الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

"المسكين" و"شنودة" لعبا أدوارًا مهمة في تاريخ الرهبنة المصرية

الاب متى المسكين
الاب متى المسكين البابا شنودة الثالث
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا أعتقد أن هناك راهبين لعبا أدوارًا مهمة في تاريخ الرهبنة المصرية والكنيسة القبطية، مثلما قدم الأب متى المسكين، والبابا شنودة الثالث، وكلاهما يستحق دراسات موضوعية، حول تلك المشاريع، ذات الدلالة.
من «نظير جيد»، وحتى «البابا شنودة»، مرورًا بالراهب «أنطونيوس السرياني»، 58 عامًا، منها 50 عامًا من المسئولية، حيث رسم البابا كيرلس السادس، الراهب أنطونيوس السرياني، أسقفًا للتعليم عام 1962، ومنذ ذلك التاريخ، وحتى رحيله في عام 2012، هناك العديد من الأسئلة الموضوعية التى تحتاج لمزيد من الإجابات.
على سبيل المثال: «هل كان البابا شنودة يحب السلطة؟».. ولمحاولة الإجابة عن ذلك السؤال، لا بد من العودة إلى عام 1956، حينما فتح باب الترشيح للكرسى البابوي، بعد رحيل الأنبا يوساب الثالث 1956، حيث تقدم الراهب الشاب أنطونيوس السرياني، للترشح للكرسى البابوي، رغم أنه لم يكن مضى أكثر من عامين على دخوله الدير!
ترى لماذا يقوم راهب شاب، ترك العالم، ولم يكن قد تمرس بعد في الحياة الرهبانية، بالتطلع إلى أعلى رتبة وسلطة كنسية؟؛ هل كان لديه مشروع لإصلاح الكنيسة من قبل دخول الرهبنة، وذلك المشروع ما كان ليتحقق إلا بالجلوس على قمة الهرم الكنسي؟، أم أن الأمر لا يعدو أكثر من الرغبة في السلطة؟، وفى الحالتين: هل كانت الرهبنة هى السلم للوصول لتلك القمة؟.
لم يقتصر الأمر على الشاب نظير جيد (أنطونيوس السرياني) بل كان هناك مرشحون آخرون، مثل الراهب مكارى السريانى (الأنبا صموئيل) فيما بعد، والراهب متى المسكين، ووهيب عطا الله (باخوم المحرقي)، والأنبا غورغوريوس فيما بعد.
وهكذا يبدو جليًّا للعيان أن ما جمع هؤلاء الرهبان الشباب، هو الحلم في تغيير الكنيسة، عبر الصعود إلى أعلى سلم الرهبنة، حيث التأهل لقمة الهرم الكنسي، حيث مراكز صنع القرار.. أم أن الأمر هو مجرد الرغبة في الوصول للسلطة؟!، خاصة أنهم كانوا الرهبان الأوائل الحاصلين على مؤهلات عليا، في وقت كانت الرهبنة يغلب عليها الأميون أو غير المتعلمين، ولكن حينذاك أتت الرياح بما لا تشتهى السفن.
تحالف عبدالناصر الثورى في عام 1956، مع الحرس القديم في الكنيسة، ولعب المرحوم كمال رمزى أستينو (وزير التموين حينذاك)، دور الوساطة بينه وبين الأساقفة المحافظين، وفى مقدمتهم القائمقام الأنبا إثناسيوس مطران بنى سويف.. والذى رسم أسقفًا في مطلع القرن العشرين، ويمتد فكره التقليدى إلى القرن التاسع عشر.
وافق الزعيم الثورى عبدالناصر، على لائحة انتخاب البطريرك (لائحة 57)، التى تقضى بألا يقل سن المترشح عن 40 سنة، علمًا بأن ناصر كان رئيسًا للجمهورية في سن 38!!، وذلك لتحقيق رغبة الإكليروس التقليدي، لاستبعاد كل المرشحين من شباب الرهبان.
تبقى أمام الحرس الكنسى القديم من المرشحين؛ القمص متى المسكين، الذى كان يتبقى على بلوغه الأربعين شهور، فتمت إضافة بند للائحة، يقضى بأن يكون المرشح قد أمضى 15 عامًا في الحياة الرهبانية.. بذلك تم إبعاده وكان القائمقام الأنبا إثناسيوس، قد اتخذ قرارًا بعدم جواز ترشح الأساقفة والمطارنة، ولذلك ما تبقى من المرشحين صاروا خمسة قمامصة؛ هم: دنيال المحرقى وتيموثاوس المحرقى وأنجيليوس المحرقى ومينا الأنطونى ومينا البراموسى (البابا كيرلس السادس).
ويعود ذلك القرار إلى عدم جواز ترشح أساقفة للكرسى البطريركي، وفق مقررات أكبر مجمع كنسي، وهو مجمع نيقية 325 ميلادية، وذلك لأن التقليد الكنسى يعتبر أن الأسقف تزوج من (إيبارشيته)، ولا يجب أن يكون الأسقف إلا (بعلًا لامرأة واحدة)، والغريب أن البابا شنودة الذى أضير من اللائحة، وكتب ضدها في مجلة مدارس الأحد العديد من المقالات.. لكنه بعد وصوله للكرسى البابوي، دافع عن تلك اللائحة حتى الموت!
أما عن علاقة البابا شنودة الثالث بالمجموعة التى ترشحت معه عام 1956 للكرسى البابوي؟ (متى المسكين، الأنبا غورغوريوس، الأنبا صموئيل)، فالغريب أن العلاقات بينهم صارت غير طبيعية، هل يعود ذلك للتنافس على السلطة الكنسية؟، ولم يتوقف الأمر على الخلاف، بل وصل الأمر إلى حد القطيعة، مثلما حدث بين الآباء: متى المسكين وغورغوريوس والبابا، وتحالف بعضهم مع السادات في أزمة 1980.
ولم يقتصر الأمر على خلاف البابا شنودة مع أقرانه، بل بعد أن رسمه البابا كيرلس السادس، أسقفًا للتعليم عام 1962، دب بينهما الخلاف عام 1968، بسبب الكلية الإكليريكية.. فتظاهر الإكليريكيون ضد البابا كيرلس، فأبعد البابا كيرلس الأنبا شنودة إلى الدير، ثم عاد بعد وساطة الدكتور سليمان نسيم، عالم الاجتماع، ورئيس تحرير مجلة مدارس الأحد حينذاك، وتلميذ البابا كيرلس، الغريب أن البابا شنودة أبعد فيما بعد سليمان نسيم عن المجلة، وعن رئاسة قسم الاجتماع بمعهد الدراسات القبطية، وقاطعه حتى الموت!!
من السلطة الكنسية إلى السلطة السياسية
نتوقف قليلًا أمام الخلاف بين الرئيس السادات والبابا شنودة.. وكما يؤكد الكاتب الكبير حسنين هيكل، في كتابه «خريف الغضب»، فإن السادات بعد رحيل البابا كيرلس، كان يحبذ انتخاب الأنبا شنودة، خلفًا للبابا كيرلس، ويراه الأنسب!! وفى عام 1977، بعد انتفاضة 18 و19 يناير، زار السادات الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، ومدح البابا شنودة!
ترى ماذا حوّل هذه العلاقة الودية إلى الصدام؟، هل المظالم القبطية؟، البعض يرى أن المظالم القبطية كانت موجودة وتتفاعل من سيئ إلى أسوأ، ولم تتدهور العلاقة بينهما، مثلما وصلت في أحداث سبتمبر 1980.. هل يعود ذلك إلى الصراع على السلطة، كما أراد أن يصور ذلك السادات؟، علمًا بأنهما (الرئيس والبابا)، أبناء مدرسة سياسية واحدة، مدرسة الكتلة لمكرم عبيد!!
وهكذا يبدو للعيان أن أصعب الأسئلة التى تحتاج للدراسة العلمية الموضوعية، هى علاقة البابا شنودة بالسلطة الدينية والسياسية، كون البابا شخصية مؤثرة في حياة الوطن والكنيسة.
... انتهى المقال. لكن الذى لم ينته أن البابا شنودة طوال حبريته أسس مدرسة في التعليم، ورسم نحو 110 أساقف، لا يزال الكثير منهم على قيد الحياة، وصاغ العقلية القبطية لأجيال من الأقباط، ومن ثم لا يزال البابا شنودة يعيش فينا وفى الكنيسة.