الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

صلاح جاهين.. فيلسوف الشعراء

الشاعر صلاح جاهين
الشاعر صلاح جاهين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

سرداب في مستشفى الولادة طويل 
صرخات عذاب ورا كل باب وعويل 
وفي الطريق متزوقين البنات 
متزوقـين للحب والمواويل…. عجبي!! 
دي مذكرات وكتبتها من سنين 
في نوتة زرقا لون بحور الحنين 
عترت فيها.. رميتها في المهملات 
وقلت صحيح أما صحيح كلام مخبولين عجبي!! 
أوصيك يابني بالقمر والزهـور 
أوصيك بليل القاهرة المسحور 
وإن جيت في بالك.. اشترى عقد فل 
لأي سمرا.. وقبري إوعك تزور عجبي!! 
ضريح رخام فيه السعيد اندفن 
وحفره فيها الشريد من غير كفن 
مريت عليهم.. قلت يا للعجب 
لاتنين ريحتهم لها نفس العفن عجبي!! 
"أنا قلبي كان شخشيخة أصبح جرس 
جلجلت بيه صحيوا الخدم والحرس 
أنا المهرج.. قمتوا ليه.. خفتوا ليه.. 
لا في إيدي سيف ولا تحت مني فرس وعجبي"..

مذكرات نوتة زرقا لصلاح جاهين الشاعر ورسام الكاريكاتير الكبير، والذي يعد واحداً ممن أثروا في عقول ووجدان، الذي استطاع بكلماته البسيطة وصدق مشاعره أن يعيش فى وجدان المصريين فكان واحدًا ممن كتبوا عن كل الفئات، وعبر عن آمال وأحلام الفقراء، واستطاع أن يعيش فى عمق الروح المصرية، كموهبة خالدة دائما، وكان جاهين نموذجاً للفنان المبهر متعدد المواهب، كان يتنقل بين الشعر والرسم والتمثيل والصحافة ببساطة، وكأن كل منها كانت موهبته الوحيدة التي برع فيها، الذي يتزامن اليوم ذكرى ميلاده لعام 1930م حيث ولد في شارع جميل باشا بحي شبرا بالقاهرة.

يعد جاهين موهبة متفردة، فبخطوط بسيطة، وتعبيرات أبسط، استطاع أن يأسر قلوب متابعيه وليس فقط جيله الذى كان ينتظر أشعاره، وكاريكاتيره، لكن كذلك الأجيال الحالية مازالت تضحك على كاريكاتير، ومازالوا يستشهدون بأشعاره لتصف حال البلد أو حالتهم، فموهبته لم تتوقف عند مشاكل جيله فقط، بل وكأنه يعيش معنا فى وقتنا الحالى. بدأ جاهين كتابة الشعر أثناء مراهقته، وكان رائد العامية، ينظمه بالفصحى أولا حتى غلبت عليه العامية وبالأخص عند قراءته لإحدى قصائد زميله ورفيق دربه الشاعر فؤاد حداد. 

تعتبر "النكسة" هى الملهم الفعلي ونقطة تحول لأعماله حيث كتب "الرباعيات" والتي قدمت أطروحات سياسية ويعتبرها الكثير أقوى ما أنتجه هذا الفنان، وكانت وفاة الرئيس عبدالناصر هي السبب الرئيسي لحالة الحزن والاكتئاب التي أصابته وكذلك السيدة أم كلثوم، لازمه الشعور بالانكسار لأنه كان الملهم والبطل والرمز لكرامة مصر، كما كانت رباعياته عن تأملات عميقة بلغة سهلة وتلقائية، كما تكلم بلسان حال البسطاء وعشق الوطن حتى الثمالة، فكتب أغانيه الخالدة التي يستحضرها التليفزيون كل عام في المناسبات الوطنية. 

حاول جاهين أن يلتحق بكلية الفنون الجميلة، لكن والده أصر على أن يدخل كلية الحقوق فمنها يخرج الوزراء، وقد أعاد جاهين المحاولة إبان دراسته بالفرقة الثالثة لكنه أحجم عن ذلك وقرر أن يبقى كما هو، وحصل على شهادة الليسانس، وبعد ذلك توجه مباشرة إلى الصحافة، وفي منتصف الخمسينيات ارتبط اسمه بمحلي "روز اليوسف" و" مجلة صباح الخير"، وفيهما ذاعت شهرته كرسام للكاريكاتير. كان يراعي جاهين أنه يرسم في جرائد يقرأها أساتذة الجامعات والموظفين والطلبة وأنصاف المتعلمين، فكان يحرص على التواصل مع المتلقي ويبسط الأمور الضخمة بغير تسطيح أو إخلال فكانت رسوماته على عمقها تخرج مفعمة بالسخرية فيضحك لها القارئ ويتفاعل معها ويستمتع بها، وفي رسومات جاهين اهتماماً بالتفاصيل. 

كما تألق جاهين في السيناريوهات، وقيل عن فيلمه "خلي بالك من زوزو" أنه أنجح فيلم مصري على الإطلاق، و"أميرة حبي انا"، "عودة الابن الضال"، الذي تصنف أنه من أفضل مائة فيلم مصري، وتعد آخر اعماله السينمائية فيلم "رغبة متوحشة". 

وعمل جاهين عملاً مسرحياً واحداً وهي مسرحية "انقلاب" عام 1986م. كما قام جاهين بتأليف ما يزيد عن 161 قصيدة، منها قصيدة "على اسم مصر" وأيضا قصيدة" تراب دخان "التي ألفها بمناسبة نكسة يونيو 1967 م. 

يظل جاهين أسطورة مصرية جمعت بين العديد من المواهب، وتفوق فيها حتى صارت لمساته الفنية علامة مميزة لا يخطئها أحد، فمن الرسم الكاريكاتيري إلى الأشعار، ومن كتابة السيناريو إلى التمثيل، تبقى موهبة جاهين الاستثنائية التي لم يضاهيه فيها أحد، والتي جعلت اسمه خالداً في تاريخ الأدب والفن المصري. بعد سجل جاهين الذاخر من أعمال فارق الحياة في 21 إبريل عام 1986 بعد مرضه ، ووقتها قالت عنه سعاد حسني "الآن مات والدي ورفيق مشواري الفني وصديقي الغالي".