الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سوريا بعيون مصرية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بعد ١٢ عامًا من الغياب عن جامعة الدول العربية، تنتصر الرؤية المصرية للجمهورية العربية السورية على حساب الفوضي الخلاقة ومشروع الشرق الأوسط الكبير والقرن الأمريكي.. وبحضور الرئيس السوري بشار الأسد قمة اليوم الواحد بجدة بالمملكة العربية السعودية، عادت دمشق إلى جامعة الدول العربية لتباشر عضويتها في القمة الـ٣٢.

لماذا نرى عودة سوريا إلى الجامعة العربية انتصارا للرؤية المصرية؟، وما هي ردة فعل الإدارة الأمريكية؟، علينا أن نعرف أنه يوم انشغلت مصر في أمرها خلال يناير ٢٠١١ سنحت  الفرصة للضباع  المفترسة لمحاولة  النيل من الشام واليمن وليبيا، استكمالًا لما فعلوه بالعراق ولبنان، وتمويل انشقاقات الجيش العربي السوري وصناعة وفبركة فيديوهات الانشقاقات من أجل  قلقلة سوريا وتحويلها إلى عدد من الولايات العرقية حتي لا تصبح إسرائيل هي الاستثناء الديني وسط محيط من الدول الوطنية، ولكن المفارقة أن مصر استفاقت لما يحدث في سوريا عام ٢٠١٢ ووقتها نشرت رويترز تقريرا أن مصر تمد سوريا بالنفط اللازم سرا عبر البحر المتوسط لأن خط الإمداد بين العراق وسوريا تم قطعة بسبب الإرهاب الذى زج به الغرب في شرق سوريا، وقال التقرير: إن حكومة الإخوان لاتعرف شيئا عن هذا الموضوع، وهو مايعني أن هناك مؤسسات في الدولة الوطنية كانت تقوم بدورها الصحيح.

مصر رؤيتها واضحة فهي ترفض تقسيم أي دولة عربية بالسلاح، كما ترفض التدخل في الشأن الداخلي، وترفض قيام دولة طائفية في الشرق الأوسط لأن ذلك يعني نهاية المنطقة، ولاخوف علي مصر لأنها عصية علي التقسيم، ولكن الخوف علي المشرق، لأنه الأمانة التي تحملها مصر دائما، فهي "أم الشرق" وصانعة مجده وهي درعه الأبدي أمام مؤامرات الغرب، وهذا لا يعني التغافل عن المشاكل الداخلية في سوريا أو ليبيا أو اليمن أو خلافه، والدليل ما فعلته مع المعارضة السورية واستضافتهم  للجلوس علي مائدة المفاوضات وتم بحث أفكارهم وتصوراتهم لحل المشاكل السياسية بما يتوافق مع الدولة والجيش السوري الوطني.

نرى أن الوقت قد حان لتوحيد سوريا مرة أخرى، لأن حكومة الأسد حاليا لا تسيطر إلا علي سوريا الغربية، أما سوريا الشمالية تقع تحت إدارة قوات سوريا الديمقراطية، وهم إئتلاف من الكرد والسريان وقبائل العرب في الجزيرة السورية والجيش السوري الحر، ومناطق  سوريا الشرقية تقع تحت الحماية الدولية وهو الاسم "الشيك"للاحتلال الأجنبي، قوات أمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وبقايا تحالف دولي ضخم داخل الأراضي السورية، التي تتواجد بدعوى محاربة داعش رغم أنه من صناعتهم، لدخول سوريا بعدما فشلت ما سمي بفصائل الثورة عام ٢٠١١ في تقديم هذه الفرصة للغرب.

وفي سوريا الشمالية هناك مناطق تحت السيطرة التركية، أجزاء من حلب وسوريا ومحافظة أدلب بالكامل، وتلك المنطقة هرب إليها فلول كافة جماعات الثورة معهم من يسمون أنفسهم بالإسلاميين، وهم جميعا من حاربوا الدولة السورية بأكذوبة الثورة رغم أن أغلبهم غير سوري أصلا.

ويناقش ممثلو تيارات  المعارضه السياسية مع حكومة بشار من عام ٢٠٢٠ موضوع مهم، لتوحيد الصف من البداية وهو انسحاب جميع المليشيات الإرهابية والقوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي السورية، وتجميع نقاط الاتفاق وزيادة الالتقاء حول مجمل الأفكار ليتم استفتاء الشعب عليها ليخرج بها  دستور جديد للدولة.

وأعتقد أن عودة سوريا للجامعة العربية لن يكون له فائدة أو معنى إلا إذا دعموا هذا التوجه، توجه انسحاب القوات الأجنبية من سوريا وإعادة توحيد سوريا المقسمة.

أما عن ردة فعل أمريكا حول حضور الرئيس بشار الأسد للقمة العربية، رغم أن أمريكا تطلق بين الحين والآخر تصريحات سلبية عن المصالحة العربية السورية،  ولكن في واقع الأمر أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تعرض على هذا المسعي، فما يهم أمريكا هي ألا تكون سوريا "كارت" في أيدي روسيا أو حتى إيران.

وأصبح من الضروري، الآن عودة الدور العربي مرة أخرى في الملف السوري لإحداث التوازن مع الدور الروسي أو حتي الإيراني  في سوريا ولابد من دمج الدور السوري في العالم العربي، وتسعي أمريكا إلي تقديم حوافز إلى النظام السوري للابتعاد عن روسيا مقابل التقارب مع العالم الغربي، لذلك ففكرة  تزايد غضب أمريكا من المصالحة العربية مع سوريا ورفضها  تواجد بشار الأسد في السعودية هو كلام  استهلاكي للتمويه، كما أن القمة العربية استضافت الرئيس الأوكراني في زيارة الشرق الأوسط للمرة الأولى، وهي تمارس حقها  في توجية الدعوة لمن تشاء من الدول أو الشخصيات الدولية لحضور القمة العربية من خارج الدول الأعضاء.

الزيارة أمريكية خالصة، لكن في هذا التوقيت بالذات لفت النظر أن القادة العرب يبدو أن لديهم قناعة أن روسيا لا تسير في الطريق الصحيح في مسارات الحرب الأوكرانية فهم لن يستضيفوا رئيس دولة خاسرة للحرب.

وأعتقد أنه حان الوقت أن يكون لنا تصور أن الانتصار الروسي كما تمناه كل رافضي الهيمنة الغربية والأمريكية لن يأتي بالشكل المطلوب المبهر الأنيق.

إذاعودة سوريا للجامعة العربية هي مجرد بداية في رحلة طويلة، رحلة إعادة توحيد سوريا، رحلة طرد القوات الأجنبية والمرتزقة من سوريا، رحلة الذهاب إلى عقد اجتماعي جديد بين شعوب الطوائف السورية، وسن دستور جديد من أجل دولة عصرية لسوريا.

كل ذلك يتم تحت راية مدون عليها  انتصار الرؤية المصرية والقراءة المصرية لقيام الدولة الوطنية، وانتهاء نموذج اللادولة، ودويلات الميليشيات والدولة الدينية التي يحاول الغرب تعميمها في الشرق الأوسط، من أجل أن تصبح إسرائيل نمطا عاديا وسط دول سنية وشيعية، ولا يتبقى إلا دولة يهودية وهي إسرائيل.

حفظ الله مصر في مهمتها الأبدية للدفاع عن أرض  الخير في المشرق ضد أهل الشر من الغرب، وجعلها في رخاء دولة آمنة مستقرة عظمي بين الأمم.