رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لنبدأ الرهان.. الخريف المصري انتهى (١)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ربما لا أشعر بقلق بالغ إزاء ما يسمى بسد النهضة الإثيوبى، أو تداعيات الملء الثاني وخروج أصوات إثيوبية تُنادى بسيادتهم على النهر وقدراتهم العسكرية وجاهزيتهم العسكرية وكأنه إعلان حرب في المطلق.
لم أشعر بقلق توقف تدفق النهر حسب قواعد الجغرافيا من الجنوب للشمال وحكم التاريخ وإقرار القانون الدولى حتى ولو تدخلت أيادٍ تعبث لتعطيل أو تأخير أو منع سريانه.
مبعث الطمأنينة لدى تراكم عبر 10 سنوات مضت رأيت بعينى أن هذا الوطن قادر على أن يسير ضد التيار الكاسح، ويصد الطوفان دون أن ينكسر، حتى في أحلك اللحظات وما أكثرها في الأيام الحالكة السواد من خريفنا المصرى، حتى ظن العابثون أن لحظتهم قد حانت أتاها بأس أمة، وصوت هادر يزلزل الأرض تحت أقدام مَن ظنوا أنهم قادرون عليها وعلينا.
هل أتاك حديث 5 يونيو 1967، من انكسار وصدمة، فإذا بِنَا نفاجئ العالم بأسره بعد 25 يومًا فقط بمعركة رأس العش، ما هذا الجبروت المصرى وما هذه الإرادة التى لا تنكسر، كيف فعلها المصريون؟! كيف فعلها الجندي والضابط الذى لم تُزل بعد عن جبهتهما غبار الانسحاب؟! كيف يتحول عار الهزيمة في أيام إلى معركة نعلن فيها عن فنُون قتالية وبروح وعزيمة وقلب ميت كما يردد أهالينا في الشوارع والمقاهي، من أين يأتي هذا القلب الشجاع الذى حوَّل الانتصار المدوى لخصمه إلى خسائر وأسرى ويبيت المنتصر في حالة خوف ورعب مما هو قادم؟! هل هى جينات مقاتل خُلق لينتصر تحرسه تمائم الأجداد؟!
نحن أمة تمرض ولا تموت كما وصفها العبقرى الدكتور جمال حمدان، وإذا كنّا نتحدث باعتزاز عن الماضى والتاريخ فهذا لا يعنى أننا نختبئ فيه وبه من حاضرنا، أو لا نرى في أيامنا ما يدعونا للثبات والطمأنينة واليقين والثقة في أنفسنا وقادتنا.
بل العكس تمامًا لقد تم اختبار هذا الوطن "ناسه وقادته" أكثر من مرة، بل لا أبالغ إذا قلت إننا نصبح كل يوم على اختبار جديد وتحديات عظام بعضها ندركه ونعرفه ونتحدث عنه، وكثير منه يُدار بمعرفة مؤسسات لا يغفل لها جفن.
ونعود لنسأل أنفسنا مَن كان يظن ونحن نحارب المرشد وعشيرته أننا سنربح هذه المعركة، بل ومَن منّا كانت تتملكه أحلام رحيلهم من القصر الرئاسى وهم من هم في التنظيم والاستعداد والحشد بالفتوى والمال، والميليشيات التى يقودها تنظيم دولى، والدعم المعلوماتى من استخبارات عالمية خططت كثيرا لتسقط الجائزة الكبرى في (حجر الجماعة)، ومَن كان يظن أن تأتى ليس فقط لحظة تحرير الوطن من مكتب الإرشاد بل أن يتحول قادة الجماعة المتغطرسة إلى مارقين مطلوبين وهاربين للخارج تؤيهم عواصم، وهم بالأمس القريب يهددوننا (يا نحكمكم يا نقتلكم).
وتبدأ صفحة جديدة من المعركة والتى تستدعى فيها الدبلوماسية الرشيدة وسياسة التطويق والنفس الطويل والرهان على القدرة المصرية في بناء علاقات متوازنة واستراتيجية مع عواصم العالم والانفتاح على الجميع شمالًا وجنوبًا، شرقًا وغربًا، وقلبت القاهرة الطاولة وأمسكت بزمام المبادرة والفعل، فإذا بهم بين ليلة وضحاها وجهد مصرى دؤوب وتحركات مكثفة لمؤسسات مصر الأمنية والسيادية والدبلوماسية يتحولون إلى أشخاص غير مرغوب فيهم، منبوذون ومطرودون ومطاردون ليبدأوا في رحلة بحث عن ملاذ آمن جديد ينفثون منه سمومهم، وتلك معركة كبرى خاضتها مصر بصبر وإصرار وهذا درس قريب ما زالت فصوله لم تنتهِ لمَن يريد أن يقرأ كيف تجيد القاهرة إدارة الصراع دون أن يأتي هذا على حساب البناء أو ملفات الداخل.
هذا هو رهاننا، ولنعلن للعالم كله أن الجمهورية الجديدة لم تعد تعرف "الخريف"، ولا تعترف بأنه سيمر على القاهرة مرة أخرى، ولم يعد أحد فصول السنة حسب التوقيت والتقويم المصرى الجديد.