الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

دعاية دفن المعلومات حية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

من قال إنك تحتاج للمزيد من تسليط الضوء على أشخاص بعينهم حتى تقوم بالدعاية لصالحهم عبر وسائل الإعلام المختلفة؟! إن الأمر ربما يكون أبسط من ذلك، ولا يحتاج لكل هذا الجهد. لكنه يحتاج لجهد مسبق في رسم خريطة واقعية عميقة للأحداث. 

   يمكنك أن ترى ذلك بوضوح في سياسات الدعاية الأمريكية التي تسلط الضوء في كثير من الأحيان على قوى خفية تدير الأحداث، ولا يمكن التكهن بها. مثل اختراق موقع إلكتروني هام، أو مقتل عدد من الأفراد، أو اكتشاف كائنات فضائية من قبل مجموهة من الهواة لا يعرفهم أحد. إن الولايات المتحدة الأمريكية، كبيئة دعائية، تعتمد على قوى متعددة المصادر إذ أن سوق العمل هناك لا يعتمد على أفراد أمريكيين فقط، فمن الناحية العملية لا يوجد شيء اسمه أمريكي أصيل ما لم يكن من الهنود الحمر "سكان الأرض الأصليين". إن هذا التنوع الشديد في سوق مفتوح على كل الخيارات يجعل من فن الدعاية فنًا كثير الأذرع مقارنة بأي سوق آخر. في السوق الأمريكي يمكن لأي شيء أن يحدث في أي وقت دون أية توقعات. لذا تعتبر الدعاية أحيانًا أن القوى الفاعلة غير المحددة يمكن التحكم بها أحيانًا أكثر من تلك المحددة. 

   إن القوة الفاعلة غير محددة المعالم تملك أن تحدد معالمها وفق ما تريد منها في الوقت المناسب والمكان المناسب، فأنت ترسم تفاصيلها وماضيها وحاضرها وإمكانياتها المستقبلية حسب ما تريد منها، وليس بالضرورة أن تسقطها على واقع في النهاية، إذ أن الهدف من الدعاية لها قد يكون دفع الأشخاص نحو ما تريده لا نحوها هي. يأتي ذلك على عكس القوة المحددة التي تجبرك على تكييف الأوضاع حولها بما يتناسب معها ماضيًا وحاضرًا وربما مستقبلًا حسب ما تريده منها ولها. لذا عليك بذل جهد كبير لدفن المعلومات الحية بكل ما تملك من طاقة.

   إن المعلومات الحية الحقيقية لا تقارن بغيرها مهما أجهدت نفسك على إيجاد هذا الغير والعمل على تحويله لقوة مؤثرة إما داعمة أو طاردة للأشخاص فيما يخص شخص ما أو فكرة ما. لذا عليك أن تعمل جاهدًا على تحويل المعلومات الحية كأشخاص ووقائع إلى أشياء غير موجودة إما بتهميشها جدًا إن لم تتمكن من تجاهلها تمامًا. أو يمكنك أن تستخدم القوى الموجودة كعناصر بيئة تثبت وجود قوتك المجهولة، ويعد هذا الاستخدام دفنًا لها أيضًا إذ أنه في النهاية يهدف لتحييدها كقوة مؤثرة لصالحها هي ولصالح الواقع، وهو ما لا تريد أن يحدث دون أن تضبطه أنت. 

   إن الإشارة دائمًا لأشياء تصنعها أنت يمكنك من إيجاد الواقع الذي تريده. لكن عليك أن تعلم أن رائد هذه اللعبة "جوزيف جوبلز" كان ينتظر طوال الوقت الذي لن يمكنه فيه أن يخدع كل الناس كل الوقت، إلا أنه كمهندس دعاية عسكري كان يهتم بالقوة التي تحقق له النصر الذي سيسطر على كل الأمور بما فيها اكتشاف الخداع، فالمكتشفون سيتحلون بشكل أو بآخر لرعاياك. لطالما كان الوقت هو الثروة الأعظم في الحياة وهو المحك الذي يعطيك النجاح من عدمه في الدعاية الصحيحة.

  الغريب أن هذه الدعاية المدمرة للحقيقة أيًا كانت درجة نبل أهدافها، يمكنك أن تستخدمها على كافة المستويات بدءًا من تهذيب أولادك حتى إدارة بعض مجريات الحرب العالمية الثانية. وتنعدم تقريبًا فرص اكتشافها بسرعة لأنها تتعلق بأشياء لا توجد إلا في خيال مبتكرها فقط، لذا يحتاج الحكم على وجودها من عدمه وقتًا طويلًا، لا سيما وأن الدعاية تعتمد على نشر فكرة أكثر من نشر خصائص مادية. يعطي كل هذا عمرًا طويلًا لهذه الأفكار يمثل مدى كبيرًا لتحقيق أهدافها، وقد تصادف من يشبهها في الواقع فعلًا ويحقق أهداف مبتكرها، حينها قد تتحول لهندسة ابتكارية للعالم. إذ أن الإنسان مهما بلغ ذكاؤه يظل حبيس معطيات الكون التي خُلق منها. والله يجعل الكون يعطي بطريقته طوال الوقت.