السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أزمة الهوية الدينية في الحرب على الإرهاب (3)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا شك أن الدين يُعَدُ جزءًا لا يتجزأ من السلوك الاجتماعي، ويُنظر إليه باعتباره مجموعة من المعتقدات والشعائر، والثواب والعقاب التي تؤثر على أشكال ودرجات ومستويات الوعي الفردي والجماعي. وتُعتبر الهوية الدينية مجموعة العقائد والمبادئ والخصائص والمميزات التي تجعل أمةً ما تشعر بمغايرتها للأمم الأخرى. وتعتبر الهوية الدينية غير مستقرة، بحيث تتغير وتتطور عبر مراحل مختلفة من النمو المعرفي متأثرةً بعامليْن: عامل النضج الذاتي، وعامل البيئة الاجتماعي. وهذا ما يعبر عنه الحديث النبوي والكتب المقدسة وكتب التفسير، ورموز وقيادات الدين، والمؤسسات الدينية، والإعلام الديني بمختلف أنماطه، والمؤسسات التعليمية. 
وتحظى دراسة الخطاب الديني الإلكتروني بأهمية كبيرة لدى الباحثين، كونه لا يخضع لرقابة مؤسسية علمية وأخلاقية واضحة، ولعب دورًا في تصعيد خطاب متشدد ومتطرف بفضل الفتاوى والتشريعات والآراء الدينية الخاضعة لمصالح الأفراد أو جماعاتِ الإسلام السياسي، في بيئةٍ تسمح بنشر التطرف كأية سلعة رقمية؛ حيث تتيح الإنترنت للأجيال المتعلمة فرصة البحث عن "حقائق" وانتماءات محددة عبر الإنترنت، خاصةً عندما يتعذر الوصول إليها في سياق المسجد أو المجتمع المحلي. وفي الوقت الذي يضمن فيه الخطاب الديني الإلكتروني التعددية الحتمية لتفسير الإسلام ونمو الهويات التأويلية، يظل التحدي هو إيجادُ صوتٍ موحد لخطابٍ إسلامي يحمل تفسيراتٍ صحيحة. 

إن استغلال الجماعات الإرهابية للإنترنت ومواقع الإعلام الاجتماعي، ونشر أفكارها وتصوراتها، واستدراج وتجنيد الشباب أفرز ما أطلق عليه البعض "الهويات القاتلة"، التي تقوم على مفهوم سياسي، ويعكس هذا التوصيف نظرة الحركات الأصولية المتشددة إلى ذاتها داخل الجماعة بوصفها مجموعة سياسية تمثل الإسلام السياسي مثل "القاعدة" أو "داعش". ومن ثم فإن من يقع خارج الجماعة فهو الآخر المحكوم عليه بالتكفير بمقياس تلك الجماعات من المخالفين من اليهود والمسيحيين والرافضة من المسلمين ورجال الشرطة والجيش، فالجماعة التكفيرية تتعامل معهم بوصفهم أعداءً لا بد من قتلهم. ويقدم أمين معلوف تصورًا مهمًا للتعامل مع الهويات الدينية المتطرفة وهو ترويض تلك الهويات، والابتعاد عن الاضطهاد، لما للأمر من تأثيرات سلبية تحفيزية للكراهية والتطرف. فهناك حاجة إلى إزالة الاحتباس الديني، وإزالة مسبباته السياسية التي تستثمر الدين من أجل تعميق الهوة وتشجيع الكراهية.

إن تجديد الخطاب الديني يمثل الإسلام التجديدي الذي نادى به محمد عبده وتلاميذه ومحمد إقبال في الهند، حيث يقول إقبال "أرى أن القول بإعادة تفسير الأحكام الشرعية الأساسية في ضوء الشروط المختلفة للحياة الحديثة قول مبرر تماما، فالقرآن الكريم يعلمنا أن الحياة خلق دائم. ويعلق غارودي على هذا القول: "إن الخطأ الأساسي والقاتل لمستقبل الإسلام هو بالضبط أن يرفض مبدأ الحركة هذا، وبذلك يغدو عاجزًا عن إعداد مشروع مستقبلي لحل مشكلات زمنه".

ويتمثل مجتمع الدراسة المهمة التي أعدها د. محمد جاد المولى حافظ عويس أستاذ الإعلام المساعد بجامعة بنها في الصحف الإلكترونية المصرية، ونظرًا لما تفترضه طبيعة الدراسة من رصد مجمل توجهات ومسارات الصحف الإلكترونية، فقد تم تحديد العينة البحثية في المواقع الإلكترونية لصحف "الأهرام" و"الوفد" و"الوطن"، وقد تم تحليل المحتوى الديني لهذه الصحف الإلكترونية خلال شهريْ يناير وفبراير 2019، حيث شهدت هذه الفترة تصاعد حدة التفجيرات الإرهابية، مثل: حادث تفجير كنيسة العذراء بمدينة نصر، وحادث تفجير مسجد الاستقامة بالجيزة، وحادث تفجير الدرب الأحمر، بالإضافة إلى افتتاح مسجد الفتاح العليم، وكنيسة القديسين بالعاصمة الإدارية الجديدة، وتشكيل المجلس الأعلى لمواجهة الأحداث الطائفية، وتزامن هذه الأحداث مع احتفال الدولة بذكرى عيد الشرطة المصرية وثورة 25 يناير.
وأظهرت نتائج تحليل خطاب الصحف الإلكترونية بشأن سمات وعناصر الهوية الدينية تباين توزيع أطروحات الخطاب على فئات التحليل، وهو ما يعكس مجالات اهتمام الخطاب الصحفي وارتباط إنتاج أطروحاته بأحداث إرهابية تستغرق فترة زمنية محددة، حيث يوجد اتفاق الصحف الإلكترونية الثلاث فيما يتعلق بالمجال الخاص برصد وتوصيف الأوضاع الراهنة للهوية الدينية وبيان مظاهر أزمتها وارتباطها بالحرب على الإرهاب، وحظى بالنسبة الأكبر من الأطروحات في الأهرام (39.4%)، الوفد ( 39.8%)، الوطن (38.8%) من إجمالي أطروحات خطاب الهوية الدينية بالصحف الثلاث، ويؤشر ذلك على إسهاب خطاب الصحف الثلاث في بيان ملامح وسمات أزمة الهوية وارتباطها بالتفجيرات الإرهابية للجماعات الإرهابية على حساب البحث عن العوامل والمسببات المسئولة عن أزمة الهوية الدينية التي جاءت بنسب منخفضة بالصحف الثلاث كالتالي الأهرام (27.5%)، الوفد (27%)، الوطن (29%)، في حين جاءت أطروحات سبل الحل لأزمة الهوية الدينية في المرتبة الثانية بالصحف الثلاث الأهرام (33.1%)، الوفد (33.2%)، الوطن (32.2%).
وفي الأسبوع المقبل نقدم عرضًا مهمًا لتحليل خطاب الهوية الدينية، استكمالًا لعرض نتائج الدراسة.