الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

أوروبا تغدو في ظلام.. أزمة الطاقة تلقي بظلالها على القارة العجوز

باريس
باريس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تعمل المحلات التجارية الفاخرة في جميع أنحاء باريس على إطفاء الأضواء الليلية، مما يؤدي إلى إغراق شارع "جادة مونتاين" ومناطق أخرى تشتهر بالتسوق المسائي في الظلام النسبي، ويظهر السياح في المعالم الأثرية لالتقاط صور في وقت متأخر من الليل، فقط للعثور على الصور الظلية القاتمة، حتى برج إيفل، رمز صعود فرنسا كدولة صناعية، بدأ بإيقاف التشغيل في وقت مبكر.

وتأتي هذه الإجراءات استجابة لدعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لـ "ترشيد الطاقة"، ومطالبة الحكومة من البلديات والأسر والشركات بخفض استهلاكها للطاقة بنسبة 10٪ على مدى عامين لمواجهة قرار روسيا بقطع تدفق الغاز الطبيعي إلى أوروبا.

وقال وزير المالية الفرنسي، برونو لو مير، مؤخرًا إنه سيرتدي الياقة الدائرية هذا الشتاء كوسيلة للتدفئة وتوفير الطاقة، كما ظهر ماكرون أيضًا مرتديًا الياقة الدائرية.

حتى أن هذه الجهود جعلت بعض المسئولين الحكوميين يتساءلون عما إذا كانت بعض الإيماءات لها ما يبررها، أو ما إذا كانت لا تؤثر بشكل كافٍ في أزمة الطاقة في أوروبا.

وقالت أنييس بانيير روناتشر، وزيرة الطاقة الفرنسية، لقناة بي.إف.إم التليفزيونية الإخبارية، إن الترشيد لا يعني التوقف عن العيش والعمل واستقبال السياح، إن الترشيد يحقق المدخرات الأكثر منطقية فيما يتعلق باستهلاك الطاقة، وأضافت أن إطفاء أضواء النصب "ربما لا يكون أكبر مصدر لتوفير الطاقة".

لم تقدر باريس توفير الطاقة من خلال تعتيم الأضواء وحدها، حيث إنه أحد الإجراءات التي تتوقع المدينة أنها ستخفض استخدام الطاقة بنحو 8٪، بما في ذلك خطط لخفض منظمات الحرارة في مبانيها، وقالت العمدة آن هيدالغو، إن الآثار المظلمة ترسل إشارة إلى السكان بأنهم بحاجة أيضًا إلى توفير الطاقة.

وقال نائب عمدة باريس إيمانويل غريغوار: يجب أن نتوقف عن الاعتقاد بأن الناس لا ينجذبون إلا للضوء، "الناس ليسوا بعوض".

وأوصى الاتحاد الأوروبي الدول طوعا بخفض استهلاكها للغاز بنسبة 15٪. أولئك الذين يعتمدون بشكل كبير على الغاز الطبيعي الروسي، بما في ذلك ألمانيا وإيطاليا، قد يحتاجون إلى خفض الاستهلاك بشكل أكبر، كما يمكن أن يصبح الهدف، الذي اقترحته السلطة التنفيذية للاتحاد الأوروبي، إلزاميًا في حالات الطوارئ مع بعض الاستثناءات.

وهذا سيعتمد  ما إذا كانت البلدان تنفد من الغاز الطبيعي هذا الشتاء على العديد من العوامل، بما في ذلك مدى فعالية الشركات والحكومات في تخزين الوقود وتقليل الاستهلاك وتنويع الإمدادات. كما أنه سيتوقف على الطقس. سيؤدي الشتاء الطويل القاسي إلى زيادة الطلب على الغاز للتدفئة وقد يدفع الحكومات إلى ترشيد الغاز.

وكشفت فرنسا النقاب عن خطتها المكونة من 50 صفحة لتوفير الطاقة خلال مؤتمر صحفي هذا الأسبوع شارك فيه تسعة وزراء واستمر أكثر من ثلاث ساعات، حيث إن الحكومة  مستهلك رئيسي للطاقة في فرنسا، لهذه تشمل الإجراءات قطع الماء الساخن في حمامات المباني العامة وتغطية التدفئة عند 64 درجة في جميع المباني العامة، بما في ذلك المحاكم والمتاحف العامة.

وقال الوزراء إن المركبات الرسمية ستحتاج إلى تقليل سرعتها لتوفير الطاقة، كما أن القيادة بسرعة 68 ميلاً في الساعة بدلاً من 80 ميلاً في الساعة على الطرق السريعة تقلل من استهلاك الوقود بمقدار الخمس.

وتحث الإجراءات الفرنسيين على إجراء عدد من التغييرات في المنزل، كاستخدم الأجهزة الكهربائية مثل غسالات الصحون والغسالات فقط في غير ساعات الذروة، وفصل أجهزة الكمبيوتر وأجهزة التليفزيون التي لا يتم استخدامها، وتقصير وقت الاستحمام.

واقترحت الحكومة أيضًا أن تطلب الشركات من الموظفين العمل من المنزل في أيام معينة، مما يسمح للمكاتب بالظلام لتوفير الطاقة، ورفض اتحاد أصحاب العمل الوطني، أي اقتراح لزيادة العمل من المنزل.

وذكر تقرير فرنسي أن الإنارة العامة هي ثاني أكبر مستهلك للطاقة للبلديات بعد منظمات درجة حرارة المباني، حيث تمثل 31٪ من إنفاقها على الكهرباء، كما حددت مدينة نيس المتوسطية أيضًا هدفًا يتمثل في تقليل استهلاك الطاقة بمقدار العُشر هذا الشتاء، عن طريق إطفاء واجهات المتاحف جزئيًا وكذلك جميع الإضاءة الزخرفية في المدينة بين الساعة 11 مساءً، و5 صباحا.

وقالت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن، سننشر استهلاكنا للكهرباء والغاز كل أسبوع، واعتمادًا على هذا والطقس، سنرى ما إذا كنا قد حققنا توفيرا للطاقة اللازمة.

وأدى قطع الغاز الروسي بالفعل إلى إغلاق المصانع في جميع أنحاء أوروبا، مما يهدد اقتصاد المنطقة، التي تعتمد على شركات مثل شركات صناعة الصلب، ومنتجي الكيماويات، وصانعي السيارات أكثر من الولايات المتحدة.

وتأمل الحكومات في أن يكون العثور على مدخرات إضافية، مثل إطفاء الأنوار في المعالم، كافياً لتحملها خلال فصل الشتاء، وتعد السياحة في باريس، جزءًا كبيرًا من الاقتصاد، ويظهر فيها الترشيد الجديدة بشكل خاص نظرًا لكمية الإضاءة في مناطق الجذب السياحي.

الآن تم إيقاف التصميمات الخارجية المزخرفة للمباني المملوكة للمدينة في الساعة 10 مساءً، كما يفعل قصر فرساي -رمز الإفراط في فرنسا ما قبل الثورة- الشيء نفسه.

كما أن أضواء برج إيفل تنطفئ، الساعة 11:45 مساءً، عندما يُغلق النصب التذكاري أمام السياح، ووفقًا للشركة التي تدير النصب التذكاري، فإن إضاءة المئات من الأضواء تمثل تقليديًا ما يقرب من 4٪ من استهلاكها للطاقة.

وفي إحدى الأمسيات الأخيرة، فوجئت آسيا ويليس، الدعاية السينمائية والتليفزيونية من لوس أنجلوس، باكتشاف أن الهرم الزجاجي لمتحف اللوفر قد فقد رونقه الشبيه بالجواهر، وأصبح الهيكل الذي يُضاء عادةً من الداخل حتى وقت متأخر من الليل، يتخلل فناء القصر الملكي السابق فارغًا.

حيث قالت ويليس: "أنا حزينة حقًا"، أتمنى أن تكون الأنوار مضاءة، أنا أحب الهندسة المعمارية، حيث إن المدينة تستقبل الكثير من السياح، وخاصة هذا المتحف.

وأُطلق على باريس اسم مدينة النور في القرن السابع عشر، عندما حاول قائد شرطتها تحسين الأمن ليلا من خلال تركيب آلاف الفوانيس والمشاعل، وبعد قرنين من الزمان، أصبحت المدينة رائدة في كهربة المدن.

وعبر القارة تقوم دول أخرى بفرض إجراءاتها الخاصة، حيث تخطط الحكومة الإيطالية لتقييد التدفئة في المنازل والشركات، وتحث هولندا السكان على تقصير وقت الاستحمام، كما تشجع فنلندا سكانها على خفض مقدار الوقت الذي يقضونه في استخدام الأجهزة الرقمية.

وفي ألمانيا، بدأت العاصمة برلين إطفاء إنارة العديد من معالمها الأثرية ومبانيها التاريخية، وتخطط المدينة لعدم إضاءة حوالى 200 مبنى بما فى ذلك عمود النصر وقصر شارلوتنبورج ومبنى البلدية فى الليل وبالتالى توفير استخدام حوالى 1400 مصباح كشاف.

كما أعلن رئيس الدولة فرانك فالتر شتاينماير أنه باستثناء المناسبات الخاصة فإن مقر إقامته الرسمى فى برلين قصر بلفيو لن يُضاء فى الليل.

وقال المستشار الألماني أولاف شولتس: "سيكون لدينا الكثير من العمل هذا الخريف والشتاء ولن يكون الأمر سهلا".

أما إسبانيا؛ فقد نشرت فى نهاية مايو الماضي "خطة كفاءة الطاقة" تشجع العمل عن بعد لموظفى الخدمة المدنية، وأثبتت أن تكييف الهواء يجب ألا يقل عن 27 درجة فى الصيف وأن تكون درجة الحرارة أعلى من 19 درجة فى الشتاء، كما دعا رئيس الوزراء بيدرو سانشيز الناس إلى الاقتداء بمثاله وعدم ارتداء رابطة عنق فى كل من القطاعين العام والخاص من أجل استخدام مكيفات هواء أقل.

وأعلنت بريطانيا عن إيجاد بديل لمواردِ الطاقة الروسية، عن رفع أسعار الطاقة  للمواطنين بنسبة ثمانين بالمائة ابتداءً من أكتوبر الجاري، في ظل مخاوف من شتاء قاس وكارثة اقتصادية وعجز أوروبي واضح، ما سيؤدي إلى زيادة التضخّم والركود الاقتصادي وسط أزمة غلاء المعيشة التي تضرب بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي.

وفي بلغاريا بدأت الحكومة بالتواصل من جديد مع شركة غازبروم الروسية بعدما تم قطع الإمدادات بسبب رفض الحكومة السابقة الدفع بالروبل.

والآن، يقوم الأوروبيون على عجل بإحياء مرافق صناعة الفحم، والحديث عن العودة إلى الطاقة النووية، كما عادت إلى توليد الطاقة من الفحم، وإطلاق المحطات التي تم إيقافها، متناسية الاحترار العالمي والبيئة، لكن المشكلة هي أن هذا لن ينجح مع الطاقة النووية، فثمة مشكلة في نقص الموارد البشرية والتقنية.

وتواجه أوروبا أزمة في الطاقة مع ارتفاع تكلفة توليد الكهرباء بشكل كبير بسبب الزيادة الهائلة في أسعار الغاز نتيجة توقف إمدادات الغاز الروسي، وقال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال إن "روسيا أطلقت صاروخا من الطاقة على القارة الأوروبية والعالم".

وتسارع الحكومات في أوروبا لخفض فواتير المستهلكين، لكنها تعتمد على مصادر طاقة مختلفة وتنقسم حول الحلول، واقترحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين "خارطة طريق" تشمل تدابير للمساعدة في تخفيف العبء.