الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

مسرح صلاح عبدالصبور الشعرى.. أهم الأعمال التى خلّدت سيرة «المبدع الكبير»

الشاعر صلاح عبد الصبور
الشاعر صلاح عبد الصبور
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

المسرح هو العلاقة الحية بين الشاعر والممثل والجمهور، والتفاعل المباشر دون وسيط، فالشعر أبو المسرح، والمسرح أبو الفنون جميعا، ومن خلال المسرح الشعرى نستطيع أن نقول ونفعل ونغير الكثير من أنفسنا وواقعنا، ويومنا وغدنا، فهناك الكثير من الشعراء اكتفوا بالقصيدة خوفا من دخول قلعة المسرح، أو إحساسا بالعجز عن إدراك خصائص فن المسرح، وربما يكون الاكتفاء بالقصيدة لعدم الصبر الكافى الذى تحتاجه المسرحية الشعرية.

تتسم لغة حوار المسرح الشعري بالإيقاعية

فالمسرح الشعرى يعتمد على مرجعيات شعرية مقفاة أو غير مقفاة، وضعت لبناء عمل مسرحى محكم، وتتسم لغة الحوار به بأنها لغة إيقاعية، فالشعر المسرحى فن قديم ظهر لدى اليونان والرومان وانحسر حتى القرن الثامن والتاسع عشر، ويعد من أهم رواد هذا المسرح من الشعراء العرب أمثال أحمد شوقى، وعزيز أباظة، وعلى أحمد باكثير، وعبدالرحمن الشرقاوى، وصلاح عبدالصبور، ونجيب وسرور وغيرهم.
فقد كتب صلاح عبدالصبور العديد من الأعمال المسرحية الشعرية منها: «مأساة الحلاج، ومسافر ليل، والأميرة تنتظر، وليلى والمجنون، وبعد أن يموت الملك» وغيرها، فنحن نتناول فى السطور القليلة التالية التحليل الدرامى لبعض منها.

مأساة الحلاج.. ورحلة البحث عن الذات فى توظيف الشخصية الصوفية
إحدى روائع عبد الصبور المسرحية، فى العام 1966، التى تعد الأبرز فى أعماله، حيث تجسد شخصية المنصور بن حسين الحلاج المتصوف، الذى عاش فى منتصف القرن الثالث للهجرة، فقد استلهم عبد الصبور مأساته الشعرية الأولى، فكشف بذلك عن تربة التراث الإسلامى الخصبة، وفتح الطريق للتعامل مع كنز الدراما القومية الحقيقية، وبوعى، وإدراك، وحب، قدم «الحلاج» درسًا للمعاناة فى مأساته الفنية، كما كان فى حياته، يعانى الحلاج مرتين، يتوقف فى منهما فيتعذب ويكابر قبل أن يختار ويقرر، وفى كل وقفه يصنع لنفسه قبل أحبائه وأعدائه، خصومة وملاحاة.
ويشير الدكتور أسامة أبو طالب، أستاذ الدراما والنقد بأكاديمية الفنون، ورئيس البيت الفنى للمسرح، إلى الجزء الأول فى المسرحية المسمى بـ«الكلمة»، فنجد الرجل ليس برجل دين ولا شيخ طريقة بالمعنى الذى انتهت إليه الكلمتان، وإنما هو استكمال «للجهاد الأول» كما بدأ وفهمه هو فى دعوة الدين إلى القوة، وهو ما سيمثل له معاناة أخرى، أما معاناته الأولى، فتمثل «رغبة الكشف» طرفا، «والعدول عنه» طرفا آخر، إذ تحتم قوانين التصوف وتقاليده عدم البوح بسر «الذات»، وأن ما يوهب للذات العاشقة المتفانية من «كشف أو فيض»، وتعتبره هذه القوانين ملكا خالصا لها، وللذات ملكا بالغ الخصوصية لا يصح إهداره وهتكه بالإعلان عنه وإشهاره، وهو نتاج المجاهدات الشاقة للنفس المتصوفة، يربطها فقط بسر الخلق ونور الخالق، لكن الحلاج على غير ما تعودت الجماعة، يبوح ويجهر بالبوح والإعلان فلا يفهم من أحواله، فيخالف بذلك شريعتهم الخاصة حتى ليتعرض عليه الشلبى ذلك الذى يمثل فى تردده وإحجامه وخوفه تجسيد العقيدة الصوفية السائدة، والذى حكوا عنه وعن غيره من الأولياء إنهم كانوا دائما فى حالة انجذاب، حتى يحين وقت الصلاة فيعودون إلى إدراكهم، فإذا ما أدوا صلاتهم عادوا إلى انجذابهم السلمى «طبقات الصوفية».
ويوضح، أن هذه الوقفة الأولى للحلاج تصنع منه بطلا مأساويا على النمط الأرسطى التقليدى، فالحلاج من وجهة نظر مجموعته الصوفية بطل تراجيدى حقا، فقد تجرأ وخرج وكسر القاعدة، ومن هنا تتخذ المسرحية أهميتها البالغة إذ تصنع من التاريخ الإسلامى ومن أبطاله ذوى اليقين نماذج مأساوية لا تقل أبدا فى أهميتها عن النماذج المألوفة المتمردة، والخارجة، والرافضة، نماذج ليست عدمية أو مكتشفة العبث واللا معقول فى الكون، فهذا الكنز الأصيل الذى نقب عنه عبدالصبور فى الحلاج، ثم أتبعه الشرقاوى فى «الحسين ثائرا».
بينما يرى الشاعر عبدالمعطى حجازى، فى هذه المسرحية، أن صلاح عبدالصبور حاول ما أمكنه فى محاولته الأولى هذه أن يقدم تراجيديا فيها معظم عناصرها، كما أنه يمتلك ناصية الشعر من أول المسرحية إلى نهايتها، فلم يخرج من بين يديه نشيد ضعيف، أو ثرثرة بلا معنى، فقد أشار «حجازى» إلى ثلاثة أخطاء فى المسرحية الأول فى البيت الذى يقول: «فهى تحب أطباق الحديث فى موائد العشاء» فالتفعيلة الثانية من هذا البيت وهو من بحر «الرجز» قد جاءت على بحر «الهزج»، وأيضا فى البيت الذى يقول: «أما أنا فاننى فضولى بطبعى» وهكذا، فهو خطأ شائع عند كثير من الشعراء، والسبب فى ذلك أنهم يلحقون الوتد المجموع، الذى تبدأ تفعيلة «الهزج» فيما سبق، باعتباره تكملة لتفعيلة «الرجز»، فالشعر فى هذه المسرحية يغص بالأفكار، ويفصح عن نفوس الشخصيات ويتقمص دورها بسهولة ويسر، فالمتصوف يتحدث بلهجة، والقاضى بلهجة أخرى، أما رجل الشارع فيتحدث بلهجة مخالفة، فإذا كان «عبدالصبور» قد أغفل عرض العصر فى أحداث المسرحية، فقد أوحى به فى لغتها.
إن اللغة المسرحية بإيحاءاتها التاريخية، قد حملت فى العمل عبئا كبيرا وقامت به، ومن دلائل موهبة صلاح عبدالصبور المسرحية، هذان المشهدان المليئان بالحيوية، وهما، مشهد السجن، ومشهد المحاكمة، فالحياة تدب فيهما كما تدب فى أى مسرحية عصرية، بالإضافة إلى ميزة أخرى تعد من أهم مميزات أى شاعر يتصدى للمسرح، وهى روح الفكاهة التى لا تغيب عن شاعر مفعم بروح المأساة، فإن مسرحية «مأساة الحلاج» مهما يكن فيها من عيوب، فهى بداية تفصح عن شاعر مسرحى موهوب مثل صلاح عبدالصبور.

مأساة الحلاج

ليلى والمجنون.. هل ينتصر الحب؟
قدمت هذه المسرحية فى العام 1972، وتعد من أروع ما قدم فى المسرح الشعرى.
وشارك فى بطولة العمل الفنانين: محمد عبدالسلام، وعبدالعزيز حنفى، ومحمد إبراهيم سعيد، وسيد القاضى، وسمير صادق، ومحمد الليثى، وجليلة محمود، وعبدالرحيم الزرقانى، ونادية فؤاد، وشحاته محمد، وإبراهيم حزين، وجمال الشيخ، وسمير نوار، وفاروق يوسف، وسناء يونس، وعايدة الشريف، والمرسى أبو العباس، ومحمود ياسين، وسهير البابلى، وسكينة خطاب، ومن إخراج سمير العصفورى.
وتثير هذه المسرحية الكثير من النقاش والجدل، والتى تدفع إلى كثير من التأمل والانارة؛ «سعيد، وحسان، وحسام، وزياد، وسلوى، وحنان، والأستاذ»، هؤلاء الأشخاص العصريون الممتلئون حياة، ورغبة فى الفعل، فهل يوظفهم النص لخدمة حدوتة معادة، تحكى الحب والخيانة، والموت والفشل، فى اطار العلاقات الصغيرة التى تحدث بصفة يومية فى كل مكان، فالأمر مختلف وربما مقلوب، هكذا أشار الناقد فرج صادق مكسيم، موضحا أن صلاح عبدالصبور اختار لقصة الحب أن تكون مسرحا داخل المسرح، إذ ليست هى غاية النص بل وسيلته، بهدف أن لا يقوم بيننا وبين قصة الحب جدار رابع، وأن نظل أثناء السرد المسرحى للأحداث مستقلين ومتمتعين بصلاحيات الفهم والحكم متخلصين من شبكة الإيهام التى كانت تطرح فى بحر المسرح القديم لافتراس وعى المتفرجين، فإنه استقلال شبيه بالاستقلال البريختى وإن لم يكن هو.
«ليلى والمجنون» ليست حادثة تحكى فى الأتوبيس بما يليق بها من الأسى والشفقة، ولا هى قصة تختصر فى مقدمات المقالات النقدية، فإنها جزء من وجود حى وحقيقى لأشخاص أحياء وحقيقيين أنهم أشخاص مفروزون بعناية ومختارون بتمحيص.
إن «ليلى» تشترك فى مأساتها أيضا، كما يشترك «سعيد» فى مأساته، فى حين يشترك كل من: «الأستاذ، وحسان، وحسام، وسلوى»، إذن «ليلى» تعرف مرض محبوبها وتكتشف أعماقه، لكنها لا تملك إلا أن تحبه لأنه قدرها، فيقدم لنا المؤلف حلا أو أملا لإعادة الحب أو الخصب إلى أرض العقم، وهو الزعيم أو المنقذ، أو المستبد العادل، الذى يحل كل المشاكل بجرة قلم، وقد تصالح عبدالصبور فى حياته مع هذا الحاكم وأيده، لكن هل جاءت النهاية كما كان يتوقعها، التاريخ لنا: «لا»، فما الحل، هو أن نحب، ولكن هل نستطيع أن نفعل ذلك فى ظل المجتمع الاستهلاكى؟ فتلك هى المسألة.
بينما ترى الكاتبة والناقدة فدوى مالطى، أن التحليل التضمينى لمسرحية «ليلى والمجنون» يشير إلى أن نتيجة الأزمنة المختلفة التى تواجه هذا العمل لما بدأت الأدوار «الشوقية» فى مسرحية عبدالصبور، طلب «الأستاذ» من «سعيد» أن يلعب دور المجنون، لكن «سعيد» رفض فى البداية إذ قال: «لا.. لا.. أنا لا أصلح للدور»، وفى الواقع أننا فى نهاية المسرحية ترى أن دور المجنون وحقيقة الشخص «سعيد» قد تشابكا، وهذا معناه أن سعيد قد اندمج فى الشخصية، فظهور اسم «قيس» فى المنظر الثانى من الفصل الثالث يدل على خلط بين دورين لـ"سعيد" دوره من حيث هو «سعيد» الشخص، ودوره بوصفه المجنون.
وهناك جانب آخر للنظر فى فكرة الزمن يرتبط بالتضمين، فعندما تحدثنا عن أبيات شوقى فى المسرحية ذكرنا «الأستاذ» عندما قال لـ«سعيد»: إنه ينبغى من «ليلى» أن تخرج من جوفها كامرأة طفلة، لكن التحليل يكشف لنا أنا «سعيد» هو الذى يخرج فى نهاية المسرحية حاملا روح طفل، وكيف أن الطفل فيه، كان يبرز شيئا فشيئا من خلال المسرحية، ففى المنظر الأول من الفصل الثانى من المسرحية فقد يظهر «سعيد» مع أمه، وهو فى المنظر الرابع من الفصل الثالث يطلب من «الأستاذ» أن يفتش ويبحث له عن لعبة كان يراها وهو طفل، أما «حسام» فى المنظر الثانى من الفصل الثالث يشير إليه بوصفه طفلا، ولعل المثل الأهم على هذه الظاهرة هو الكلمات التى راح «سعيد» فى نهاية المنظر الأول من الفصل الثالث ينادى بها «ليلى» قائلا: «ليلى.. ليلى.. أمى»، فقد انتهى التحليل التضمينى الذى استخدمه صلاح عبدالصبور من النصوص العربية إلى العنصرين اللذين كانا موضوع النظر، لكن تبرز عبقريته فى استعمال النصوص الغربية والعربية بطريقة تنعكس على المسرحية، وقد أجاز تفسير هذا الانعكاس، أثبت أنه كان على دراية ومعرفة عميقة جدًا، لا بالأدب العربى فقط بل والغربى أيضا، لذا تعد هذه المسرحية من أهم نصوص الأدب العربى المعاصر.

ليلى والمجنون

البعد النفسى للشخصيات فى مسرحية "مسافر ليل"
ينتمى موضوع مسرحية «مسافر ليل» لمسرح العبث، حيث قدمت هذه المسرحية فى العام 1969، وشارك فى بطولتها الفنان رشوان سعيد فى دور «الراوى»، والفنان صبرى عبد المنعم فى دور «الكمسارى»، والفنان محمود مسعود فى دور «الراكب»، إخراج مسرحى فاروق زكى، وإخراج تليفزيونى منير التونى، بينما أعيد تقديمها فى 15 نوفمبر 2017 بساحة الهناجر، للمخرج محمود فؤاد صدقى، برؤية فنية مختلفة، حيث قام بتصميم عربة قطار خشبية فى ساحة الهناجر تضم مجموعة من مقاعد القطار، والتى جعلها مصرعا للأحداث، هذا بالإضافة إلى الموسيقى الحية، التى تشارك الجمهور داخل اللعبة المسرحية، وقد شارك فى بطولة العمل الفنانين: علاء قوقة فى دور «مفتش التذاكر»، وصفوت الغندور فى دور «الراوى»، ومصطفى حمزة فى دور «المسافر»، فى حين تؤكد الفنانة معتزة صلاح عبدالصبور، أن هذه المسرحية قدمت فى دولة بولندا داخل عربة قطار حقيقية تحرك خلالها القطار فى رحلته التى استغرقت ساعة وهى المدة الزمنية للعرض.

وتعد «مسافر ليل» من أهم النصوص التى تناولت موضوع معاناة الكثير من الشعوب من بداية التاريخ حتى الآن من أساليب الطغاة المختلفة لتكريس الحكم وضمان السيطرة على مقدرات الدول، حيث طرح الفكرة من خلال كوميديا سوداء تدور داخل قطار فى وقت منتصف الليل، جمعت بين شخصية الطاغية متمثلة فى عامل التذاكر، وشخصية الراكب التى ترمز إلى الشعوب المغلوبة على أمرها، وشخصية الراوى المحايد الذى يكتفى فقط بالوصف والتحليل للحدث الدرامى أمامه، هكذا أشار الناقد المسرحى أحمد الشريف فى دراسة بعنوان «سيكولوجية القهر والطغيان.. البعد النفسى للشخصيات فى مسرحية مسافر ليل».

فإذا تناولنا البعد النفسى من خلال المنهج الوصفى التحليلى فى تحليل الشخصيات الدرامية فى العرض، علينا أن نؤكد أولا أن هذا النص ينتمى إلى مسرح العبث بكل سماته، والذى ظهر كنتاج للحرب العالمية الثانية فى محاولة للبحث عن الإنسان وانعدام الشعور بالأمان فى العالم فى مواجهة الكوارث البشعة، والحروب والسياسات الاستعمارية، مما جعلت الإنسان يشعر بعبثية الوجود وانطلى هذا على الفكر، والفن، والأعمال الأدبية، وعلى المسرح بشكل خاص.

ويشير إلى الأبعاد النفسية لشخصية «عامل التذاكر» التى تنحصر فى تقييد حرية الراكب والتحكم بها، والتعامل معه على أنه أداة يحركها مثلما يشاء، وترمز شخصية «عامل التذاكر» إلى السلطة الغاشمة، وإلى الحاكم الطاغية وكيف يعمل على السيطرة على العوام وعلى من حوله بكل أشكال التسلط والقهر سواء بالضغط النفسى والمعنوى، او بالقهر الجسدى والتعذب أو السخرية والاستهزاء، او بالتقليل من شأنه او بالتهديد والترهيب دائما، استغلالا لضعف الشخصية المقابلة وعجزه عن المقاومة أو الدفاع عن نفسه.

فنجد أن «عامل التذاكر» يشعر بالسعادة عند التعدى على حرية الآخرين، فلا يشعر بمعاناة "الراكب"، حتى يصل العامل لاستخدام العنف الجسدى فى النهاية بقتل «الراكب»، ولكنه يتلذذ باستخدام العنف النفسى، حيث يخيره أسلوب قتله بين أربع آلات، فالعامل هنا استخدم العنف المشروع حسب رأيه ضد «الراكب» من أجل سطوته عليه، مستخدما كل أنواع الخداع والتدليس للوصوله إلى هدفه، بينما يخضع «الراكب» ويخنع لـ«عامل التذاكر» منذ البداية ولم يصدر أى مقاومة أو اعتراض، كما يؤكد «الراكب» على استسلامه لفكرة العبودية وأن شخصيته هى شخصية ضعيفة مذعنة دايما بكل الطرق والوسائل هو وأسرته، بينما تتسم شخصية الطاغية بسمات نفسية شديدة التعقيد او بمعنى آخر يتصف بشخصية نفسية مركبة بها سمات النرجسية وحب الذات.

وفى النهاية يمكن القول: إن صلاح عبد الصبور قد استطاع الغور فى أعماق شخصية كل من العامل والراكب بشكب عبثى موضحا الأبعاد الفكرية والنفسية لكل منهما بأسلوب المحاكاة العبثية بين الديكتاتور أو الحاكم الطاغية الغاشم، الذى يعمد من خلال اضطرابه النفسى إلى التنكيل بالراكب المقهور وإذلاله، وهو ما يرمز إلى التوحش السلطوى فى مقابل تدمير الإنسانية أمام حركة المجتمع والتاريخ.

مسافر ليل

الأميرة تنتظر.. والبحث عن الخلاص
صدرت هذه المسرحية عام 1970، وهى مسرحية ذات الفصل الواحد، والتى بدورها ما زالت تقدم على خشبة المسرح حتى وقتنا هذا، فقد أخرجها أبو بكر خالد، عام 1971 على خشبة مسرح الطليعة لأول مرة، وشارك فى بطولة العمل الفنانين: سميرة عبدالعزيز، ونادية السبع، وعبدالغفار عودة، وحمزة الشيمى، ومهجة البطوطى، وإيمان مصطفى، وتيسير فهمى، ومنصور مهدى، وطارق الدسوقى، فهى عبارة عن إعادة وتكرار الليلة الأخيرة للأميرة فى قصرها، الليلة التى قتل فيها والدها من عشيقها الذى استولى على العرش، لتغادر الأميرة القصر مع وصيفتها وتذهب لتعيش فى كوخ نائى، فهى مسرحية لا تخلو من الرمزية. 
تشير المسرحية إلى الرمز والدلالة دخل العمل، فالمعنى، والمغزى، والدلالة فى النص تشكل الأعمدة الرئيسية التى يقوم عليها بناء المستوى الرمزى فى النص، الذى يمر بثلاثة مستويات، الأول: مستوى الرمز «المعنى الإبداعى» نجد التجريد فى المسرحية ليس تجريدا للواقع من النفس اليومية هذه إلا للبكاء، ولا تفضى المحاولات اللامجدية لاعتساف الضحك إلا الدموع، والثانى: مستوى الرمز «المغزى الأخلاقى» ومن هذا المنظور نرصد الصراع بين الخير والشر، والصدق والكذب، والحب والخداع، والشرعية والاغتصاب، والعدالة والظلم، والحق والباطل، والتضحية والانتهازية، والنور والظلام، والجريمة والعقاب، لكن هذا الصراع المتراكب يتألق من خلال أداء فنى راق عو ما أسبغ على هذه المعانى شرعية وجودها فى النص؛ والثالث: مستوى الرمز «الدلالة الرمزية»، وتكشف المسرحية عن شبه اتفاق أو اجماع بين الدارسين والنقاد برغم تعدد مدارسهم النقدية وتباين رؤاهم الجمالية، حول الدلالة السياسية للنص، هكذا أوضح الناقد ماجد يوسف فى دراسته «مستويات الرمز فى مسرحية الأميرة تنتظر».
فى حين ينمو الرمز فى المسرحية بمستوياته المتعددة والمواكبة مع نمو الحدث المسرحى نفسه، فى شاعرية شفيفة لا تعتسف أحدهما على حساب الآخر، ويستخدم «عبدالصبور» رموزا كالأميرة، والقرندل، والسمندل، والطفل، ولا يتركها لمستواها الظاهر بل يعطيها طبيعة الرموز من حيث أن الرموز ينبغى أن تظهر وتختفى على أن يظل لها عنصرها الإشارى، فمن المهم التعامل بمنتهى الحرص مع الرمز بمستوياته المختلفة حتى لا نقع فى الإحالات الميكانيكية والتقابلات الساذجة لأحداث وشخصيات المسرحية.
لذلك تعد مسرحية «الأميرة تنتظر» أول أعمال عبدالصبور الرمزية المبتكرة التى تعتمد على الأسطورة العصرية المستحدثة وتنحو إلى طابع رشيق أوبرالى، وفى هذا يتحدد معناها الإبداعى، كبعد أول من أبعاد مستواها الرمزى، فإنها تشتمل كذلك على المغزى الأخلاقى الذى عرضنا له بوصفه بعدا ثانيا من أبعاد مستواها الرمزى وفى إطار مضمون مؤثر يقترب بنا بدلالة سياسية واجتماعية مباشرة، ويرتفع بنا آخر إلى دلالة إنسانية عامة، مشكلا بذلك للبعد الثالث والأخير من أبعاد مستواها الرمزى العام فى المسرحية.