الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الحرب على غزة تفجر عاصفة تهزُّ الوعي الغربي!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يمكن الجزم بأن المواقف داخل الدول الغربية ليست الآن بنفس وتيرة الدعم الذي ظهر في السابع من أكتوبر تجاه آلة الاحتلال الإسرائيلية الفتّاكة في مقابل تقدّم مواقف الرفض، شعبيًّا ورسميًّا، لقصف المدنيين في غزة وحصارهم بدون ماء ودواء وكهرباء ووقود. إشارات انفضاض الإجماع الغربي حول الكيان المحتلّ بدأت بالتحديد منذ القصف على مستشفى المعمداني الذي أثار مواقف التشكيك في رواية الاحتلال الإسرائيلي، كما خفتَ حالات "السعار" لدى أعضاء في الكونجرس الأمريكي والاتحاد الأوروبي؛ ثم جاءت استقالة موظفين بالخارجية الأمريكية، وتلويح بها من عدد آخر. كما هزّت الكارثة الإنسانية في غزة وعي سياسيين آخرين في الولايات المتحدة وبريطانيا والعالم. مع ذلك، مازالت هذه الصحوة غير كافية لإيقاف الكيان المحتل عن تنفيذ خطّته لشطب أكثر من مليوني فلسطيني من الجغرافيا!

 مما لا شك فيه أن المعركة بين المقاومة الفلسطينية والكيان المحتل ستظل محتدمة لفترات لا نعرف أمدها. لكن تاريخ الصراع بين قوى الاستعمار والمستعمرات يعلّمنا أن الحسم لا يتمُّ بالأسلحة الفتاكة وإنما من خلال الوعي الدولي التراكمي بحقيقة ما يجري من حيف على الأراضي المغتصبة؛ وهذا من شأنه أن يساهم في تحريك المواقف نحو انحياز أقل تجاه دولة الاحتلال ومساندة متنامية نحو المحتَل، حتى لو بعد حين. 

مؤشرات هبوب عاصفة استعادة الوعي بدأت من داخل الخارجية الأمريكية عند إعلان جوش بول، مدير مكتب الشؤون السياسية والعسكرية في الوزارة، استقالته في نفس اليوم الذي زار فيه الرئيس بايدن الكيان الإسرائيلي لإظهار الدعم العلني وتعهده بمزيد من التمويل من الكونجرس. جوش بول، الذي لم يشر أي تقرير إلى كونه يهوديًا، شعر بعد أكثر من عقد من العمل على صفقات الأسلحة، أنه لا يستطيع أن يدعم "أخلاقيا" بلاده في مدها إسرائيل بالمزيد من الأسلحة، خاصة أنه في هذه المرة "بمثابة شيك على بياض من الكونجرس" مع انعدام "الشهية للنقاش".. تلك الاستقالة يراها البعض نتيجة لتجاهل وزير الخارجية أنتوني بلينكن لخبرائه مما أدى إلى إحباط الموظفين، لدرجة تنبئ بوجود "تمرد يختمر داخل الخارجية"، حيث وقّع أربعمئة مسؤولٍ على عريضةٍ انتقدوا فيها إدارة بايدن، بسبب ما وصفوه "إهمال دعم الفلسطينيين الذين يعيشون معاناةً كارثية على أيدي الحكومة الإسرائيلية".

ومن المعروف أن إنشاء قناة المعارضة قد وُلدت من رحم حرب فيتنام حتى يعبّر الموظفون عن خلافاتهم السياسية في رسائل سرية تذهب إلى وزير الخارجية، دون خوف من الانتقام. ومنذ ذلك الحين استخدمها الدبلوماسيون، خاصة في حرب البوسنة، للتحذير من خيارات خطيرة تعود بالوبال على المصالح الأمريكية. 

وفي استمرار لتصاعد أزمة الوعي، قدّمت لارا فريدمان، رئيسة قسم "السلام في الشرق الأوسط"، استقالتها احتجاجًا على دعم إدارة بايدن العدوان الإسرائيلي على غزّة. تُعتبر فريدمان مرجعًا لدى الوزارة في السياسة الخارجية المتعلّقة بـ"الصراع الإسرائيلي-العربي-الفلسطيني". ولا يبدو أن بلينكن قد استوعب رسائل عاصفة الوعي، بل هوّن منها واعتبرها "ردة فعل عاطفية نتيجة الظروف الصعبة التي تركتها الحرب الدائرة على موظفيه". يعني بتعبير آخر "أعصابهم تعبانة"!

وانضمّ ثلاثون عضوا من مجلس الشيوخ للمطالبة بالعمل من أجل وقف إطلاق النار، وإيصال المساعدات إلى غزة، ووقف الدعم غير المشروط للاحتلال. واشنطن تخسر المزيد من الأصدقاء في الشرق الأوسط وتجني المزيد من الغضب الرسمي والشعبي، وهذا ينبئ بما قد تعانيه من أعباء أمنية ومخاطر على بعثاتها وقواعدها في المنطقة في الأيام القادمة. هذا ما حذر منه أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي. وهو تحذير ليس بعيدا عما ذكره الصحفي الأميركي، توماس فريدمان، في مقاله بنيويورك تايمز، عندما طالب بايدن بالضغط للحيلولة دون ما أسماه "فخ الغزو البري لغزّة" الذي اعتبره إيذانا بإشعال حريق عالمي مدمّر للمصالح الأميركية في المنطقة والتحالف المؤيد لها الذي "هندس له كيسنجر بعد حرب أكتوبر73". لكن لا يبدو أن نصائح "فريدمان" عرّاب السلام تجد طريقها إلى آذان الإدارة الأمريكية! 

أما على الصعيد البريطاني فالعاصفة ليست بأقل وطأة، حيث أصبح حزب العمال على صفيح ساخن نتيجة الدعم المطلق لزعيمه كير ستارمر للقصف الإسرائيلي على غزة والذي وصل لحد تبرير منع الماء والكهرباء والوقود عن سكان القطاع. أدى ذلك إلى استقالة أعضاء مجلس مدينة أكسفورد الثمانية واستقالة عشرين آخرين من أعضاء المجالس العمالية، ويمكن خسارة المزيد من المجالس بل والانتخابات المقبلة. من ويلات هذا الزمان أن ستارمر هو محامي يدافع عن حقوق الإنسان!

في إسبانيا، هناك أيضا مؤشرات لاستعادة الوعي وبأكثر جرأة داخل الحكومة، حيث دعت وزيرة الحقوق الاجتماعية الإسبانية بالإنابة إيوني بيلارا، الدول الأوروبية إلى "قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وفرض حظر على الأسلحة وعقوبات اقتصادية". 

لقد أصبح داعمو فلسطين أكثر جرأة وأعلى صوتا، حتى داخل الدول التي تعيش بعقدة الذنب تجاه ما اقترفته في تاريخها ضد اليهود. كما يُمكن التماس قدرٍ من التحسُّن في مواقف بعض أعضاء الجمعية العامة مثل اليابان، وفى لُغة البيانات اللاتينية والأفريقية، بل وفي موقف الأمين العام للأمم المتحدة نفسه. ربما لن يؤدي كلّ هذا التحسّن، بما في ذلك استقالة الدبلوماسيّين الأمريكيّين، إلى تغيير فوري في السياسة الأمريكية والأوروبية المساندة للكيان المحتل، لكنه بالتأكيد يشجّع آخرين يتصارعون مع مشاعر مماثلة من إعلان موقفهم بأكثر جرأة وأخذه على محمل الجد. والمعركة مستمرة على صعيد استعادة الوعي!