السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

انتخابات الصحفيين.. ساخنة نقابيًا باردة سياسيًا!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بدا ماراثون انتخابات نقابة الصحفيين لعام 2023 منذ انطلاقه خاليًا من دسم المشاحنات السياسية؛ بينما ترتفع درجة حرارته نقابيًا إلى معدلات غير مسبوقة بسبب تنافس المرشحين لإقناع الناخبين بما لديهم من برامج وخطط عمل تدور أغلبها حول تحسين مستوى الخدمات التى تقدمها النقابة لأعضائها.

صحيح أن الجانب الخدمى طالما مَثّل عاملًا حاسمًا فى انتخابات الصحفيين على مدار السنوات والعقود الماضية؛ إلا أن التشاحن السياسى بين المرشحين سواء على عضوية المجلس أو مقعد النقيب كان يعد دائمًا بمثابة البهارات التى تشعل نار المنافسة.

وتكاد لم تخل معظم الانتخابات السابقة من شعارات وشارات سياسية بل وحتى التحالفات تعبر بوضوح عن الانتماءات الايدلوجية للمشاركين فى هذا الماراثون؛ وأحيانًا كثيرة هيمنت قضايا سياسية محلية وإقليمية على عرس الصحفيين الانتخابى.

أذكر جيدًا كيف كان ذلك غير مريح للكثيرين لأن الأمر بدا فى مرات عدة تطاحنًا لا تنافسًا بين أحزاب وتيارات سياسية استغلت انتخابات الصحفيين لتكون ساحة للنزال فيما بينها عبر المرشحين على مقاعد نقابة مهنية.

هذه المرة يستطيع المراقب للحملات والدعاية الانتخابية ملاحظة غياب الملمح السياسى بمعنى أن أغلب المرشحين قد خلعوا رداءهم السياسى والأيدولوجى مفضلين الاتشاح بالبرامج الخدمية والنقابية بالدرجة الأولى وهو أمر يحمد للمرشحين سواء على عضوية المجلس أو مقعد نقيب الصحفيين.

الغالبية تسعى لتحسين مستوى الخدمات النقابية والمهنية فى مختلف المجالات والمستويات من التدريب والتأهيل المهنى والتكنولوجى لمواكبة أشكال وأدوات الصحافة الحديثة إلى مشروع العلاج، وتحسين أجور الصحفيين وأوضاعهم المهنية والوظيفية إلى تحسين أوضاع جيل الرواد وحل مشكلاتهم، وحاولت بعض البرامج تقديم خطط عمل تستهدف توفير خدمات جديدة لأبناء المهنة من الزميلات الصحفيات.

طبعًا هناك بعض المزايدات السياسية التى تتم أثناء عمليات الدعاية والترويج لذلك المرشح أو ضد ذاك لكنها تبقى محدودة، ذلك أن اهتمام أغلب البرامج الجادة للمرشحين البارزين أصحاب الفرص الحقيقية بقضايا تحسين ورفع مستوى الخدمات وتسهيل حياة الصحفيين قد ساهم بشكل كبير فى أن تدور النقاشات بين أعضاء الجمعية العمومية حول تلك البرامج وقدرة المرشحين المنافسين على تحقيقها؛ وتركز على استعراض السيرة الذاتية للمرشحين وتجاربهم فى العمل النقابى إذا كانوا من أعضاء المجالس السابقة، أو حتى على مستوى أدائهم المهنى والصحفى وما قدموه من إنجاز أو تميز فى عملهم المهنى ارتكازًا على قاعدة أن الصحفى الذى مارس المهنة بكل تفاصيلها ومر بتجارب مهنية ثرية سيكون الأكثر قدرة على الإلمام بالمشاكل والتحديات اليومية التى يواجهها الصحفى أثناء ممارسة مهنته.

ما ينبغى الاحتفاء به حقًا أن المعركة هذه المرة نقابية بامتياز وأن التنافس بين برامج وخطط عمل وتاريخ وأداء مهنى ونقابى، وأن دعم أى مرشح لن يكون فى أغلب الأحيان على أساس الانتماء السياسى أو الأيدولوجى وإن كان هناك من الناحية الموضوعية بقايا للتطاحن السياسى الذى شهدناه فى انتخابات سابقة تحاول التمييز بين المرشحين على أساس ولاءاتهم ومواقفهم السياسية إلا أنها تبدو محدودة التأثير لاسيما بين الأجيال الجديدة بسبب عملها تحت وطأة ظروف وأوضاع أكثر قسوة رغم استفادتها من التطور التكنولوجى إلا أن ما يواجهونه من تحديات مهنية ومعيشية تبدو أكثر تعقيدًا من تلك التى واجهها ما يمكن تسميته بجيل الورق الدشت.

لا يمكن القول أن السياسة قد توارت تمامًا عن مشهد انتخابات الصحفيين ولا يمكن بأى حال توقع غيابها بشكل كامل لعدة اعتبارات أولها طبيعة المهنة وطبيعة السياق العام الذى يمارس الصحفيون عملهم فى إطاره ومع ذلك فإن الملمح الرئيس لهذه الانتخابات أن هناك وعيًا جديدًا قد تشكل داخل الجماعة الصحفية إنعكس فى دعاية وأداء أغلب المرشحين وهو أن العمل النقابى الجاد هو السبيل الصحيح للدفاع عن قيم مهنتنا الجليلة وتعزيز قدرات أبنائها للحفاظ على هذه القيم ومن ثم تعزيز دور الصحافة الحيوى فى عملية بناء المجتمع وتصحيح مساراته والمساهمة فى تشكيل الوعى لدى الرأى العام ليس بفرض اتجاه معين وإنما بعرض أمين لحقائق الواقع ومساعدة الجمهور على طرح المزيد من التساؤلات من خلال ما يقدم له من تحليل من زوايا ووجهات نظر مختلفة أو مواقف سياسية واقتصادية واجتماعية متباينة.

ظنى أن السنوات العشر الماضية ومنذ أحداث يناير 2011 كانت درسًا وافيًا للجميع ساعد فى بناء تصورات جديدة ووعى مختلف نرى أول ثماره فى هذه الانتخابات التى يبدو شعارها الأبرز لدى جميع المتنافسين "النقابة أولًا وأخيرًا".