الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

أوليفييه دوزون يكتب: سياسة «العم سام».. عندما يدعو «الحليف» الأمريكى فرنسا للخروج من أفريقيا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تكاثر الحديث حول «حان وقت فرنسا فى أفريقيا»، «زمن فرنسا يحسب من الآن فى أفريقيا» وهو ما يبدو وكأنه قصف الرعد بالنسبة لباريس.
مايكل شوركين المحلل السابق فى مؤسسة راند ووكالة المخابرات المركزية، يضع  سياسة العم سام فى أفريقيا والاستياء من التواجد الفرنسي  فى القارة، فى إطارها الصحيح؛ فهو يرى أن فرنسا ليست لديها مصلحة فى منطقة الساحل وقد أعلن مايكل شوركين ذلك صراحة: على فرنسا أن تعيد رجالها إلى وطنهم وأن تغلق قواعدها وتتخلى عن أى دور استراتيجى لها فى أفريقيا مع  الاحتفاظ بالفرانكفونية كقوة ناعمة هناك.
ويرى الأمريكيون أن «الخروج من أفريقيا قد يؤدى إلى تقليص مكانة فرنسا ولكن الحقيقة هى أن فرنسا مثل بريطانيا لديها الكثير من الموارد وبصراحة لديها أولويات أخرى وهو ما يحدد مصالحهم على نحو أفضل ومن المفهوم أن «الأولويات تقتضى أن تقتصر على المشاركة فى الدفاع عن الجليد الأوروبى فى إطار أطلسى، وربما على تواجد فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ اللذين يفتقران إلى مساحة قادرة أن تعكر صفو «النظام الأمريكي».
ويشير رافائيل شوفانسى المحاضر فى كلية الحرب الاقتصادية فى مقال له بعنوان: «لماذا تريد أمريكا طرد فرنسا من أفريقيا؟ » إلى أن تزايد البؤس وانعدام الأمن المستمر فى منطقة الساحل جعل الناس يميلون إلى البحث عن كبش فداء وهو هنا فرنسا على وجه التحديد. لكن لا أحد يفكر فى رحيل الألمان ناهيك عن رحيل الأمريكيين.. فكيف نفسر ذلك؟ إن باريس من وجهة نظر واشنطن ستؤدى إلى: «أن تعرقل التنمية الاقتصادية والسياسية للدول الأفريقية».
ولكن هناك ما هو أكثر من ذلك فقد أدى الترويج لسياسة الأقلية الأنجلوسكسونية إلى تلك السياسة الكارثية التى أدت  إلى تحطيم مشروع مجتمع ما بعد العنصرية الذى كان يشكل أحد عوامل النفوذ العالمى الفرنسى.
لقد كان لدعم واشنطن للحركة المتطرفة «لإنهاء الاستعمار» آثار ضارة ليس فقط فى الضواحى الفرنسية ولكن أيضًا فى أفريقيا الناطقة بالفرنسية. وقد تم أخذ أطروحاته حول ضحية المؤامرة والتى يتناقلها المغتربون الموجودون فى فرنسا على محمل الجد. بما فى ذلك الرئيس ماكرون، الذى نجح خلال القمة الفرنسية الأفريقية فى مونبلييه فى أكتوبر ٢٠٢١، فى التحدث مع عينة من هذا الشتات الذى اختاره مستشاروه جيدًا. وكان مستوى الحوارات التى دارت بينهما  بليغة فى ضوء تلك الأطروحة: «لو كانت العلاقة بين دول أفريقيا وفرنسا وعاء لكانت قذرة».


إذا كانت موسكو قامت بتمويل ونشر فكر كيمى سيبا عن الفرانكوفوبيا فقد روّجت واشنطن لخطاب رخايا ديالو وبشكل عام، تحركت روسيا والولايات المتحدة بشكل غير منسق لإبعاد باريس، كما أن حملة تقويض تم تنفيذها بذكاء منذ فترة لتنسيق عمليات زج فرنسا وتقوية النفوذ الأمريكى هذا على حد قول رافائيل شوفانسى.
ومن المؤكد أن فرنسا لم تر الخطر القادم وسمحت لنفسها بالوقوع فى فخ الروايات التخريبية الممزوجة بالإسلاموفوبيا التى تقوم بها فرنسا والموجهة إلى الشباب المحبط والعاطل الذى تخترقه السرديات المناهضة للاستعمار وضد فرنسا فى أفريقيا وفى الضواحى الفرنسية.
يمكن تفسير هذا الموقف الذى اتخذه العم سام ضد مصالح فرنسا فى أفريقيا بحقيقة أن الولايات المتحدة لا تسمح لهذه الفكرة فى الحكم الذاتى تلك الفكرة التى تشجعها فرنسا، إضافة إلى أن الأمريكيين دائمًا ما يتصورون التحالف معهم على أنه اصطفاف أو حتى تبعية (كما قال رولان لومباردى فى أعماله) وأى تشويش لهذه الفكرة فإنه يساوى الخيانة!
ومن هذا المنطلق  فهم  يقدمون الدعم الأساسى لبرخان بإخلاص، فقد طوروا حيلهم ووسائلهم وطوروا شبكاتهم الخاصة. ومنذ انسحابها من مالى، لم تعد باريس قادرة على الاحتفاظ بأى جبهة ولو ثانوية فى أفريقيا. وفى هذا السياق فإن واشنطن تحث باريس على اتخاذ قرار بشأن مصير جنودها البالغ عددهم ١٥٠٠ جندى الموجودين على أراضى النيجر.
وبرغم نجاحاتها العسكرية التكتيكية الملحوظة فقد أصبحت أضحوكة فى جمهورية أفريقيا الوسطى، وفى مالى، وفى بوركينا فاسو، والنيجر وترى واشنطن أنه «يجب أن نرسم مسارا لعودة  الشرعية الدستورية فى النيجر. ربما لن يشكل جنود النيجر مشكلة فى أى مكان آخر: فهم يعلمون أنه بدون قدرات المراقبة الأمريكية فإن كل جهودهم لمحاربة الجهاديين ستذهب سدى» جاء هذا فى كلمة  لأحد الدبلوماسيين.
سندرك بذلك أن موقف باريس غير مقبول كما تعلم واشنطن جيدًا ما يمكنها إنقاذه. وفى هذه المباراة فإن واشنطن تعلم جيدًا أنها ستخسر كل شيء إذا انضمت إلى باريس، ومن الواضح أن الولايات المتحدة لن تتردد فى التحدث مع الانقلابيين، وقد فعلوا ذلك بالفعل! بالنسبة لباريس، لا شيء يسير على ما يرام فقد انتهت المباراة.
على الرغم من الضغوط التى مارسها الجيش عقب الانقلاب فى البلاد فقد أعلن إيمانويل ماكرون، الذى افتتح الدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر السفراء أن السفير الفرنسى سيلفان إيتى «سيبقى فى النيجر» فى ٢٨ أغسطس ٢٠٢٣ (ملحوظة فقد أعطى المجلس العسكرى فى ٢٥ أغسطس ٢٠٢٣ ٤٨ ساعة لسفير فرنسا (لمغادرة النيجر). ويتطلع  ماكرون الى استعادة النظام الدستورى خاصة أن الانقلابيين يطالبون برحيل ١٥٠٠ جندى فرنسى قبل الرابع من سبتمبر ٢٠٢٣. ومنذ ذلك الحين سيصبح انسحاب فرنسا من النيجر أمرا حتميا أكثر من أى وقت مضى.
ونظرًا لمماطلة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا  «الإيكواس" فإن التدخل العسكرى لن يكون مستبعدًا فى ظل الافتقار إلى الدعم الغربى. ومن الواضح أن هذه الظروف ليست لصالح محمد بازوم فالوقت يلعب ضده.
من المفهوم أن الأمريكيين الذين لا يشعرون بالقلق تجاه المجلس العسكرى كانوا دائمًا «أصدقاء مزيفين» أو"حلفاء مزيفين» للفرنسيين، فلم يكن لديهم سوى أهداف رئيسية وهى الدفاع عن المصالح الأمريكية. فما زالوا يوجهون دفة الأمور فقط من أجل مصالحهم الخاصة سواء كانوا فى النيجر أو أوكرانيا أو أى مكان آخر.
فهدفهم واحد فقط: الاحتفاظ بقواعدهم العسكرية فى النيجر، مثل قاعدتى نيامى وأغاديز فى الشمال.  أنهم بلا شك يلعبون دورهم فى هذه الحرب التى ستواجه من الآن فصاعدا الولايات المتحدة ومجموعة فاجنر والجهاديين.
معلومات عن الكاتب: 

أوليفييه دوزون.. مستشار قانونى للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى والبنك الدولى.. من أهم مؤلفاته: «القرصنة البحرية اليوم».. و«ماذا لو كانت أوراسيا تمثل الحدود الجديدة؟» و«الهند تواجه مصيرها».. يكتب عن سياسة العم سام التى يهمها طرد الوجود الفرنسى من القارة الأفريقية.