آخر لنفسها على الأرض.

أمام الإمبراطور

وحدث في ذلك الزمان أن قدم الإمبراطور مكسيميانوس (٣٠٥-٣١١) إلى مدينة الإسكندرية ورغب في أن يضحي كل أهل المدينة للأوثان للدلالة على خضوعهم لسلطانه وولائهم لدولته تحت طائلة التعذيب والموت.

وفيما باشر كهنة الأوثان بإقامة الطقوس ونحر البهائم، وفيما كان الناس يتدفقون على المكان لتقديم الطاعة للإمبراطور والاشتراك في رفع الذبائح للأصنام، احتدت روح كاترينا فيها فجاءت ووقفت أمام الإمبراطور.

 

 وبعدما أبدت التحية المعهودة وطلبت الإذن بالكلام، شرعت تقول له إن عبادة الأوثان مفسدة لا يجيزها العقل السليم، والأوثان لا وجود لها، بل المنطق يظهر أنه لا يمكن أن يكون هناك غير إله واحد هو أصل الموجودات وعلّتها. وهذا سلّم به كبار الفلاسفة الوثنيين وبيّنوا، في المقابل، فساد الاعتقاد بكثرة الآلهة.

ونزل كلام كاترينا في نفس الإمبراطور نزول الصاعقة، فبدا مأخوذًا بجسارتها ووضوح بيانها وقوة كلامها. وأخذ أكثر من ذلك بفتنتها وطلعتها وشبابها، فأبدى مرونة من نحوها. ثم ان أفكارًا تحرّكت في نفسه وقد رغب فيها. وخطر بباله أن يستدعيها إلى قصره ويجعل مناظرة بينها وبين حكمائه.

وهكذا جرى استدعاء أبرز الحكماء والفلاسفة والخطباء، فاجتمع خمسون منهم، والبعض يقول مئة وخمسين.

المناظرة الكبرى

وحضرت الساعة وواجهت كاترينا، بنعمة الله، محفل الحكماء والفهماء فأفحمتهم جميعًا. كشفت أمام الجميع ضلالات الكهّان والشعراء والفلاسفة الوثنيين وبيّنت، بالشواهد، التناقضات في أقوالهم وتعاليمهم كما أكدّت أن ما يسميه القوم آلهة إن هو سوى أبالسة مضلّلة تتخذ من شهوات الناس ورغائبهم ستارًا لها. ولكي تدعم أقوالهم بحجة أكبر عرضت لبعض ما ورد في نبوءات ما يعرف بـ "السيبلّلا" - وهي التي اعتبرها المسيحيون الأوائل إشارات ولو غامضة إلى التجسّد الإلهي وآلام الابن الخلاصية - وأبرزت بطلان الخرافات والأساطير الوثنية بشأن تكوين العالم، قائلة بأن العالم خلقه من العدم الإله الواحد الأزلي وأن الإنسان قد أعطي الخلاص من الخوف والموت بتجسّد ابن الله الوحيد.

ثم بعد أخذ ورد لم يجد الحكماء والفلاسفة والمشتركون في المناظرة بدًا من التسليم بصوابية ما نطقت به الصبية الصغيرة. ويبدو أن الروح القدس الذي تكلّم في كاترينا سمع فيهم، فكان أن أعلنوا كلهم الإيمان بالمسيح الذي امن به الكثير. 

ويقال إن الإمبراطور أمر بإلقائهم طعامًا للنار. والكنيسة تحصيهم اليوم في عداد قدّيسيها.

نحو الشهادة

أمّا كاترينا فعلق الإمبراطور بهواها ولعله كان مستعدًا أن يغضّ الطرف عن إيمانها لو رضخت له وقبلت الزواج منه، لكنها صدّته. إذ ذاك غضب لكرامته الجريح وأمر بها جنده فجلدوها وألقوها في السجن علّها تلين.

وسمعت الإمبراطورة بكاترينا فتحرّك قلبها، فأتتها زائرة برفقة ضابط اسمه برفيريوس. فلما تعرفت بها وبانت لها نعمة الله عليها آمنت بالمسيح، وآمن معها برفيريوس والجنود الذين كانوا في إمرته.

ثم أن الإمبراطور عاد إلى المدينة بعد سفر قصير ليكتشف أن امرأته قد وقعت هي أيضًا في ضلالات المسيحيين فأمر بقطع هامتها، هي وبرفيريوس الضابط وسائر الجنود الذين معه. فعل ذلك مخافة أن يفلت زمام الأمر من يده ولأنه رغب في أن يتخلص من زوجته السابقة ليصفو له الجو مع كاترينا.

وحاول الإمبراطور ثانية وثالثة أن يستميل فتاة الله بالحسنى فلم تشأ. إذ ذاك تحوّل كل ميله إليها إلى حقد عليها. ويقال أنه ابتدع دولابًا مُسَنَّنًا بشفراتٍ حادةٍ لتعذيبها. ولمّا شاء جعل كاترينا على الدولاب تفكّك وتكّسر وتناثرت قطعه. وإذ ظن الإمبراطور أن ذلك كان بتأثير السحر الذي كانت الفتاة تتعاطاه أمر بإعدامها، فقطع الجلاّد رأسها.

هذا وقد وجد نُسّاك رفاتها على قمة جبل سيناء في أوائل القرن الثامن للميلاد. ومنذ ذلك الحين صار دير سيناء يعرف بدير القدّيسة كاترينا. أما كيف انتقلت رفاة القدّيسة إلى قمة الجبل فليس واضحًا تمامًا. ثمة من يقول إن النسّاك عرفوا بأمرها إثر رؤيا وأنها انتقلت إلى هناك من الإسكندرية، حيث استشهدت، بواسطة ملائكة.

مِنْ جِهَّةٍ أخرى، يُذْكَرُ أنَّهُ  لا سجلات باقية بشأن القدّيسة كاترينا ولا ذكر لها قبل القرن الثامن للميلاد. والقدّيس سمعان المترجم، في القرن العاشر للميلاد، هو من كتب السيرة التي نعرف.