الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لمصلحة مَن إغلاق المنابر الإعلامية والصحفية المتعلقة بفن المسرح؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في عام 1990 كُلفت بالعمل سكرتيرا لتحرير مجلة "الثقافة الجديدة" وكان قد صدر قرار جمهوري- قبلها بعام - بإنشاء الهيئة العامة لقصور الثقافة "الثقافة الجماهيرية" برئاسة الراحل حسين مهران، الذي أصدر قرارا بضرورة انتظام صدور المجلة، التي لم تكن منتظمة منذ أنشأها  الكاتب الكبير سعد الدين وهبة عام 1970 وطوال السنوات التي رأس الثقافة الجماهيرية فيها: "د. عبد الحميد يونس، حمدي غيث، طه حسين، عبد المعطي شعراوي، سمير سرحان" لم يصدر فيها سوي سبعة عشر عددا فقط.

وانتظمت شهريا من العدد الثامن عشر  ولم تتوقف إلا بعد أحداث الروايات الثلاث، فتم إبعادي عنها، ومن النشر الذي كنت مديرا له في يناير 2001، وأذكر - هنا - أن "حسين مهران" حين لاحظ قوة المجلة وتأثيرها، وأرقام توزيعها، أخبرنا، بأنه يريد إصدارها  كإصدار نصف شهري، وتحمس فريق عملها في ذلك الوقت "علي أبو شادي، محمد كشيك" وكنت أصبحت- في ذلك الوقت -  مديرا لتحريرها، بعد انضمام الكاتب حمدي أبو جليل سكرتيرا لتحريرها.             
ويومها اعترضت علي هذا القرار، وكانت حجتي هى: رغبتي في المحافظة على موعد صدورها أول كل شهر - وهذا ما حدث بالفعل طوال عشر سنوات هي المدة التي عملت فيها – ورأيت أن إصدارها  كإصدار نصف شهري، سيؤدي إلى تعثر انتظامها - هكذا كنت أفكر - هنا فقط أتذكر تلك الواقعة، لأدلل بها علي أن المسئول الثقافي، كان متحمسا – وهو الإداري الصرف – أكثر من تحمسنا نحن المثقفين العاملين فيها، وكان يشعر مثلما نشعر بأهمية المجلة الثقافية ودورها، ومن ثم يؤمن بضرورة دعمها، بلا توقف.

وحين جاء د. أحمد نوار، رئيسا للهيئة العامة لقصور الثقافة في عام 2005، اتخذ قرارا ثوريا آخر، لصالح الثقافة، ولصالح الحركة المسرحية وأعني به قرار، إصدار صحيفة أسبوعية ورقية، تهتم بكل ما يتعلق بالمسرح، وبالفعل صدرت برئاسة تحرير الصديق الشاعر يسري حسان تحت اسم "مسرحنا" واستمرت منتظمة لمدة عشر سنوات، كإصدار أسبوعي، ولم تتوقف طوال تلك الفترة مرة واحدة، برغم تغير رؤساء الهيئة أكثر من مرة،  ولكن تغير الحال، حين جاء لرئاسة الهيئة، من تخلص من رئيس تحريرها، تمهيدا لإغلاقها، وكنت أظن وقتها أن ذلك الإجراء جاء انتقاما من رئيس تحريرها الذي تجرأ وهاجم الوزير - الذي يبدو أنه أعطي الإشارة تمهيدا لإغلاق الصحيفة المتخصصة – لكن خاب ظني، حين لاحظت بعدها أن الإصدار الأسبوعي الورقي صار شهريا عام 2019، وغير منتظم، ثم اختفي الشهري، بعد إلغاء الإصدار الورقي، اكتفاء  بالموقع الكتروني عام 2019    

في الوقت الذي توقفت فيه مجلة "الثقافة الجديدة"  بعد أحداث الثلاث روايات – كما ذكرت -  لم يدافع عنها أحد من المثقفين، وفي الوقت الذي أُغلقت فيه "مسرحنا" لم يدافع عنها أحد، فظل الأمر قائما، تبعا لإرادة من يمنح، ومن يمنع ! وظلت إرادة المثقفين غائبة، الأمر الذي دعم قرارات سلطة الإلغاء، أو الغلق ! ومن هنا استمرت تلك السلطة تصدر  قراراتها، بالإلغاء، بدون توقف، حتى أًصبح الإجراء سلوكا طبيعيا، علينا الإذعان له، وعدم مناقشة توابعه، ومخاطره،  وطالما أنني أتحدث عن المسرح، وما حدث لمنابره الصحفية، والإعلامية، أود الإشارة – أيضا – إلى مجلة "المسرح"، التي تُصدرها وزارة الثقافة، عن المركز القومي للمسرح، لتستكمل المسيرة التي بدأتها منذ الستينيات، مرورا بالسبعينيات وما بعدها، وكان دورها عظيما في نهضة حياتنا المسرحية في مصر.

وحين صدر القرار بإصدارها الجديد– بعد توقف دام ست سنوات - في عهد الدكتورة إيناس عبد الدايم وزير الثقافة الحالي، صدر كإصدار فصلي، وبرئاسة تحرير الناقد عبد الرازق حسين، وحين كتبت مقالا مُخاطبا  فيه الدكتورة وزير الثقافة، وضحت فيه أهمية المجلة ودورها، وضرورة العمل على إصدارها شهريا، استجابت مشكورة، وصدرت المجلة بالفعل شهريا، وبعد أكثر من عامين من انتظام صدورها، صدر قرار آخر بعودة الإصدار الفصلي، وحين كتبت عن ذلك محتجا، أخبرني الصديق الفنان ياسر صادق، رئيس المركز القومي للمسرح - في رد منشور - بأن هذا الإصدار الفصلي لن يستمر طويلا، وستعود إلى إصدارها الشهري من جديد، في ميزانية شهر يوليو 2022، ونحن في انتظار ذلك، آملين بألا يكون مجرد تصريح، لبث الطمأنينة فقط.

كل هذا حدث، وما زال يحدث، بما يُؤكد أن ثمة مؤامرة تُحاك، ضد المنابر الإعلامية والصحفية، المُهتمة "بفن المسرح" فهاهي مجلة "الكواكب" ذات التاريخ الطويل الحافل بالانجازات، يتم إغلاقها فجأة، وبدون تمهيد، وبرنامج "فن المسرح" بالتلفزيون المصري، يتم إلغاؤه – على الرغم من نجاحه، ودوره الهام الذي حققه على مدار ثلاث سنوات منذ تم بثه، ومن قبله أغلقت كل البرامج التي تحمل اسم المسرح، مثل "كنوز مسرحية" أو "تياترو" واستبدلت ببرامج أخرى، تحمل مسميات لا علاقة لها بالمسرح مباشرة، وتتعامل معه بوصفه هامشا، يتم مناقشته، تبعا لقدرة المعدين على تمرير، المواد المتعلقة به، في برامج، ليست متخصصة تماما في  "فن المسرح" مثل البرنامج الذي جاء بديلا لبرنامج "فن المسرح" وعنوانه "فن المحاكاة" وهو برنامج يتعامل مع المسرح كفقرة من ضمن فقراته، التي تهتم بالفنون الأخرى "سينما، وقصة، ورواية" كما أعُلن في تقديم الحلقة الأولى منه! يحدث هذا، وكأن تاريخ وواقع مسرحنا المصري، لم يعد يحتاج  إلى منصات إعلامية، وصحفية تُبرز وتتحدث عن نشاطه، وكأننا نُعلن وفاته!!

والواقع يقول: إن حركة مسرحنا المصري - بما لها، وما عليها -  ينبغي أن تجد منابر متعددة لمناقشة قضاياه، من أجل تطويره، وتفعيل دوره، في مجتمع  يطمح  لتطوير نفسه، في عالم لن يتواجد فيه إلا الأقوياء، والقوي الناعمة، هي مصدر قوته، وغيابها، سيفتح الأبواب واسعة، لكل التيارات الظلامية، التي تملك صحفا، ومنابر إعلامية، ومواقع تبث- من خلالها - كل ما من شأنه الانحياز لثقافة الانغلاق، وتبني فكرة التعصب، في مواجهة فكرة التسامح.

والسؤال: لمصلحة من يحدث كل هذا.. ومن يقف وراء ظاهرة الإغلاق، والإلغاء؟ لن أصدق كل المبررات التي تقال في هذا الشأن، لأن البرامج الثقافية، والمهتم منها بالمسرح، لا تحتاج إلى ميزانيات، في الوقت الذي تُرصد فيه الميزانيات لبرامج تافهة، وأخري لا مردود لها، الأمر الذي يدفعنا للتأكيد على أن الحديث عن الميزانيات وقلتها، وعدم قدرتها على الدعم، حديث فيه مُغالطات كثيرة، لأنه ينبغي أن تتوجه ميزانيتنا نحو كل ما من شأنه النهوض بمجتمعنا، ولا أجد غير القوي الناعمة أداة لتحقيق هذا الهدف الوطني الكبير. ولا تقل لي نحن في زمن الإصدارات الرقمية، لأنني سأقول لك، وما هو المانع في وجود إصدارات ورقية، حتى ولو كانت محدودة، من حيث عدد النسخ، لأنها ستترك أثرا أكبر بكثير من الرقمي، الذي يتم حذفه، كلما طور الموقع أبوابه، وسيظل الورقي شاهدا على النشاط، كتوثيق، لن ينتهي دوره، مهما تطورت المواقع الرقمية.