السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القديس توريبيوس أسقف ليما ومُبشِّرها

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 وُلِدَ "تريبيو ألفونسو دي مجرفيخو" في 16 نوفمبر 1538م بمدينة مايوركا بإسبانيا، لعائلة نبيلة، وتلقّى تعليمًا راقيًا. أصبح أستاذًا للقانون بجامعة سالامانكا، إمتاز بحُسن السُمعة، فتم اختياره ككبير مُحقِّقي محكمة جرنادا على عهد الملك "فيليپ الثاني". لم يقضي وقتًا طويلًا في القضاء، حيث تمت سيامته الكهنوتية أيضًا عام 1578م، وأُختيرَ كمُرسَل لدولة پيرو.

 وفي العام التالي أي 1579م دُعِىَ أسقف لمدينة ليما عاصمة دولة پيرو على عهد البابا "جريجوري الثالث عشر". وفي عام 1581م إستقَرَّ الأسقف تريبيوس في مدينة پايتا شمال غرب دولة پيرو، والتي تبعد عن العاصمة ليما حوالي 970 كم، وبدأ رسالته بالسفر من پايتا إلى ليما سيرًا على الأقدام، لتكون لديه الفرصة في مقابلة أكبر عدد من مواطني البلاد وتبشيرهم بالإيمان المسيحي، وتعميد من يقبل الإيمان. كان إحساس الأب الأسقف تريبيوس بالزمن عالي، لذلك كان يُقَدِّر كل يوم بل كل لحظة من حياته، بحيث لا تضيع بدون كِرازة.

 لذلك كانت مقولته الأشهر هي: "الوقت ليس ملكنا، وسنُعطي حسابًا دقيقًا عنه أمام الله". يقول معاصريه أنه إجتاز مساحة إيبارشيته البالغة 450.000 كم مربع ثلاث مرات (وكانت غالبية المسافات التي يقطعها سيرًا على الأقدام) مُتفَقِّدًا الجميع بكِرازته، وغالبًا ما كان يسير أعزل حتى من مرافقين، مُعرضًا لوحوش المناطق النائية، وموجات الطقس السئ من أعاصير وسيول في الشتاء أو حرارة شديدة في الصيف لكونها منطقة استوائية. 

كما كان مُعرضًا لإعتداءات القبائل الرافضة لوجود تبشير على أراضي پيرو. يُقدَّر عدد من بشّرهم وعمّدهم الأب الأسقف تريبيوس في پيرو بحوالي مليون ونصف المليون نفس. من بينهم القديس "مارتن دي بورّس" والقديسة "روز من ليما". كما أنشأ العديد من المدارس الداخلية لتربية وتعليم الأطفال الفقراء، كذلك أنشأ طُرُق مُمَهّدة بالتعاون مع الحكومة، وعدد من المستشفيات والأديرة ليعيش بها المكرسين المدعوين لمساعدته في رسالته. وتوَّج إنشاءاته عام 1591م بأول إكليريكية في پيرو بل في النصف الغربي من الكرة الأرضية عامةً. كما إفتتح الجزء الأول من كاتدرائية ليما الثالثة عام 1604م. 

اهتمّ الأب الأسقف تريبيوس بربط رعايا إيبارشيته بعضها ببعض، بحيث لا تعيش كل رعيّة كجزيرة منفصلة، فعقد لهذا الهدف ثلاثة عشر مجمع إيبارشي لرعاة الكنائس، وثلاث مؤتمرات إقليمية. تقول الكاتبة "إليزابث هالام" أن مواطني پيرو كانوا يرون في الأب الأسقف تريبيوس بطلًا في المطالبة بحقوقهم بصرف النظر عن دياناتهم وجنسهم، ومساواتهم بالمواطنين ذوي الأصل الإسباني – برغم كونه إسباني ويمكنه الإستفادة من التمييز العنصري – مما جعله شهادة حياة روحية تستطيع اتخاذ أدوار مجتمعية بناءة، ولا تنغلق على هموم نوع أو ديانة. كما أن موقفه الحاسم من آفة التمييز العنصري، كلفته كثيرًا من المتاعب مع الحُكّام، لأنه استطاع تغيير مفاهيم كثيرة وإحراز مكاسب مؤثرة في صالح من يعانون التمييز والتهميش بحكم جنسهم الملون. كما ناضل كثيرًا حتى لا تتسرب العنصرية إلى أفكار وقرارات الكنيسة تحت ضغط السُلطة الحاكمة، فحاول جاهدًا تشريع قبول طلبة الرهبنة والكهنوت دون النظر لألوانهم. كانت شهادة حياته سببًا في تكريس العشرات من الكهنة والرهبان والراهبات الذين حملوا أمانة الكنيسة في ليما من بعده. 

كان الأسقف تريبيوس قد تعلَّمَ اللهجات المحلية لمواطني پيرو الأصليين في البداية بهدف القدرة على تبشيرهم باللغة التي يفهمونها، لكنه بدأ يتحدث بها أغلب الوقت حتى مع من يجيدون الإسبانية كنوع من التضامن مع مواطني البلاد المسحوقين تحت وطئة عنصرية السياسيين الإسبان. يقال أن الأسقف تريبيوس قد علِم بالروح موعد إنتقاله من العالم، باليوم والساعة، وفي مدينة بكسمايو شمال غرب پيرو، أصيب بالحُمّى، لكنه جاهد نفسه للعمل في حقل البشارة حتى النهاية، لتتدهور صحّته خلال الإنتقال لمدينة سانا، ويتحامل على نفسه حتى كنيستها ليتناول القربان الأقدس وتنتهي حياته بعد لحظات من التناول في 23 مارس 1606م عن 68 عامًاز تم تطويبه عن يد البابا "إنوسنت الحادي عشر" عام 1679م، ثم أُعلِنَ قديسًا عن يد البابا "بندكتس الثالث عشر" عام 1726م. يتم إكرامه مع قديسي ليما "مارتن دي بورِّس" و"روز" في عيد قومي بـپيرو يوم 23 أغسطس.