الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ع الكنبة!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ليس عندي ما أقوله.. لكني أريد أن أقول لك ذلك.. لا أفهم لماذا من المهم أن أقول لك إن الكلمات أصعب والسكوت شديد الصعوبة.. فالعقل لا يستريح إلا إذا عَرِف وفهم.. فكل الكلمات لها معنى حتى السكوت له معانٍ مختلفة. 

يقول أنيس منصور في كتابه «معنى الكلام» كل شيء له معنى.. أو يجب أن يكون له معنى.. حتى الكلام الفارغ إذا صدر عن إنسان فنحن نُفكِّر في هذا الذي قال، فنقول: هذه هلوسة.. أو هذا تخريف.. أو أنَّ المتكلم مسطول.. أو مجنون.. لا بد أن نضع صفة أو نصدر حُكمًا على هذا الذي نسمعه. 

أي أننا نُفكِّر وحاولنا أن نفهم.. ثم أصدرنا حُكمنا.. فإذا قلت لك مثلًا: ما وجه الشبه بين الكلمات: أنا، خوخ، توت.. أن أقول لك: إن هذه الكلمات يُمكن قراءتها من أولها ومن آخرها. 

كل ما أريد أن أقوله إن الشيطان يوجد في كل مكان إلا هذه الرقعة البسيطة التي توجد في منتصف المنزل، وهي «الكنبة» التي نستعيد فيها الذكريات الطيبة، هنا لا يمكن أن ترى شياطين الإنس الذين يطاردونك في الشوارع والطرقات والعمل، أو شياطين الجن الذين يُحاصرونك ويتحالفون مع نفسك لارتكاب الأخطاء الجسيمة التي قد تندم عليها يومًا ما.

«ع الكنبة» كان يجلس جدي يبني إمبراطورية أساسها المحبة، ثم جاء أبي ليضع ضوابط التعامل في الجنة التي اختارها لنا.. ولم يترك هذا المكان إلا لأمي «رحمها الله»، فهو مثل أي زوج قادر أن يتمرد على الظروف والحياة، لكن لا يقوى على منافسة أمي في مباراة كلامية أكثر من 4 ثوانٍ، فيضطر أن يُعلن استسلامه مسبقًا.

كانت أمي.. زوجة صالحة إلى حد كبير، عندما تتكلم يتوقف بك الزمن، تُحرِّك فلسفتها عقارب الساعة، وتتوقف مسارات وصول الدم إلى المخ، وإن لم تستوعب ما يُقال ستصاب بالإغماء وسترى الغربان تنعق في خرائب عقلك، وإن فهمت ما قيل ستظهر لك الطيور من كل لون ونوع وصوت على أشجار الكافور.

الرحلة إلى «الكنبة» قد تبدو شاقة كثيرًا لكنها تستحق.. ففي هذا الكون الفسيح تتعلَّم أشياءً كثيرة.. يمكن أن تتعلَّم صنعة أو حِرفة أو مهنة، لكن هناك «ع الكنبة» ستتعلَّم الصدق والفضيلة.. ستتأمل وتتذوق الحياة وجمالها، ستنسى همومك. 

لحظات من العذاب أشعر بها أثناء مروري من أمام «الكنبة» كل صباح ومساء، فقد افتقدتها منذ زمن طويل.. عندما أصبحت أيامي عبارة عن «شغل يتخلله ساعات قليلة من النوم»، بفعل ظروف الحياة التي أرهقتني، وأصبحت في حاجةٍ لقراءة مجلة «علاء الدين» ولكن «ع الكنبة».