الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قمة بغداد.. ماذا بعد الشام الجديد..؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يدرك الرئيس عبد الفتاح السيسى المجال الحيوى لأمته المصرية الذى حددته الجغرافيا وأكده التاريخ قبل أكثر من سبعة آلاف عام ووفقًا لوضع بلاده الداخلى تحرك بخطوات محسوبة ونذكر جميعًا أن الجزائر كانت أول وجهة لزياراته الخارجية، ومن بعدها كان اهتمامه الخاص بافريقيا حيث الجذور وانتمائنا العرقى بحسب تعبير السفير أحمد أبو الغيط أمين عام جامعة الدول العربية وبالتوازى مع ذلك كان التحالف المتين مع أشقائنا فى منطقة الخليج العربى حيث علاقات النسب والمصاهرة أيضًا بحسب تعبير السفير أبو الغيط.
قمة بغداد الأخيرة تأتى ضمن هذا السياق كله فهى تهدف إلى تأسيس محور جديد أسماه رئيس الوزراء العراقى مصطفى الكاظمى (الشام الجديد) ليربط بين العراق والأردن ومصر عبر مشروعات اقتصادية واستثمارية وتجارية تكاملية.
لم تعد شعارات القومية العربية هى كل ما يربط مصر بمجالها الحيوى فى منطقة الخليج وبوابة أمنها الشرقية فى العراق وبلاد الشام، وإنما هى المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية المتبادلة التى توثق العلاقة بين مصر وأشقائها العرب برباط متين وعملى، فكما تمثل إيران وتركيا بالنسبة لمصر قوى إقليمية منافسة فى أحسن الأحوال ومصدر تهديد لأمنها القومى كما هو الحال اليوم فهى أيضًا تمثل ذات الخطر والتهديد بالنسبة للدول العربية فى منطقة الخليج وبلاد الشام والعراق.
أهم العناوين المعلن عنها فى محور الشام الجديد مدينة صناعية مشتركة بين الدول الثلاث مصر العراق الأردن يتم تدشينها فى المنطقة الحدودية بين الأردن والعراق ومد أنبوب نفط من البصرة وحتى ميناء نويبع المصرى عبر الأراضى الأردنية، وتعظيم للاستثمار المتبادل للدول الثلاث، وطريق برى يربط القاهرة وعمان وبغداد يسهل عملية نقل العمال والطلاب بكلفة لا تتجاوز 130 دولار أى ما لا يزيد عن نحو 1700 جنيه مصرى.
الشام الجديد بحسب تعبير مصطفى الكاظمى يعتمد على الثروة النفطية العراقية والموقع الاستراتيجى للأردن والموارد البشرية المصرية وفوق ذلك تنسيق أمنى عالى المستوى وتعاون فى مكافحة الإرهاب وتبادل للخبرات فى هذا المجال وغيره.
الشام الجديد بجوانبه الاقتصادية يساعد العراق على استقلاله لفك ارتباطه تدريجيًا مع إيران التى تستخدم المليشيات التابعة لها لابتزازه اقتصاديًا وسياسيًا ويمكنه عبر الأبعاد الأمنية من مواجهة التدخلات العسكرية التركية سيما وأن الأخيرة كانت تخطط لتستحوذ على غالبية خطوط النفط العراقية لتصبح هى طريقه للتصدير.
الأمن المائى العربى أيضًا أحد أبعاد محور الشام الجديد بتأكيد العراق والأردن على دعم الموقف المصرى فى أزمة سد النهضة، بتأكيد الرئيس السيسى على دعم مصر للعراق والأردن لحماية حقوقهم المائية التى تهددها إيران وتركيا وإسرائيل.
ربما يمتد الشام الجديد ليضم لاحقًا دول أخرى مثل السعودية ولبنان ثم سوريا وفلسطين تدريجيًا بعد إيجاد تسوية سياسية عادلة لما يعانياه البلدان العربيان من فوضى واحتلال لكنه يبقى جزءًا من خارطة الشرق الأوسط المختلف الذى وقف السيسى على إعادة صياغتها اعتمادًا على بناء وحماية الدولة الوطنية العربية فى مواجهة خارطة الشرق الأوسط الجديد الذى حاولت الفوضى الخلاقة فرضها على دول المنطقة.
ورغم انكشاف الدور الإيرانى والتركى الخبيث فى تفكيك الدولة الوطنية العربية بل والعمل على استعمارها ونهب ثرواتها إلا أن بناء تحالف استراتيجى يجمع بينهما ومصر كونهم ثلاث قوى إقليمية إسلامية مازال من الملعوم بالضرورة فى خطاب بعض القوى اليسارية والقومية، وثابت من ثوابت الأمة عند أشد القابضين على إرث الحقبة الناصرية خاصة أولئك الذين اصطفوا إلى جانب جماعة الإخوان الإرهابية فى منتصف تسعينيات القرن الماضى ليدشنوا ما عرف حينها بالتيار القومى الإسلامى وانخرطوا معها فى تحالف غير متكافئ فى سياق مناهضتهم لنظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك.
وإذا كان من الممكن تفهّم ذلك التوجه باعتباره نوعًا من الانتهازية الرخيصة والساذجة فى سياق سعى تلك القوى اليسارية والناصرية لمناطحة نظام مبارك (مع ملاحظة تخليها عن أحد ثوابت الرئيس جمال عبدالناصر ممثلة فى ضرورة محاربة ومواجهة تنظيم الإخوان وأفكاره) إلا أنه لم يعد من المفهوم احتفاظ بعض تلك القوى بذات التوجه بعد انكشاف الدور الخبيث الذى تلعبه إيران وتركيا؛ وإن كان هذا الأمر مفهومًا ومبررًا بالنسبة لبعض حركات وتنظيمات اليسار الرديكالى -ومنها تنظيم الاشتراكيين الثوريين- التى استمرت علاقتها المشبوهة بالتنظيم الإرهابى واصطفت معه ضد ثورة الثلاثين من يونيو إضافة إلى بعض المدعين بالإنتماء إلى التيار الليبرالى أمثال الإرهابى الهارب أيمن نور.
للأسف مثلّت تلك القوى برموزها خلال العقود الثلاثة الماضية النخبة السياسية والثقافية والإعلامية ومن حيث لا يدرى بعضها قدم خدمات جليلة لتنظيم الإخوان الإرهابى ومن الصعب إن لم يكن من المستحيل أن تجد أحد رموزها ينتقد الدور الإيرانى والتركى المتآمر على المنطقة العربية لذلك كان من الطبيعى أن تخفت تلك الأصوات وتفقد بريقها ففيما تظل قابضة على جمر الأفكار البالية تغير وعى المجتمع وتبدلت إتجاهات الرأى العام مع ما لاحظه من تطورات وأحداث كشفت له حقيقة وطبيعة الصراع فى الشرق الأوسط.
تفرض الجغرافيا دائمًا قواعد اللعبة التى يسرى على أساسها التاريخ، ومن ثم تحدد وبشكل طبيعى طبيعة وشكل الصراع والتنافس علاوة على أطرافه، ودون الاستغراق فى حوادث التاريخ كانت مصر وإيران وتركيا ومنذ حقب بعيدة فى تنافس وصراع دائم على النفوذ والمجال الحيوى للأمن القومى.
بعبارة أبسط وبالتطبيق على أرض الواقع لا يمكن القول أن ترك إيران ترتع فى العراق واليمن وتمد نفوذها السياسى والعسكرى والاقتصادى داخل منطقة الخليج دون أن يكون ذلك يمثل خطرًا مباشرًا على الأمن القومى المصرى فحتى إذا لم يكن ذلك الخطر باديًا لك فى هذه اللحظة إلا أنه سرعان ما سيصدمك إذا حدث وتمكنت إيران من مجالك الحيوى فى منطقة الخليج العربى؛ لهذا كانت العبارة الشهيرة للرئيس عبد الفتاح السيسى (مسافة السكة).
وحتى لا تظن عزيزى القارئ أن الأمر مذهبى كون إيران دولة شيعية فإن ما تمثله من صراع وتنافس مع الدولة المصرية تمثله أيضًا تركيا الدولة السنية، فمن ثوابت الدولة المصرية مذ تأسست قبل سبعة آلاف عام تمثل مناطق بلاد الشام والعراق حدود أمنها القومى ودائمًا كان ملوك مصر القديمة يتحركون بجيوشهم إلى أقصى نقطة فى شمال تلك المناطق حماية للبوابة الشرقية رغم أن حدودنا الدولية المعروفة اليوم فى شبه جزيرة سيناء هى المتعارف عليها منذ قدم التاريخ.
أى أن الاحتلال التركى لبعض مناطق الشمال السورى وتدخلاتها العسكرية السافرة فى شمال العراق وتواجدها بقاعدة عسكرية هناك يشكل تهديدًا وخطرًا مباشرًا على الأمن القومى المصرى.