السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الأنبا بطرس فهيم يكتب: الخوف أساس العنف

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الخوف والعنف هما شعوران متلازمان دائما تلازم المقدمات والنتائج. العنف له أشكال كثيرة في حياتنا، فهناك العنف الإيجابي وهذا ما يعبر عنه بالكلام أو بالأفعال وبالمواقف. والعنف غالبا مدمر، وهناك عنف سلبي وهو ما يعبر عنه بالصمت الرافض، أو باللامبالاة والسلبية، وهو أيضا إن لم يكن مدمرا فهو مخرب أو مؤذٍ، وفي كل الأحول ليس بناء ولا مثمرا.
وإذا تحرينا عن سبب العنف فينا أو من حولنا سنجد أن سببه وأساسه هو الخوف الكامن فينا والذي يسيطر علينا، وعينا به أو لم نع. لذلك لكي نجد مفتاحا لفهم العنف لنبحث عن الخوف، ولكي نعالج عنفنا ونتخلص منه يجب أن نفهم ونعالج خوفنا، وساعتها سيذوب ويتبخر العنف تلقائيا.
العنف هو طريقة التعبير الصارخة التي تعبر عن خوفنا من شيء ما، أو من شخص ما، أو من خبرة ما، أو من فكرة ما. خوف من الألم، خوف من الإهانة والجرح، خوف من الفشل، خوف من العزلة والوحدة، خوف من الفقر، خوف من المرض، خوف من الموت ... إلخ. تتعدد أنواع وأسباب الخوف، والنتيجة للخوف واحدة هي العنف.
ولذلك مهم جدا أن نكتشف أسباب عنفنا، وهي خوفنا، وأسباب خوفنا وهي كثيرة، لنتحرر من العنف والخوف معا. من المخاوف ما هو دفين فينا ويعمل كأساس لردود أفعال سلبية أو عنيفة في كثير من الأحيان يصعب علينا تفسيرها، ولكن إن عدنا إلى جذورها سنكتشف السبب. وقد نحتاج إلى أحد المتخصصين أو الخبراء ليساعدونا على هذه المسيرة نحو كشف ما هو كامن فينا ويؤذينا دون أن ندري، ويرافقوننا في مسيرة شفاء وتحرر ونمو لنصل إلى أفضل ما فينا، ونتصرف بشكل متوازن، وتكون سلوكياتنا سوية.
وحين تدخل أطراف أخرى على خط حياتنا لتساومنا على حياتنا وسلامنا، فتدخل معادلة الأمن في مقابل الحرية، وكأنه لابد لك أن تفقد احدى عينيك أو احدى رئتيك، فتختار بينهما، يكون الوضع أسوأ. وهذه الأطراف قد لا تعي أن الحرية هي القيمة التي تعطي الأمن أو العنف معناه، وهي التي تعطي قوة في مواجهة أي ضغوط وتحديات في الحياة. فمتى تحرر القلب والعقل، استرد الإنسان كرامته، واستطاع أن يميز طريقه، وعرف كيف يقول كلمته، وصار قادرا على إن يحدد موقفه. فلا يتعلق بشيء ولا بشخص ولا بعمل ولا بقيمة تستطيع أن تنقص من وعيه بالحياة وتأسره بعيدا عن آفاق الحياة الباطنية التي هي أعمق وأغلى من كل حريات الاختيار التي تعرضها ظروف الحياة وتقلباتها اليومية.
الأمن والأمان هي حاجة ضرورية للإنسان. وهي القاعدة المستقرة التي يبني عليها الإنسان حياته، وتنطلق منها كل أفكاره وسلوكه وتصرفاته. هي حاجة إنسانية باطنية عميقة ومؤثرة جدا، وقد يجدها الإنسان في علاقاته الأسرية أو في صداقاته الأساسية، وإن لم يجدها في هذه العلاقات فإنه يبحث عنها في مواقع وسلطات وظيفية، أو في مكانة علمية، أو في مغامرات عاطفية، أو في بطولات رياضية، أو في حسابات بنكية، أو في تسليات وقتية ... إلخ، وكلها وسائل تعويضية. ولكن الإنسان سريعا ما يكتشف أن كل هذه الأمور تعطي أمنا وأمانا هشا مزيفا سريع الزوال. فكل ما هو نسبي يعطي أمانا نسبيا. أما المطلق فيعطي أمانا مطلقا، حتى وإن كانت نسبة مطلقيته تتأثر بالإنسان المتلقي الذي هو بطبيعته نسبي. لذلك فالمؤمن يجد أمانه في الله وحده، فهو وهو وحده مصدر الأمن والأمان الحقيقي، مهما اهتزت كل الأسس والمواقع والمواقف والظروف من حولنا، يظل الله هو المصدر الأساسي للأمن والأمان لكل قلب ولكل عقل ولكل شخص ولكل شعب. فالله هو السلام وهو صانع السلام وصاحب السلام ومعط السلام. لذلك يقول الكتاب: "لا سلام للأشرار يقول الرب" (أشعيا 48 : 22 و 57 : 21)، وفي مكان آخر قال: "إن لم تؤمنوا فلا تأمنوا" (أشعيا 7 : 9). كما أن المحبة الكاملة هي أساس الأمان لأنها تطرح الخوف خارجا كما قال القديس يوحنا في رسالته الأولى "لا خوف في المحبة، بل المحبة الكاملة تنفي كل خوف، لأن الخوف هو من العقاب، ولا يخاف من كان كاملا في المحبة" (1 يوحنا 4 : 18). فإذا عرفنا كيف نبني، بنعمة الله، علاقة محبة حقيقية معه استطعنا أن ننال ما نحتاجه من أمان وسلام، وبالتالي ذهب الخوف، وتلاشى العنف وصرنا ننعم بالسلام، بل أصبحنا صانعي سلام، و"طوبى لصانعي السلام، فإنهم أبناء الله يدعون" (متى 5 : 9).