السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

عبد المنعم سعيد يكتب: الإصلاح ومواجهة الإخوان.. الجماعة الإرهابية خلقت شبكة عنكبوتية بالغة التعقيد

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تشكل جماعة الإخوان المسلمين شبكة عنكبوتية بالغة التعقيد بين التنظيم والسياسة والاقتصاد والمجتمع، واستغلال الظروف والمنافسات الدولية. ولكن ربما كان أمضى ما تمتلكه من أسلحة هو الفكر الذى يستغل الضعف الإنسانى إزاء الحياة الآخرة لكى تسيطر على عقل الإنسان بحيث تجعل مساره فى الحياة الدنيا والآخرة خاضعا لما يقدمه من استسلام دينى لما تقدمه الجماعة من نصح وإرشاد.
طرح «الجهاد» باعتباره الصورة الأسمى للتضحية، والطريق المختصر لتجاوز حياة آثمة، والوصول السريع إلى ينبوع السعادة والراحة الأبدية، كان دوما مؤثرا فى عمليات التجنيد للعناصر الإرهابية وما تقوم به من أعمال عنف وتدمير.
وإذا كان القول الشائع فى «اليونسكو» أن الحرب تنبت دائما فى عقل الإنسان، فإن الأمر كذلك يكون أكثر أهمية عند المواجهة مع حركة الإخوان عندما تكون تنظيما، وعندما تصير جماعة إرهابية سواء عندما تكون تقوم بالإرهاب بنفسها أو من فروع تقوم بذات الغرض، أو عندما تكون الحاضنة لجماعات إرهابية أخرى، أو عندما تشكل البيئة الفكرية التى تنتج مجموعات إرهاب، أو حتى تخلق الظروف التى تنتج ذئابا منفردة.
وتاريخيا فإن الجماعة تزدهر أنشطتها عندما يسود المجتمع القلق على مستقبله، ويغيب عنه الإصلاح الاقتصادى والاجتماعى والسياسى والثقافى الذى يقدم البديل الموضوعى والفكرى للمواجهة مع النموذج الإخوانى. 
الفكرة الإصلاحية
قد تبدو كلمتى «الثورة» و«الإصلاح» متناقضتين بحكم ما هو معروف عن الأولى من مترادفات «شعبية» و«راديكالية» و«جذرية» وأحيانا «عنيفة» تسيل فيها الدماء وأحيانا بغزارة؛ والثانية «نخبوية» و«تدريجية» لا تعترف لا بحرق المراحل، ولا بالسير فى قفزات كبيرة. ولكن التجربة التاريخية كثيرا ما ترشد إلى أن العلاقة بين المفهومين قائمة فى أن كلاهما معنى بالتغيير، ورفض الأمر الواقع القائم على الجمود أو الذى تعدته حكمة الزمن.
التجربة الغربية فى نهاية القرن الثامن عشر تلقى لنا بكثير من الدروس التى تفيد فى القرن الواحد والعشرين. فى نهاية القرن الأول كانت الثورة الأمريكية قد نشبت وانتهت إلى الإطاحة بالمستعمر البريطانى بعد حرب دامية وقيام الولايات المتحدة الأمريكية؛ وكذلك نشبت الثورة الفرنسية التى كانت أكثر راديكالية أطاحت بالملكية وتلتها الحروب النابليونية التى نشرت الثورة والحرب والعنف فى القارة الأوروبية.
وسواء كان الأمر واقعا فى شمال أمريكا أم أوروبا فإنه رغم الرغبة العارمة فى التغيير الكبير، فقد كان هناك قلقا عميقا من النتائج التى أدى إليها، وما تركه من ارتجاج فى المجتمعات، وضغوط على العلاقات السياسية بين الدول.
فى الولايات المتحدة ورغم المكانة التى شغلها «جون آدامز» – الرئيس الثانى للولايات المتحدة – وبعد أن فشل فى رفع «العبودية» من الدستور الأمريكى، فإنه لم يجد غضاضة فى إصدار قانون «الغربة والفتنة» الذى يمنع الثوار الفرنسيين من دخول أمريكا، ويعتقل من والاهم بالفكر أو بالفعل.
وفى أوروبا وبعد هزيمة «نابليون» فى ١٨١٥، اجتمعت أربعة من القوى المحافظة فى أوروبا – بريطانيا والنمسا وبروسيا وروسيا – وانضمت لهم فرنسا فيما بعد لكى يضعوا نظاما أوروبيا – وعالميا فى الواقع – استمر حتى نشوب الحرب العالمية الأولى (هنرى كيسنجر خلد هذا التجمع فى كتاب شهير تحت عنوان «استرداد العالم أو A World Restored"). الفكرة الأساسية التى اتفقت عليها الأطراف الخمسة لم تكن فقط معادية ومعارضة للثورة، وإنما كانت فى جوهرها تقوم على حتمية الإصلاح.
الإصلاح العربى
لا يمكن أن تحدث فى المجتمعات تغييرات جوهرية ما لم تحدث تغييرا جوهريا فى الفكر. لحظة تغيير الفكر هذه مر بها العالم العربى كله خلال العقد الماضى فى أعقاب ما سمى «الربيع العربي» وانتشار الحركات الإرهابية داخل أكثر من بلد عربى، وامتدادها إلى عواصم عالمية كثيرة فى الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، وهذه ما لبثت أن ربطت الإرهاب بالعرب والمسلمين خاصة بعد أن اندفعت قوافل المهاجرين فى البر والبحر الهاربين من جحيم سوريا والعراق وليبيا واليمن.
كان العالم كله يتحدث عن «الاستثناء العربي» على سبيل الأدب؛ وفى داخل المنطقة العربية فإن الدول العربية التى شرعت فى إجراء إصلاحات عميقة وجدت أنه لن يمكن مقاومة الإرهاب والحركات الأصولية بأشكالها وأسمائها المتعددة ما لم يتم «تجديد الفكر الديني».
تحقيق ذلك دفع بالدول العربية التى نجت من الإعصار إلى المضى فى طرق إصلاحية بدأت أولا بدفع المؤسسات الدينية إلى الدخول فى رحلة من «الإصلاح الديني» الذى يعيد النظر فى التفسيرات الرجعية للنصوص الدينية والقائمة على التشدد تجاه المرأة والأقليات. ورغم أن ذلك لم يكن سهلا فإنه بعد سنوات من المحاولة فإن هناك العديد من البشائر فى هذا الصدد ظهرت فى مصر والسعودية والإمارات ودخلت فيها وزارات ومؤسسات دينية مثل الأزهر.


وثانيا إصلاح البيئة الاقتصادية والاجتماعية بحيث ينتج عنها عالما مختلفا عما كان؛ واستفادت هذه الحركات الإصلاحية من التقدم التكنولوجى فى سرعة الإنجاز فى مشروعات عملاقة وجبارة قدمت مدنا جديدة حضارية وأكثر استعدادا لتلقى الجديد من الأفكار.
يبدو ذلك واضحا بقوة فى مصر والسعودية خلال السنوات القليلة الماضية حيث جرت تغيرات كبيرة سواء فى البيئة الاقتصادية أو مساهمة المرأة أو الأقليات فى الحياة العامة. وثالثا كان إعادة اكتشاف الذات الوطنية من خلال البحث فى التاريخ والاكتشافات التاريخية، وباختصار إحياء العمق الزمنى للدولة فى العصور القديمة.
تجديد الفكر الديني
الشائع بيننا هو البحث فى الكيفية التى يتم بها تجديد الفكر الدينى خاصة بعد التطورات التى جرت خلال العقود الأخيرة، وفيها جرى الانتقال من «الأصولية الدينية» المتطرفة إلى درجات مختلفة من العنف أصابت ما سمى «العدو القريب» فى بلاد العالم الإسلامى، وما سمى «العدو البعيد» فى بقية بلاد الدنيا.
لم يعد فى الحقيقة هناك ما كان يسمى دار الإسلام ودار الحرب، وأصبح كل العالم ساحة معركة دامية. الموضوع ولا شك شائك ومتشعب، ولكن جانبا هاما منه ارتبط بنوعية الفكر الدينى الذى يدفع إنسانا لقتل أخيه الإنسان وحرقه والتمثيل بجسده، أو حتى يقوم بالعمليات الانتحارية التى يضيع فيها المنتحر مع ضحاياه. الجانب الأمنى هنا ليس موضوعنا، ولكن الجانب الفكرى ذهب بتركيز كبير على المؤسسات الدينية وعما إذا كانت قد قامت بواجبها أم لا فى شرح صحيح الدين المعتدل والوسطى.
ومن ناحيتي؛ فأنا من المقدرين للجهد الذى قامت به مؤسسات الأزهر والأوقاف وما زالت تقوم به فى هذا الاتجاه فى حدود ما هو معلوم من حدود وقدرات وإمكانيات بنية مؤسسية قامت واستقرت لأكثر من ألف عام. ولكن ما يهم فى الموضوع هو أن التجديد لابد وأن يكون فى الفكر مدنيا كان أو دينيا، ليس فقط لمقاومة الإرهاب، أو مواجهة ما هو متطرف وعنصرى ولا أخلاقى، وإنما لإعلاء قدرة الإنسان المصرى على التفكير فى أمور الحياة المتغيرة، والتعامل معه لتحقيق «التقدم» الذى هو بدوره قيمة كبيرة وتستحق التفكير والعمل من أجلها.
«تجديد الفكر الديني» لا يكون فقط من خلال التعامل مع الأصول الدينية، وإنما أيضا بتقديم فكر مدنى لا يكتفى فقط بنقد الفكر الدينى، أو هجاء الشعوذة الشعبية أو السلفية، أو النظر من عل لعادات أهلية متخلفة، وعندما تجرى فى إطارات مقارنة مع عالم متقدم فإنها تضعنا فى أسفل السافلين فى المقام والأخلاق العامة. مثل ذلك يمكن تقدير الشجاعة فيه، ولكنها من ناحية أخرى لا تؤدى إلى تغيير المجتمع مكتفية بتصنيفه إلى شرائح وطبقات راقية ووضيعة، متقدمة ومتخلفة، وهكذا تقسيمات.