الأربعاء 01 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

الأخبار

بعد شهرين بمركز استضافة.. |"ليان": "نفسي أبدأ من جديد"

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تحت شعار امسكوا طرف الخيط وشاركوا في القرار أطلقت وزارة التضامن الأجتماعي حملة الـ 16 يوم لمناهضة العنف ضد المرأة، حيث أقامت الوزارة العديد من الندوات التوعوية للمواطنين.

التقت البوابة نيوز بأحدي ضحايا العنف لتحكي عن أزمتها مع العنف وكيف نجت منه.
عيناها الواسعتان وبشرتها البيضاء وجبهتها العريضة، تضفي عليها لمسة شامية مميزة، لكن ابتسامتها غير المكتملة، تقول الكثير والكثير عما عاشته ذات ال26 عاما، وترسم على ملامحها هموما تحاول أن تخفيها.
في غرفتها الهادئة بدار استضافة وتوجيه المرأة، تأخذ نفسا عميقا لتبدأ الكلام، وكأنها تستجمع قواها وتستنهض همتها لتواجه أبطال القصة، التى بدأت أحداثها قبل 9 سنوات في السعودية، وهي عند أختها التى تعيش مع زوجها هناك، حيث جاءت "ليان"-اسم مستعار- من سوريا وقت الحرب، تاركة امتحانات الثانوية العامة، لتنجو بنفسها.


كانت قد أتمت السابعة عشر من عمرها، حين تعرفت على شاب مصري مهندس يكبرها بست سنوات، وظلت تحاول أن تقنع أهلها في سوريا لكي تتزوجه، حتى تم الزواج بعد أكثر من عام، لكن بعد 10 أيام فقط من الزواج، فوجئت بزيارة من والدته إليهم في السعودية، لتبقى معهم شهرين، عرفت ليان خلالهما أن الزيجة لن تكون سهلة.
"كانت ترفض أن نغلق باب غرفتنا ليلا، وتصر على أن يظل الباب مفتوحا، ثم صممت أن يبيت زوجي معها في غرفتها ويتركنى وحدي في غرفتي، واكتشفت غيرتها الكبيرة عليه، وهي دائما ما تردد أنه ابنها الوحيد على بناتها الأربعة.
"وقفت مع زوجي بعد ما اتنصب عليه لأنه واجبي وكمان باحبه"
عادت الأم إلى القاهرة، وعاشت ليان مع زوجها عامين في هدوء واستقرار وحب، لكنها أرادت أن تذهب لتزور أهلها في سوريا، وبقيت هناك شهرين، وهنا أراد زوجها أن يزور أهله في مصر، لكن الكفيل رفض أن تكون أجازة، فترك العمل وعاد إلى مصر.
"لما عرفت إن زوجي رجع مصر، رجعت على مصر طبعا، رغم إني كنت باشتغل في السعودية بمهنتي كميكب أرتيست، اللي أخدت فيها كورسات من صغرى وأمي عندها كوافير في سوريا، لكن لقيت جوزى قاعد على سلم بيتهم حزين"
عرفت ليان من زوجها أنه كان خلال الفترة التى غابتها قد وقع ضحية عملية نصب من أصحابه، الذين تلقفوه بعد عودته من السعودية، وعرفت أسرته بضياع فلوسه، فتغيرت معاملتهم له، وأن ترحابهم به وبعودته انقلب إلى العكس، ووجدت شقتهما التى قال لها أنها جاهزة لاقامتهما  في بيت أهله، لازالت على الطوب الأحمر وكان سقفها لايزال عليه عروق الخشب التى تسبق صب الأسمنت المسلح.
"في اليوم ده قلت له تعالى ننظف الشقة ونقعد فيها، ونكملها سوا، وفعلا نظفناها ونمنا في تلك الليلة على الأرض، وفي اليوم التالي دورت على شغل عشان نقدر نعيش، وبأول فلوس جاتي لي اشتريت الشابيك الأولميتال، كنت باستحمل كل حاجة عشان باحبه، وبالنسبة لى الواجب إن جوزى لو الزمن جار عليه لازم أقف جنبه".

"جالي السكر لأني ماكنتش باشتكي من ضربه لي"
صدمة المهندس المعماري الشاب في رد فعل أهله ناحيته، بعد أن فقد تحويشة الغربة، جعلته يدخل في حالة نفسية سيئة، أقعدته عن العمل نحو 6 شهور، حتى بدأت ليان تشجعه على البحث عن عمل، وبالفعل التحق بعمل راتبه لا يتعدي 2000 جنيه، بينما كان دخلها هي من عملها ثلاثة أضعاف هذا الرقم.
"مرتبه كان تقريبا بيكفي مصاريفه، وكانت مصاريف البيت كلها من شغلي، ورغم كده بدأت ردود أفعاله  تبقى عنيفة وفجائية، يضربني بعنف غريب على حاجة تافهة، رغم انه شخصية محترمة وبيصلي وحافظ القرآن، ولما كانت الأحوال تهدأ بينا، كان يرجع من شقة والدته اللي تحت شقتنا مقلوب 180 درجة، أنا مش متعودة على العنف، وكنت بأحاول أعمل كل اللي هو عايزه، وكنت بأكتم في نفسي، لغاية ما جالي السكر من غير ما أحس، وفي الفترة دي عرفت إن أخويا استشهد،  واتصلت به وهو في الشغل وما جاش ياخد بخاطري، وهو عارف إني لوحدي، وزعلت قوي وكتمت وجعي منه".
مرت الأيام وأصيب زوج ليان بالكورونا، وبقيت بجانبه ثلاثة أيام، تغير له الكمادات، حتى عادت حرارته طبيعية، وشفي بعدها، لكن العدوى انتقلت لها، وارتفعت درجة حرارتها بشكل كبير ولم تعد قادرة على التنفس، وهنا استشار زوجها طبيبا، فوصف لها جهاز أكسجين، وبقيت بجهاز الأكسجين 14 يوما، ولما عملت التحليل عرفت إن عندي السكر، وجالي بسبب اللى كان بيعمله في وتحملي له، وعرفت إني لما كنت بأنام مش حاسة بالدنيا إلا لما يجي يصحيني، كنت بأكون في غيبوبة سكر".

"رمي علي اليمين ..وجرجرني من شعري وأجهضني"

كان على ليان أن تأخذ علاج السكر بانتظام وأن تتحامل على نفسها لتعود للعمل، لكنها اكتشفت أن زوجها يتحدث إلى سيدات في التليفون، فواجهته بالأمر.
والدته قالت له إني مش من حقى أعترض على علاقاته، وقال لي لو رحتي الشغل تبقى طالق، ولما رجعت رمى علي اليمين، فطلعت شقتي وأنا مصدومة، بعدها نزلت له عند والدته وقلت له ياترجعني يا تطلقني، وكان بيشرب ميه، فرمى الميه في وشى وزقني برجله في بطني، فوقعت على السلم، وهنا راحت والدته ضربتني بغل شديد بشبشب بكعب، فلقيت عروق ايدي نفرت ونزفت، ولقيت نزيف كمان من بطني، فنزلت على السلم عشان استنجد بالجيران أو أروح الشرطة، فنزل جوزى ورائي وجرني من شعرى دورين على السلم والجيران سكتوا، ودخلني الشقة وقفل علي الباب، وقعدت أصوت وأخبط على الباب، فدخل وحطي لي مسكن في بقى غصب عني وشربني ميه بالعافية عشان ما أرحش الشرطة".
تنهدت ليان وأخذت نفسا عميقا ونظرت في الأرض، ثم رفعت رأسها لأعلى وأخذت نفسا آخر وأخرجته بسرعة، ثم عدّلت من الطرحة التى تضعها فوق رأسها وأكملت: كان النزيف مستمر وكمان بطني وجعتني من المسكن ففضلت أصوت، وشافتني الجارة اللي قدامنا، فجاءت وقالت له ياتوديها المستشفى أو هبلغ الشرطة، وبقيت أقول له أبوس ايدك وديني المستشفى، فقال لي طيب غيري هدومك واستحمي، ولما هديت قال لي نامي واستريحي، وقفل علي الشقة بالمفتاح، وأخذ تليفوني وسابني أسبوع بانزف، لغاية ما النزيف وقف، لكن جالي أنيميا بأتعالج منها لغاية دلوقت".
صدمة ليان من زوجها كانت كبيرة، لكنه عندما عاد للشقة وجدته هو الآخر حزينا ومنكسرا، وعيناه محمرتان من البكاء عليها وعلى حالهما، فعرفت أنه مغلوب على أمره، لكنها فوجئت بصدمة أخرى.
"ماكنتش عارفه أطلعه من قلبي ومن حياتي ولا قادرة أحكي لأهلي"
"لما رجع البيت قال لي جالي فرصة سفر، اتصدمت تاني، كان عايز يأخد منى فلوس عشان السفر، ونزلت أشتغل عشان أدبر له الفلوس، لكن قبل ما يسافر ب 10 أيام، أبويا مات ولقيته لم يتأثر وراح الشغل، واتصدمت تاني فيه، وسافرت لأهلي 3 شهور، وهو سافر السعودية، وخلال الفترة دي ماكنتش عارفه أزاى أطلعه من حياتي ومن قلبي، ومش قادرة أحكي حاجة لأهلي، ورجعت مصر ثاني على شقتنا".
كان زوج ليان يتواصل معها خلال وجودها في سوريا، ويحاول أن يسترضيها، وأرسل لها نقودا، "بعت لي 20 ألف جنيه، وقال لي اعملي بيهم اللي أنت عايزاه، فقلت له هعمل بيهم محارة للشقة وأبيضها، فقال لي هكملهم 50 ألف، وقال لي اقعدي عند أمي لغاية ما العمال يخلصوا شقتنا، وقعدت عندها 16 يوم، كانوا بيحاولوا يفهموه إني باصرف الفلوس على نفسي، وأنا أبعت له الفواتير أول بأول، لغاية ما خلصت، وطلعت شقتي".
بقيت ليان في شقتها لوحدها تحاول أن تنظفها بعدما أنهي العمال عملهم، وأخيرا أرادت أن تأخذ قسطا من الراحة، ففوجئت بطرق عال على الباب، "فتحت الباب فوجدتها أمامي تتهمني بأني قطعت عليها الانترنت، وكنت باترعش من قلة النوم والخضة، فماكنتش عارفه أرد، فشتمتني شتايم قذرة، فقفلت الباب واتصلت بزوجي وحكيت له، لكن ماكانش بيسمعني، من كتر اللي قالوه عني، وقطع عنى المصروف، وأنا كنت تعبانة ومش قادرة أنزل اشتغل".
"حكيت لأهلي وسافرت لهم ولا طلقنى ولا بعت لى فلوس"
قطع استرسال ليان مكالمة من محامي دار الاستضافة، تخبرها بتحديد موعد جلسة نظر الدعوى التى رفعتها ضد زوجها أمام المحكمة، ولم يظهر على وجه ليان أي تعبير، وكأنها لاتقوى على أى انفعال بالفرحة أو بالحزن.
أغلقت ليان المكالمة وأكملت:"كنت بأكلم زوجي وأقول له علاجي خلص، ابعت لي فلوس، أنا مش قادرة أنزل اشتغل، ماكانش بيستجيب، ويقعد شهرين ما يتكلمش وبعدين يرجع تاني يكلمني، ويقول لي وصلي الانترنت لأمي، لأنها رجعت شقتها لقيته مش شغال، واتصلت بالشركة، لأكتشف انها قطعت لي سلك التليفون الأرضي، وهنا حسيت إني كان عندي مخ وطار، فنزلت لها، أقول لها ليه قطعتيه، فقالت لي: ابني طلقك ايه اللي مقعدك هنا، وشتمتني واتهمتني بكلام وحش، فقلت لها :حسبي الله ونعم الوكيل، وطلعت". 
لم تكن ليان تستطيع الاتصال بزوجها، لأنه كان قد حظر رقمها عن الاتصال بهاتفه، فوجدت الجارة تدق بابها، وتعطيها الهاتف لتكلمه، فردت عليه، لتجده يقول لها: انت طالق.
"رجعت مصر فهددني انه هيوريني جهنم لو رحت شقتي"
" اتصدمت، وتمالكت نفسي وقلت له: ابعت لي حقوقي، وكلمت أهلي وحكيت لهم كل اللي حصل، وقلت لهم كلموه، قالوا له عايزين اختنا، قال لهم ماشي، لكن مش معايا فلوس أسفرها، خليها في مصر تشرب المر، ففكيت التكييف وبعته عشان أسافر بالفلوس، وتركت المفتاح مع صاحبه اللي قال لي ابقى سيبي المفتاح معاه".
" لما وصلت سوريا عمل لي حظر تاني، وبعت لي رسالة: أوعي تفكري ترجعي مصر تاني، لكن كان يغيب شهرين ويرجع يكلمني، ويصالحني، ورجعت مصر بعد 5 شهور لأن ماكانش معايا أي فلوس، قلت أرجع مصر أشتغل، وكلمته من المطار هن طريق ابنة خالته، فهددني، وقال لي أمي أخدت المفتاح، لورحتى هوريك نار جهنم على الأرض، فرحت لكوافير كنت باشتغل فيه، مش عارفه أعمل ايه، شفت واحدة أعطتني رقم مركز استضافة المرأة، وفعلا جيت هنا". 
شهران ونصف مرا على ليان في مركز الاستضافة، خضعت فيهما لجلسات  نفسية، وحررت  توكيلا لمحامي، "في المركز حاولوا كتير يقووني لأني كنت مدمرة نفسيا وصحيا، السكر مرتفع والأنيميا كمان، وشعرى بيقع ومش قادرة آخد نفسي، جابوا لي علاج ووقفوا بجانبي، ولما سألني المحامي عايزة ترفعي دعوى طلاق أم خلع، وهل عايزة تمكين من الشقة، طلبت إنه يكون خلع عشان أرد كرامتي، وقال لي المحامي إن الخلع بياخد من شهرين لأربعة".
طوال االشهرين لم تكن ليان تقوى على الخروج من مركز الاستضافة، لكنها منذ أسبوعين بدأت تخرج لتعود للعمل في كوافير قريب من المركز، "باعرف أعمل كل حاجة للشعر والبشرة، ومش ندمانة اني رفعت دعوى خلع وإني هسيب زوجي، لأنه ما خلاش حاجة بينا أبكي عليها، كل اللي عايزاه أني أعتمد على نفسي، ويبقى عندي شقة أدفع إيجارها، وأشتغل وأستقر، وأبدأ من جديد".