الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

منحوتات محمد رزق إضافة جديدة لمعرض "مبدعون خالدون" بضي الزمالك

منحوتات محمد رزق
منحوتات محمد رزق بمعرض "مبدعون خالدون"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

استقبل أتيليه العرب للثقافة والفنون، صباح اليوم الأربعاء، منحوتات الفنان والتمثال الكبير عاشق النحاس محمد رزق بمعرض "مبدعون خالدون" بجاليري ضي الزمالك، بعد ساعات من قرار مد عرض الأعمال المشاركة بالمعرض حتى السابع من نوفمبر المقبل.
وسبق للجاليري إضافة أعمال الرائد الكبير عبد الرحمن النشار ليمنع عن جمهور المعرض أي شعور بالملل أو التكرار، حسب تأكيد الناقد التشكيلي هشام قنديل، رغم وجود أكثر من ألف عمل لمائة فنان يضمها المعرض.

ويقول الناقد الكبير محمود بقشيش عن تجربة محمد رزق الفنية بين الحديد والنحاس: إن المثَال محمد رزق الذى استعانت به مؤسسات عديدة لتجميل واجهاتها وأبهائها. وقد زين مدخل جريدة الأهرام ومدخل فندق هيلتون النيل وفندق مريديان وسياج بالجيزة وفندق ماريوت شرم الشيخ وأكاديمية مبارك للأمن والبنك الأهلى المصرى ومركز القاهرة للأشعة، وأنجز لمصانع الدخيلة للحديد مُجسَما حديديا ارتفاعه خمسة عشر مترا، بدأ حياته الإبداعية محاولاً فى كتابة الشعر والقصة والعزف على الناى بقريته سيف الدين بمحافظة دمياط.

ويتحدث عنها حديث العاشق قائلا: إن اللون الأخضر وسلاسة العلاقات البشرية كانت تملأ حياتى بأحلام مستقبل وردى، وكانت القاهرة بالنسبة لى محور تلك الأحلام، كانت تعنى الالتحاق بالجامعة والنجومية الأدبية. وفى القاهرة تبخرت الأحلام، لم ألتحق بالجامعة بل التحقت بمصنع الحديد والصلب سنة 1957 وتعطلت محاولاتى الأدبية وارتبكت خططى حتى سنة 1962. 

كانت صدمة القاهرة كبيرة ووجد رزق نفسه محاصرا بكل ما هو مناقض لمرحلة القرية، فالقاهرة مدينة عدوانية بزحامها وفوضاها المرورية ونفاياتها المكدسة فى أحيائها الراقية والشعبية على السواء، غير أن القول الحكيم "داوها بالتى كانت هى الداَء" كان نافعا له فتخفف من النفور إلى نوع من التعايش، كان من نتائجه أن استخرج من الظروف المغايرة ممكنات جديدة للابتكار. واستبدل اللون الأحمر (لون النار) باللون الأخضر واستبدل دينامية التحولات فى الصناعة بالاستسلام السكونى للحياة فى القرية. 

وشغف بشرائح النحاس وأغرته طراوتها بالاقتران بها ففعل، ومن يومها وحتى كتابة هذه السطور ظل وفيا لها.

وكان عام 1962 محوريا بالنسبة له حيث قرر الالتحاق بكلية الفنون الجميلة (القسم الحر) وهناك التقى برائد المطروقات النحاسية المثال جمال السجينى، ويتحدث رزق عن ذلك بقوله: توجهت إلى السجينى كى أتعلم منه تقنية النحاس، غير أنه نصحنى بأن أتعلم هذا وحدى وكان رأيه أن الفن لا يلقن. وتركت الكلية ولم أكن قد أمضيت بها أكثر من ثلاثة أشهر وتوجهت إلى شارع خان الخليلى لمتابعة الصناع المهرة والتعلم منهم. وأستطيع التوكيد بأن هذا الشارع كان أستاذى الحقيقى. 
والعجيب أنه حصل فى نفس العام على جائزة الدولة التشجيعية فى النحت، وكان هذا الاعتراف الرسمى بموهبته حافزا قويا لمواصلته الإنتاج الفنى والتفرغ له- فيما بعد- تفرغا كليا، فأقام ستة عشر معرضا، قوبل جميعها باستحسان النقاد واحتفى به نقاد الأدب ونقاد الفن على السواء. 
كتب عنه الفنان الكبير حسين بيكار  فى بابه الأسبوعى بجريدة الأخبار، يقول: إن ارتباط الفنان محمد رزق ببيئته وأبناء بلده ارتباط جذرى ينعكس فى رشاقة الخطوط التى تتماوج وتتلوى فى سيولة الموال و رقة الناى، وتبرز آثار المطرقة على السطح كأنها إيقاع نقرات الدفوف والطبول تزف المشخصات الراقصة فوق السطح اللامع. ومهما كانت الآراء التى أبداها نقاده ودرجة اختلافهم فى التلقى والتفسير فقد اتفق الجميع على أهمية هذا الفنان الذى لم يتلق- ربما لحسن الحظ- أى تعليم أكاديمى ولم ينل درجة الدكتوراه التى يتسابق على نيلها أنصاف الموهوبين بالكليات الفنية. ولم يتسلح إلا بموهبته وإصراره فقدم إضافة فى مجال المطروقات والمجسمات النحتية وأضيف اسمه إلى قائمة كبار موهوبى جيل الستينيات الذين لم يحصلوا على شهادات عالية ولم يتوظف بعضهم فى وظائف حكومية أمثال عبد الرحمن الأبنودى وسيد حجاب و أمل دنقل و إبراهيم فتحى وعبد الرحيم منصور ويحيى الطاهر عبد الله وجمال الغيطانى، وإبراهيم أصلان و خيرى شلبى ومحمد يوسف القعيد. 
يختلف محمد رزق عن كثيرين من الفنانين المصريين فى رفضه الالتزام بقالب جامد، يقبل الاجترار، لهذا تزخر لوحاته بالتداخلات الأسلوبية. لا تحدد مراحله ملامح حاسمة مثلما هو الحال مع مراحل بيكاسو، بل تتعايش الأساليب فى إطار زمانى أو مكانى واحد. ففى معرض واحد نلتقى بأعمال تعبيرية حريفة  Fauvisme إلى جوار مستنسخة إسلامية بالغة الدقة، أنجزها للدراسة البحتة إلى جانب أشكال تجنح إلى التجريدية الهندسية وأخرى تستلهم التكعيبية التحليلية. وعلى الرغم من ذلك التنوع فهى (أى الأعمال) تعبر عن جذر واحد هو الوطن المصرى بحالاته المختلفة. 
ويمثل الإنسان محورا دالا على تلك التحولات. والإنسان هنا ليس إنسانا مطلقا، بل هو- تحديدا-الفلاح المصرى والفلاحة المصرية. ويتجلى هذا الوجه فى صور مختلفة تختلف باختلاف حالات الوطن، لهذا يظهر ثائرا أحيانا، سعيدا أحيانا أخرى، صامدا فى حالة ثالثة. وتمثل الجياد موضوعه المحورى الثانى، تظهر جامحة ومنكسرة ومختالة.. وهكذا تتحول من صورة لأخرى انعكاسا للمد والجزر فى ساحة الواقع السياسى المصرى. 
أقام سنة 1969 معرضا بقاعة جوته وكان صدى لمعاناة 1967 ومن أبرز أعماله مجسمات ثلاث، تحمل العناوين الآتية: "الصمود" و"الغضب (1) و"الغضب2". 
لوحة الصمود تلخص الشعب المصرى فى وجه ريفى- صرحى، مفعم بالغضب، متحفز للمنازلة. ويرتكز الوجه على رقبة عملاقة، غنية بالتضاريس. وتقوم الطرقات المتنوعة بإثراء السطح. وتحفل اللوحة بتفاصيل دقيقة ومفاجأت غير متوقعة فى بناء الوجه بشكل خاص، فهو لم يقم بتحليل شكل بنائى- واقعى يلتزم النسب التشريحية للإنسان بل أنشأ وجها ينتمى إلى العمارة وقد أعانه الأسلوب التكعيبى فى الأبنية التحريفية الحادة. ويتجلى ذلك على وجه الخصوص فى التحليل المثير للمنطقة أسفل الفم والذقن والحفر على الجبهة. 
وتمتد كتلة من الأنف إلى الصدغ لتشترك بدورها فى معمعة كتلة المستويات الخطية المتداخلة. وتتسع اللوحة لكثير من الايحاءات القصصية. وربما أدرك الفنان ذات الطابع الروائى لعمله فقدم نقدا ذاتيا تمثل فى عمل آخر يحمل نفس الاسم ويختلف معه فى التاريخ والأسلوب: نفذ العمل الجديد سنة 1985 وهو مسبوكة نحاسية على عكس العمل الأول الذى نفذ بطريقة الطرق على المعدن النحاسى. يرتبط العمل الأول بايحاءات رمزية، تمثل الشعب المصرى فى هيئة المزارع الشجاع. السمح، يحاكم حالة الهزيمة ويدعونا (نحن المشاهدين ) إلى التحدى، بينما يتحول الوجه الثانى ليعبر عن إنسان عصر العنف. 
تنتمى المجسمة الأولى إلى النحت البارز والثانية مسبوكة تنتمى إلى النحت المدارى أو الفراغى، وهى تستعير من العمارة هندسيتها الصارمة وملامسها المجردة، غير أنه- كعادته فى المفاجآت- يزلزل هذا الكيان المعمارى بزلزال يفصل المقطع الأعلى من الفم عن المقطع الأسفل ويمزق جزءا من الوجه بحدة. 
ويعترف محمد رزق بقوله: كنت أريد لهذا التمزق أن يمتد، غير أن مساعدى صاح: قلبى لا يطاوعنى.. لا أستطيع مواصلة التشويه أكثر من ذلك. 
منذ خمسة عشر عاما نشرت دراسة عن الفنان محمد رزق فى مجلة إبداع، وكانت تحمل عنوان "رزق عاشق المطروقات النحاسية". وفى معرضه السادس عشر الذى أقامه منذ عامين تقريبا بقاعة دار الأوبرا وخارجها، حاول أن يكمل عنوان مقالتى فوضع لمعرضه عنوانا هو: "وعاشق الحديد أيضا!.."، ولم يعلق على عنوانى السابق إطلاقا، بل أراد لرده أن يكون عمليا فقدم ما يثبت به جدارته بعشق الحديد وما تزال تماثيله قائمة حتى الآن فى منطقة الأوبرا الجميلة، وقد بدا على الشخصيات التى عانت من آلام الحرب تحولات إلى الإشراق وكأنما ترحب- بدورها- بما يسمى بعملية السلام فى الشرق الأوسط ، ظهرت الخيول فى منطقة الأوبرا وقد تخلت عن توترها السابق وبدت هادئة، مختلة بجمالها، مزينة بزخارف من نحاس، يتلألا تحت وهج الشمس وازداد جمال الوجه الأنثوى تألقا. وانتقلت الأنوثة إلى شكل الكمان وتوحدت به فى تمثال جميل، نسيج جسده من مسامير حديدية مدببة، فى صعودها إلى الذروة أو هبوطها إلى القاعدة تشكل تموجات متصلة وبالقرب منها يظهر عازف الرباب منشغلا بآلته الشعبية. 
ولقد سبق لمحمد رزق أن نفذ بالنحاس المطروق هذا الموضوع. وعندما نقله إلى خامة الحديد كبَره إلى الحد الذى لامس به الشجرة القريبة. ارتفاع التمثال ثلاثة أمتار وخمسة عشر سنتيمترا. 
ذكر المفكر الفرنسى الكبير جارودى فى كتابه الجميل "واقعية بلا ضفاف" أن الأسلوب التكعيبى كان أكثر دقة وأمانة فى نقل الواقع من الأسلوب الأكاديمي الذى يكتفى بنقل الزاوية الوحيدة المرئية، مغفلا الزاوية غير المرئية، فى الوقت الذى اهتمت التكعيبية بإظهار ما هو مرئى وما هو مخفى من زوايا الموجودات الواقعية، جنبا إلى جنب على مسطح اللوحة. وحاول محمد رزق أن يطبق هذا فى موضوع "العارى" وقدم سلسلة من تماثيل المسبوكة بخامة النحاس فى سياق معرض الأوبرا. جمعت عارياته بين منظورين متخالفين فى ذات الوقت. الزاوية الواحدة تفاجئ العين بكتل أسطوانية بارزة وأخرى غائرة. ويشكل هذا التعارض ايحاءات أوسع مما نصفه بالشكل المحدب والشكل المقعر إلى الإيحاء بالحضور والغياب فى الكتلة الرئيسية التى تنتظم تلك الثنائية. ويبدو لى أن تلك المحاولات لم تزل فى طور التجريب وقدم فى معرضه عينات منها لنتأكد أن بمقدوره أن يواصلها ويطورها. وقد سبقه إلى تلك التجربة المثال جمال السجينى فى تمثاله البديع عن الفنان سيد درويش. 
من آثار العمل الفنى العظيم أن يكون محركا لنوازع الخلق لدى متلقيه من المبدعين المعاصرين واللاحقين والأمثلة الدالة على ذلك لا حصر لها وتحتاج إلى دراسة مطولة ليس هذا مجالها. وإذا كنا قد ذكرنا أصداء تمثال مختار عنوانا لتلك الفقرة فلأنه جذر قريب، قد تناسل بدوره من جذور عميقة، تشعبت شرقا وغربا وتألقت فى الجمالية المصرية القديمة واختار منها مختار تمثال أبو الهول ليرمز به إلى حضارة تشع نورها فى ثقافات العالم. واللافت للنظر أن كل الإبداعات العظيمة قد اتخذت من المرأة رمزا لخصوبة الوطن، صارت عند مختار فلاحة وعند المثال محمد رزق_ صاحب آخر التماثيل الميدانية "بنت البلد". 
وإذا كان مختار قد اختار خامة الجرانيت التاريخية لتكون جسدا لفكرته عن النهضة فقد اتخذ محمد رزق خامة الصناعات الثقيلة، الحديد، لتكون جسدا يعبر به عن موضوع تمثاله وهو: مصر السلام. 
لم يحظ تمثال رزق  بالظروف التاريخية والرومانسية التى أحاطت تمثال  مختار، وقد ثبتت تلك الظروف فى الذاكرة القومية الطابع الاستثنائى لظهور تمثال نهضة مصر ودور الشعب المصرى، بكل طبقاته وشرائحه فى جعل التمثال حقيقة واقعة. 
أما بالنسبة لتمثال محمد رزق  فقد نفذه الفنان بتكليف من محافظ جنوب سيناء اللواء مصطفى عفيفى، والتمثال موجود حاليا أمام مبنى المجلس المحلى بمدينة شرم الشيخ وتم تركيبه فى شهر أبريل سنة 1998، ارتفاعه فوق القاعدة (380سم). واذا كان العمل الفنى ( وهو هنا التمثال) يمثل لقاء بين الفنان والنموذج والخامة فلابد من تمدد العمل الفنى إلى تلك المنابع الثلاثة والاتصاف بمميزاتها، طراوة الجسد الأنثوى للنموذج الحى وصلابة خامة الحديد ورؤية الفنان. وقد كشفت المرأة التى جسدها لبنت البلد عن شخصية الفنان نفسه، ففى الوقت الذى انصرف مختار عن الإيحاءات الحسَية للمرأة حرص رزق على إبرازها، مثلما فعل ديلاكروا فى رائعته "الحرية تقود الشعب" عندما عرى ثدييها الممتلئين إشارة للخصوبة (والمرأة هنا هى فرنسا) وقبل كل هؤلاء فعلها مبدع تمثال "نصر ساموتراس" قبل مولد السيد المسيح بثلاثة قرون. 
وعلى الرغم من صلابة خامة الحديد فقد نجح رزق فى إبراز الإيحاء بطراوة الثديين وجمال استدارتهما. وقد استغل الفنان إمكانات الشرائح الحديدية الصغيرة فى خلق ملمس يشبه النسيج المخملى، تستقر فوقه كرات العقد الذى تتقلده المرأة. ولم يصرفنا اقتراب الفنان من النسب والتفاصيل الواقعية للمرأة وطيور الحمام عن الرموز التى كان حريصا على الإشارة إليها.

IMG-20221012-WA0016
IMG-20221012-WA0016
IMG-20221012-WA0015
IMG-20221012-WA0015
IMG-20221012-WA0017
IMG-20221012-WA0017
IMG-20221012-WA0018
IMG-20221012-WA0018