الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

محاكمة الأموات .. فى إسرائيل.. أنت أسيرًا حتى بعد الموت .. "البوابة نيوز" تفتح ملف مقابر الأرقام

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

* «البوابة نيوز» ترصد قضية أقدم جثمان محتجز فى مقابر الأرقام الصهيونية

* باحث في شئون الأسرى: الاحتلال يتحدى القانون الدولى

* أزهار أبو سرور.. سنوات من محاولات تحرير جثمان ابنها

قد تظن أن بالموت يتحرر الإنسان ولكن عند الاحتلال فالأمر هنا يختلف، فـ "مقابر الأرقام " هى سجون أعدها الاحتلال خصيصا لجثث الأسرى والشهداء فى عمليات المقاومة لتصبح إحدى أهم ورقات المساومة التى يستخدمها دوما مع أهالى الشهداء والأسرى ضاربا بحرمة الموتى عرض الحائط.


ما هى مقابر الأرقام؟

هى عبارة عن حفر متراصة لا يزيد عمق الواحدة منها عن ٥٠ سم، لا شواهد عليها سوى فقط لوح معدنى فوق كل قبر مدون عليها رقما وليس اسما، فلا يعرف هوية الشخص سوى الاحتلال الذى يمتلك ملفا يحوى بداخله بيانات الشخص تحت عنوان "سرية للغاية " لا يعرف عنها أحد شيئا سوى " جيش الاحتلال " ليصبح الشهيد مجرد رقم، وظل هذا النوع من المقابر مجهولا حتى وقت قريب تم الكشف فيه عن أربعة فقط ليبقى الباقى فى طى الكتمان.

المقابر المجاورة لجسر "بنات يعقوب" والتى تقع فى إحدى المناطق العسكرية عند الحدود الإسرائيلية السورية اللبنانية، وتضم تلك المقبرة ما يقرب من ٥٠٠ قبر لشهداء فلسطينيين ولبنانيين غالبيتهم ممن سقطوا فى حرب ١٩٨٢.

أما الثانية فتلك الواقعة فى المنطقة العسكرية المغلقة بين أريحا وجسر دامية فى غور الأردن، ومدون على مدخلها بالعبرية " مقبرة ضحايا العدو " وتحتوى بداخلها أكثر من ١٠٠ قبر، وتحمل هذه القبور أرقاما من ٥٠٠٣ إلى ٥١٠٧.والثالثة وتقع أيضا فى غور الأردن ويطلق عليها " مقبرة ريفيديم " والرابعة هى مقبرة " شحيطة " والتى تقع فى قرية وادى الحمام شمال مدينة طبريا الواقعة بين جبل أربيل وبحيرة طبريا.

وغالبية الجثامين فيها لشهداء معارك منطقة الأغوار بين عامى ١٩٦٥ – ١٩٧٥.

وما يثير مشاعر الأهالى كون هذه المقابر عبارة عن مدافن رملية قليلة العمق، ما يعرضها للانجراف، فتظهر الجثامين منها، لتصبح عرضة لنهش الكلاب الضالة.

وغير معروف حتى الآن ما إذا كانت هذه الأرقام هى تسلسلية ومرتبطه ببعضها البعض أم كما تدعى إسرائيل بأنها مجرد إشارات ورموز إدارية لا تعكس العدد الحقيقى للجثث المحتجزة فى مقابر أخرى.


التفاوض على الجثث

" البعض يطالب بإحراقها، والبعض الآخر يناقش ضرورة إعادتهم، وفى هذه الأثناء تحتفظ بها الدولة كورقة مساومة فى مقابر خاصة لكنها لا تتعامل معهم " تلك كانت مقدمة تقرير موسع نشرته جريدة معاريف - التابعة للاحتلال - ناقشت فيه قضية مقابر الأرقام من وجهات نظر الاحتلال بمختلف فئاته السياسية والدينية.

وبحسب التقرير والذى نشر عام ٢٠١٤ فإن الاحتلال أكد وللمرة الأولى أنه يستخدم جثث الفدائيين فى المفاوضات لإعادة المخطوفين، كما وأكدت المحامية سيجال بن آرى من مركز الدفاع عن الفرد " هموكيد " أنه" عندما تم أسر الجندى الإسرائيلى جلعاد شليط لم توافق الدولة على إعادة جثث الفدائيين من أجل أن تتمكن من إجراء المفاوضات لإعادته.

فيما وصف أورى أور - كان مسئولا عن هذه المقابر بصفته القائد الأعلى ان ذاك - أن ما تفعله إسرائيل بشأن الاحتفاظ بالجثث هو أمر صحيح، وأضاف أن " إسرائيل تتصرف بطريقة صحيحة، عندما تحتفظ بجثث المخربين لأنّها تستخدمها من أجل هدف عادل هو إعادة جنودنا، وقال: إذا كان الفلسطينيون يستغلون جثثنا من أجل المفاوضات فلماذا لا نفعل ذلك؟ هذا أمر خذ وهات.


صفقة شاليط

فى عام ٢٠١١ أعاد الاحتلال ٩٠ جثة من مقابر الأرقام كدفعة أولى، قبل أن تبدأ المرحلة الثانية بتسليم فلسطين ١٠٢٧ أسيرا مقابل أن تسلم حماس الجندى الصهيونى على قيد الحياة.


عملية الرضوان

فى السادس عشر من يوليو ٢٠٠٨ استطاع حزب الله بعد سلسلة من المفاوضات مع الاحتلال أن يتوصلوا لاتفاق يقوم فيه حزب الله بإعادة جثتى "إيهود غولدفاسر وإلداد ريغف" مقابل الإفراج عن عميد الأسرى آن ذاك سمير القنطار و٤ أسـرى لبنانيين "خضر زيدان، ماهر كوراني، محمد سرور، وحسين سليمان"إضافة إلى فك أسر رفات ١٩٩ مقاوما لبنانيا وفلسطينيا وعربيا كانت جثامينهم محتجزة فى مقابر الأرقام داخل إسرائيل.

وكان حزب الله قد أسر جنديين إسرائيليين فى الثانى عشر من يوليو ٢٠٠٦ وهما إيهود غولدفاسر وألداد ريغيف اللذين لم يعرف مصيرهما المجهول منذ أسرهما إلا لحظة تسليمهما إلى الصليب الأحمر الدولى.


بادرة حسن النية

وتحت عنوان " بادرة حسن النية " أعلن الاحتلال فى يونيو ٢٠١٢ إعادة ٩١ جثة من مقابر الأرقام كمساومة مع السلطة الفلسطينية لإحياء مفاوضات السلام من جديد، وهو ما رفضه محمود عباس رئيس السلطة بعد تسلم الجثامين مؤكدا أن لا سلام إلا بعد تجميد إسرائيل عمليات الاستيطان والعودة لما قبل يونيو ٧٦.


تفاهمات أخرى

فى نوفمبر ٢٠١٣ أعيدت ٦ جثث، ٣ منها لعرب إسرائيليين. وبين يناير وأبريل ٢٠١٤ أعيدت للفلسطينيين ٣٦ جثة منها جثث عز الدين المصرى الذى فجر نفسه فى ٢٠٠١ فى مطعم سبارو فى القدس، وجثتى الأخوين عماد وعادل عوض الله، رئيسى الذراع العسكرية لحماس اللذين قتلا فى الخليل، وقد تم الاحتفاظ بجثتيهما فترة قياسية هى ١٦ عاما. وفى أغسطس ٢٠١٤ قالت محطة «الميادين» اللبنانية إن إسرائيل اقترحت تسليم ١٥ أسيرا و٨ جثث مقابل جثث هدار غولدن وأورون شاؤول.


إهمال متعمد

أكدت العديد من المنظمات المعنية بحقوق الإنسان أنه لا يوجد أى وسائل حماية للمقابر، وهو ما يجعلها عرضة للخطر، وبحسب جريدة معاريف العبرية فإنه وفي صيف ٢٠١١، دار جدل عام حول إعادة الجثث إلى الفلسطينيين. وطالب الفلسطينيون بإعادة ١٧٠ جثة مدفونة فى إسرائيل، لكنهم لم يقدموا قائمة بالأسماء، وأعرب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع إيهود باراك عن موافقتهما آنذاك، وكانت المقبرة فى وادى الأردن مليئة بالشهداء إلا أن ظروف المنطقة السيئة تسببت فى تفكك الجثث، وأرادت الحكومة التخلص منها قبل أن تزداد حالتها سوءا.

وافق جهاز الأمن العام على إعادة جثث شهداء تابعين لحركة فتح، وتعرف الجيش على ٨٤ جثة من بين ١٧٠ وبعد الانتقادات العلنية، جمد باراك نقل الجثث، لكنه حذر من سوء مصيرها وقال "الجثث فى مقبرة ميدانية حيث تختفى وقريبا لن يكون هناك شىء للتحرك".

وتحت عنوان " جثث ممنوعة " نشر الباحث فى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية يحزقيل لاين أنه فى إسرائيل لا وجود حرمة لأموات غير اليهود، وبحسب ما ذكره الباحث فإنه ما بين عام ١٩٦٧ إلى ١٩٩٤ لم تكن هناك سياسة منهجية فيما يتعلق بإعادة جثث الفدائيين لعائلاتهم.

عيسى عبد مسلم زواهرة والذي استشهد فى فبراير من العام ١٩٩٠ كان أكثر الحالات شهرة فى مقابر الأرقام، فى البداية أعلن الاحتلال لعائلته أنه غير موجود فى إسرائيل،لتعلن بعدها أن زواهرة مدفون فى مقبرة بالقرب من جسر بنات يعقوب.

وبعد فتح المقبرة لم يتمكن أحد من التعرف على الجثة فبحسب تقارير الاحتلال كان يفترض أن يكون زواهرة مدفونا في قبر رقمه ٢٤٥ وكان يضم جثتان اما القبر ٢٤٤ كان فارغا.

النيابة الإسرائيليّة زعمت أن إجراءات الدفن كانت جيدة، ولكنها اعترفت أنه بسبب تحرك الجثث لا يمكن إيجاد جثة زواهرة، ولا داعى لإعادة فتح القبور.

وفى يوليو ١٩٩٨ تبين من خلال فحص DNA أن أى الجثث الموجودة فى القبرين ٢٤٥ و٢٤٤ لا تعود لزواهرة، وقد انتقد التقرير بشدة الإهمال فى توثيق والحفاظ على الجثث.

وتدعي سلطة الاحتلال دوما أنها تأخذ قرارها القانونى من البند ١٣٣ (٣) لأنظمة الدفاع فى أوقات الطوارئ والتى تنص على " رغم كل ما هو وارد فى أى قانون يسمح للمسئول العسكرى أن يصدر أمرا بدفن جثمان أى شخص فى أى مكان يرتئيه، يجوز للمسئول العسكرى، كما يسمح له بموجب الأمر نفسه أن يقرر من يدفن ذلك الجثمان وفى أية ساعة يتم دفنه.


2012

تم إعادة ٩١ جثة من مقابر الأرقام كمساومة مع السلطة الفلسطينية لإحياء مفاوضات السلام من جديد، وهو ما رفضه محمود عباس رئيس السلطة بعد تسلم الجثامين

أكد عبد الناصر فروانة المختص في شئون الأسرى أن إصرار الاحتلال على مقابر الأرقام هو تحد صارخ للقانون الدولى وفى ظل غياب الموقف الدولى واعتبر فروانة، أن مصادقة "الكابينت"، على مقترح احتجاز كافة جثامين الشهداء، يعنى أن الجريمة مستمرة وأعداد الجثامين المحتجزة لدى الاحتلال سترتفع.

وأوضح فروانة فى تصريحات له بأن ذا السلوك الشاذ إتخذته إسرائيل كسياسة ثابتة منذ العام ٦٧، وقال: إن "دولة تخاف الشهداء بعد موتهم، وتخاف الأموات فى قبورهم وتحت التراب، لا يمكن أن تهزم شعبا ما زال يُقاوم المحتل، ويقدم الشهداء والأسرى على مذابح الحرية".

وتابع "إن احتجاز جثامين الشهداء منذ العام ١٩٦٧ لم يدفع الشعب الفلسطينى إلى التخلى عن حقوقه ووقف مسيرته النضالية".

وذكر فروانة أن "من حق العائلات أن يلقوا على أبنائهم الشهداء نظرة الوداع الأخيرة، وأن يدفنوهم فى مقابر مؤهلة لذلك ووفقًا للشريعة الإسلامية، هذا حقهم وهذا ما ينص عليه القانون الدولى".

وأضاف "لذا وجب علينا تكثيف العمل ومضاعفة الجهد لفضح القرار الإسرائيلى وسياسة احتجاز الجثامين، والتحرك الجاد على المستويين السياسى والقانونى من أجل الإفراج عن الأسرى من سجون المقابر".

وطالب فروانة فصائل المقاومة الفلسطينية بإدراج هذا المطلب ضمن أي صفقة تبادل مقبلة، "من دون أن يكون ذلك على حساب الأسرى الأحياء، فالأولوية وبدون شك للأسرى الأحياء".


أزهار أبو سرور.. سنوات من محاولات تحرير جثمان ابنها

جهزت قبره منذ استشهاده على أمل تحرير جثمانه.. و«عبد الحميد» أقدم رفات محتجز فى مقابر الأرقام منذ 2015

بين الماضى والحاضر وقفت أزهار أبو سرور تتذكر لحظات استشهاد والدها وهى تقف الآن تنظر على ما تبقى من جسد ابنها الذى حمل نفس اسم جده " عبد الحميد "، أزهار تلك التى ذاقت ألم الفراق وحلاوة الفخر مرتين، لا زالت منذ سنوات تجاهد لاستعادة جثمان ابنها من مقابر الأرقام.

تقول أبو سرور فى حديث خاص للبوابة " حين علمت بالخبر تذكرت والدى حين أستشهد فى سوريا أثر غارة إسرائيلية عام ١٩٨١ على مواقع الثورة الفلسطينية فى لبنان، كان وقع الصدمة علينا كبير رغم فخرنا بشهادته ".

لم تكن أزهار تعلم حين ولدت ابنها البكر وحملته اسم والدها أنه سيحمل أيضا نفس المصير بفروق بسيطة مختلفة، فذاك الحفيد والذى سار على درب جده استشهد إثر عملية قام بها فى عام ٢٠١٦ وتم احتجاز جثمانه فى مقابر الأرقام حتى اليوم.


تفاصيل العملية

خرج أبو سرور مودعا أهله دون أن يخبرهم بأى شىء، وتمكن من اجتياز عشرات الحواجز ونقاط التفتيش الصهيونية، والتجول فى شوارع المدينة القدس المحتلة قبل الوصول للحافلة المستهدفة، وفى مساء يوم الإثنين ١٨/٤/٢٠١٦ صعد إلى إحدى الحافلات التابعة لشركة إيجد الصهيونية، والتى تحمل الرقم "١٢"، وتمكن من زرع عبوة ناسفة محلية الصنع، فر القسم الخلفى من الحافلة.

وتسبب الانفجار فى إصابة ٢١ صهيونيًا وصفت جراح اثنين منهم بالبالغة و٧ متوسطة، كما أدى الانفجار لاحتراق الحافلة بالكامل، وإصابة حافلة أخرى ومركبة خصوصية كانتا فى المكان.

وزعمت مصادر صهيونية أن العبوة التى زرعها الاستشهادي انفجرت نتيجة خلل فنى، فيما كان من المقرر زرع العبوة ثم انسحاب الاستشهادى.

ويعتبر الشهيد عبد الحميد - ١٩ عاما - أقدم شهيد فلسطينى محتجزا بمقابر الأرقام منذ اندلاع هبة القدس فى نوفمبر عام ٢٠١٥.

بالحناء والورد اعتادت أبو سرور أن ترش قبر ابنها الذى بنته منذ سنوات على أمل اليوم الذى تنتصر فيها وتقتنص إبنها من مقابر الأرقام لتريحه فى قبره بين أفراد عائلته، طرقت أزهار ابواب كل المؤسسات المحلية والدولية وأروقة المحاكم والقضاء فى محاولات عدة لتحرير جسد ابنها ولكن حتى الآن لا فائدة كما وصفت لنا، تقول أزهار عن البدايات " منذ وقت الحادث لم نكن نعرف أى شىء عن مكان جثمانه الا بعد مرور عام أى فى ٢٠١٧ علمنا وقتها أن الجثمان نقل إلى مقابر الأرقام، وتقدمت بشكل مباشر للحصول على قرار الدفن، وهو ما حصل بعد ١٠ شهور، حيث حصلت على إشعار بالدفن مع ثلاثة شهداء آخرين".

وتابعت سرور أن التقرير الطبى الذى استطاعت الحصول عليه مدون فيه كل التفاصيل حتى رقم سيارة الإسعاف التى نقلت ابنها للمشفى بعد حدوث العملية، ووصوله إلى معهد أبو كبير أشلاء موزعة فى ثلاثة أكياس تمت مطابقتها، لتعرف وقتها أن ابنها يرقد فى مقبرة " عامى عاد ".

ورغم قرار الدفن والذى حصلت عليه فى يوليو ٢٠١٧ إلا أنه وحتى اليوم لم توافق سلطات الاحتلال على تسليمها الجثمان، وتؤكد أزهار أن المعركة وصلت لطريق مسدود، فالاحتلال لن يعيد أى جثامين لأنه يستخدها دوما كأوراق ضغط سياسية.

ورغم كل ما تعانيه أزهار فى رحلة البحث، أعدت أزهار قبرا صغيرا فارغا لابنها تزوره دوما وتعتنى به على أمل اللقاء واستلام جثمان ابنها ودفنه فى ذاك القبر الصغير، وتضيف أبو سرور: "نجد أنفسنا كل عيد نساق إلى مقبرة الشهداء فى المخيم، لنزور قبره الفارغ، وكلنا أمل بأن هذا القبر سيحتضن جسده قبل العيد القادم، وسنقيم له عرسا بزفافه شهيدا عندما يعود الغالى لوطنه لتحتضنه أرضه التى أحب، وقتل من أجلها".