الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الروم الأرثوذكس تحتفل بتذكار مريم المصرية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحتفل اليوم كنيسة الروم الارثوذوكس بتذكار القديسة مريم المصرية والتي لقبت باسم البارة.
القديسة مريم هي مصريّة، عاشت في الإسكندريّة، بعد أن تركت والديها وهي في سن الثانية عشرة. أسلمت نفسها للدّعارة. وعاشت حياة إباحيّة عارمة ولم يكن ذلك ابتغاءً للربح، بل عشقًا للفجور. عاشت على الحسنات، وكانت تستعطي، وأحيانًا تعمل في غزل الكتّان. كانت ذات رغبة جامحةٍ وشوقٍ لا يكبح للتمرّغ في النجاسة.
ابتغاء امتلاك عشّاق جدد، وإرضاءً للشّهوة، هاجرت مريم إلى أورشليم، مع مجموعةٍ من الحجّاج الذاهبين إلى أورشليم لرفع الصليب المحيي. وفي أثناء الرحلة، أغوت الكثير من الشباب والرجال، فكانوا ضحيّة نجاستها.
ولمّا حلَّ اليوم المقدَّس لرفع الصليب، وفيما كانت مريم ناشطة في اصطياد الشبّان، لاحظت أن الجميع يتسارعون إلى الكنيسة فانضمّت إليهم. فلمّا دنت ساعة رفع الصليب المقدّس حاولت أن تشقّ طريقها عبر أبواب الكنيسة إلى الداخل كبقيّة الناس. وبصعوبة تمكّنت من حشر نفسها بينهم حيث كادت أن تبلغ مدخل الكنيسة من حيث كان عود الصليب المحيي يبان للعيون. لكن ما إن وطئت عتبة الباب حتّى شعرت بقوّة حالت دون دخولها. الكلّ كانوا يدخلون إلا هي. حاولت الدخول من جديد لكن عبثًا. بدت غير مرغوب فيها.
بعد عدّة محاولات، لم تجد مريم طريقًا يوصلها إلى الدّاخل، فوقفت في إحدى زوايا الرواق. فقط، إذ ذاك، وبصعوبة فائقة، فطنت إلى السبب الذي حال دون السّماح لها برؤية الصليب المحيي. فقد لمست كلمة الخلاص، برفق، عينيّ قلبها وكشفت لها أنّ حياتها الدنسة هي التي منعتها من الدخول. أخذت تبكي وتنتحب وتتنهَّد من أعماق قلبها. وإذ رفعت رأسها قليلًا، وقع نظرها على أيقونة والدة الإله الكليّة القداسة، فتحوّلت إليها قائلةً: "أيّتها السّيّدة، والدة الإله، يا من ولدت بالجسد الإله الكلمة، أنا أعرف، وأعرف جيّدًا، إنّه لا يشرِّفك أن يرفع إنسان فاسد، عينيه إلى أيقونتك، يا دائمة البتوليّة، يا من حَفِظَتْ جسدها ونفسها نقيّين. إنّي لَعَنْ حقّ أقرف من نفسي تجاه نقاوتك العذراويّة. لكنّي سمعت أنّ الله الذي ولد منك. إنّما تجسّد ليدعو الخطأة إلى التّوبة. فساعديني، إذًا، فلا معين لي سواك. مُري أن ينفتح مدخل الكنيسة أمامي. إسمحي لي أن أعاين العود الكريم الذي عليه تألّم بالجسد من ولد منك وبذل دمه المقدّس لافتداء الخطأة وإيّاي أنا غير المستحقّة. إشهدي عليّ إنّي لن أُنجِّس جسدي، بعد اليوم، بدنس الدّعارة، بل حالما اسجد لعود الصليب سأنبذ العالم وتجارب العالم وأتوجّه إلى حيث تقوديني".

هكذا خاطبت مريم والدة الإله، واتّجهت من جديد للدّخول إلى الكنيسة، فتقدّمت إلى الأبواب التي لم تتمكّن من بلوغها قبل ذلك. دخلت دون صعوبة. عاينت العود المحيي وألقت بنفسها على الأرض وسجدت وقبّلته. بعدها اتّجهت نحو أيقونة والدة الإله وخاطبتها قائلة: "أيّتها السّيّدة الودودة، لقد أظهرتِ لي محبّتك العظيمة. فالمجد لله الذي يقتبل بك توبة الخطأة. ماذا بإمكاني أن أتفوَّه بأكثر من هذا، أنا الغارقة في الخطيئة؟ لقد حان، يا سيّدتي، أن أُتمّم نذري كما وعدت. فقوديني على درب التّوبة". على أثر ذلك سمعت صوتًا من السّماء يقول لها: "إذا عبرت الأُردنّ تجدين راحةً مجيدةً".

بعد ذلك تركت رواق الكنيسة في أورشليم وذهبت إلى كنيسة السّابق يوحنّا المعمدان التي على الأردنّ. هناك، تناولت القربان المقدَّس، ومن ثمَّ انطلقت إلى البرّيّة لتقضي بقيّة حياتها. بعد ذلك أسلمت مشيئتها للسّيّدة العذراء التي كانت تقودها وتقوّيها في كلّ خطوة تخطوها.

طوال حياة قدّيسة الله في البرّيّة، كانت تحارب الرغبات والأهواء. فما صادفته وعاشته خلال حياتها قبل التوبة، كان تجاهها، شهوة أطعمة اللحم والسّمك، الأغاني البذيئة التي تغنّيها، الفجور وسهرات الشبّان. كلّ هذه لم تكن تفارقها لولا جهادها واستعانتها
بالعذراء والدة الإله التي عاهدتها على عدم الرجوع إلى الفجور والسّير في طريق التوبةٍ الصالحةٍ.

كانت تقتات من بعض البقول الذي قلَّما كانت تجده في البرّيّة، وشرابها القليل من الماء. أمّا لباسها فالعراء. إذ لم يكن لديها ما تلبسه. كانت الشمس تحرقها في النهار، والبرد يهلكها في الليل إلى أن صارت بشرتها سوداء داكنة من كثرة الحرّ والبرد.

لا بدَّ أن يتكلّلا بالمجد الإلهيّ. هذا ما نالته قدّيسة الله بعد سنين جهادها الطوال. فقد ظلّلتها نعمة الله وسكنها الرّوح القدس. فعُلِّمت الكتاب المقدَّس، لأنّ كلمة الله الحيّة الفاعلة تعلّم الإنسان العلم من ذاتها.

في إحد الأيّام خرج الأب زوسيما إلى عمق البرّيّة، فقد كان في صدره رجاء أن يلتقي من هو كفيل، من النسّاك المجاهدين، بإشباع رغبته وإرواء توقه. وهذا ما حدث. فقد التقى بقدّيسة الله مريم المصريّة، التي طلبت منه أن يأتيها بالجسد والدم الإلهيّين ليلة العشاء السّريّ القادم. ذلك بعد أن عرَّفته بنفسها إثر إصراره على ذلك.
ومرّت الأيام، وجاء يوم العشاء السّري. خرج الأب زوسيما بالقرابين المقدّسة إلى حيث طلبت قدّيسة الله أن يلتقيها على ضفّة الأردنّ فناولها. ومن ثمَّ فارقها على موعدٍ في نفس الوقت والمكان من السّنة القادمة. كلّ هذا، ولم يخبر زوسيما أحدًا.
رُقادها
انقضت السّنة، وتوجَّه زوسيما إلى البرّية، وإذ بلغ الموضع الذي أتى إليه أوّلًا لم يرَ ما يشير إلى وجود أحد فرفع عينيه إلى السّماء، وصلَّى: "اكشف لي ياربّ، كنزك الصافي الذي واريته في البريّة، أظهر لي الملاك بالجسم الذي ليس العالم له مستحقّ".
وإذ التفت إلى الضفّة الأخرى، نحو الشّمس الشّارقة، رأى القدّيسة ممدَّدة ميّتة. كانت يداها مصلّبتين على صدرها على حسب العادة المألوفة في ذلك الزمان، ووجهها نحو الشّرق. وإذ هرول باتّجاهها بكى عند قدميها وقبَّلهما من غير أن يجرؤ على مسّ جسدها.
بكى طويلًا ثمَّ تلا المزامير المعيَّنة وصلّى صلاة الدفن ثمَّ فكر في نفسه: "أعليَّ أن أدفن جسد القدّيسة أم تراني أخالف، بذلك رغبتها؟". وإذ به يرى كلمات خطَّت على الأرض بجانب رأسها: "أيّها الأب زوسيما، وارِ في التراب جسد مريم الوضيعة. أعد إلى الرماد ما هو رماد وصلِّ إلى الربّ من أجل التي ارتحلت في شهر فرموتين المصريّ الموافق نيسان لدى الرومان، في اليوم الأوّل، ليلة آلام ربِّنا عينها، بعدما أخذت الأسرار الإلهيّة.

حفر الأب زوسيما قبرًا للقدّيسة بمعونة أسدٍ كان بقربها يحرسها وواراها التراب، كما شاءت وعاد إلى ديره.

كاتب سيرة قدّيسة الله هو الأب الراهب زوسيما، الذي التقاها وأخبرتهُ بكلّ ما أوردناه. أذاع خبرها بعد رقادها بناءً على طلبها بألا يكشف سرّها وهي على قيد الحياة خوفًا من أن يلحقها المجد الباطل.