تظل القدرة على إضحاك الناس عملية صعبة للغاية، ويظل الفنان الذي يمتلكها كمن امتلك خيوط الإبداع التمثيلي بكل أنواعه، لأنه حينها سيكون قادرًا على تقديم الأعمال الدرامية بكل أشكالها، وكما يقول أسطورة الكوميديا العالمي جيم كاري " من السهل أن تبكيني ولكن من الصعب أن تضحكني".
هو الفنان الكبير جورج سيدهم الذي غيبه الموت يوم الجمعة 27 مارس الجاري، والذي لقبه الجمهور والنقاد بعدة ألقاب منها "لوريل العرب" و"ملاك البسمة "، كما راهن عليه صناع السينما والمسرح بإشراكه في العديد من الأعمال التي نالت إعجاب الجمهور المصري والعربي، وأصبحت من الكلاسيكيات الفنية التي يشار إليها بالبنان، وذلك على الرغم من أنه لم يتم إسناد دور البطولة المطلقة إليه في أي عمل من تلك الأعمال، حتى أصبح بطلًا بدون بطولة، ونجمًا ساطعًا بدون أن يتصدر اسمه أفيشات تلك الأعمال.
هو صاحب موهبة نادرة تؤدي أي دور بسهولة ويسر معتمدًا على أسلوب السهل الممتنع، والتلقائية في الاداء، وكان يتمتع بحضور طاغ، سواء في أداء المشاهد التمثيلية، أو من خلال الغناء والرقص في الاسكتشات التي تميز بها بصحبة سمير غانم والضيف أحمد، حيث شكل الثلاثي فريقًا ناجحًا على مدى سنوات طويلة.
قبل 82 عامًا هى عدد سنوات حياته، وتحديدًا في 28 مايو عام 1938، ولد جورج سيدهم في جرجا بمحافظة سوهاج، وقال عن ذلك اليوم في أحد اللقاءات التليفزيونية، إن أهله اعتقدوا أنه ولد ميتًا، حيث ولد صامتًا لا يصرخ كباقي الأطفال، وكأنه يستقبل الحياة برضا وبدون صراخ، وتم وضعه تحت الفراش، إلا أن جارة لهم جاءت لتطمئن على والدته، وعرفت بالأمر فأحضرت "بصلة" وأنعشته حتى عاد التنفس إلى رئتيه ليعود للحياة من جديد.
قال عنه الفنان سمير غانم أن جورج كان يدير فرقة ثلاثي أضواء المسرح، وأنه يعتبره مثل "الجبل" الذي تحمل آلام المرض سنوات طويلة، فيما ثمن جموع الفنانين وعلى رأسهم الفنانة دلال عبدالعزيز الدور الكبير الذي لعبته زوجته ليندا مكرم في حياته، حيث رافقته في رحلة المرض حتى الساعات الأخيرة من عمره بتحمل وصبر، وغيرت من تصوره عن الزواج، والذي كان يصفه دائمًا قبل أن يتزوج منها بأنه "مشروع فاشل"، وظل عازبا حتى تخطى سن الخمسين، وتزوج في عام 1991، أي في عمر الثالثة والخمسين، بعد أن قابل "ليندا"، تزوجها وعاشت بجانبه ليجد معها الحياة الأسرية والزوجة الصالحة، فيما نعته هى قائلة: " "فقدت أعظم إنسان وشريك عمري ورفيقي الفنان جورج سيدهم".
التحق جورج بكلية الزراعة جامعة عين شمس، وترأس فرقة المسرح بالكلية خلال فترة دراسته الجامعية، وفاز فريقه خلال فترة الجامعة بكأس الجامعات في عام 1961، بعد أن فاز سمير غانم بنفس الكأس في 1959، والضيف أحمد في 1960، وأنشأ معهما في بداية الستينيات فرقة ثلاثي أضواء المسرح التي عملت في المسرح والتليفزيون، ولمعوا في أول فوازير لرمضان من إخراج محمد سالم، كما شاركوا معا خلال هذه الفترة في بطولة عدد كبير من الأفلام والمسرحيات، إلا أنه عقب وفاة "الضيف أحمد" استمر سمير وجورج في العمل معا لسنوات حتى اتجه سمير للعمل منفردا.
برع جورج في أداء بعض الشخصيات النسائية لتأتي هذه الادوار بمزيد من الكوميديا والضحك، كما جسد العديد من الشخصيات الدرامية بعيدًا عن الكوميديا، مثل شخصية "نوبار باشا" في مسلسل" بوابة الحلواني"، وشخصية وكيل الوزارة المتقاعد في فيلم "الجراج"، وأيضًا شخصية طبيب فقير يسعى للتقرب من الطبقات الراقية في فيلم "امراة سيئة السمعة".
كان آخر ظهور فني له في عام 1997، من خلال الجزء الثالث من مسلسل "بوابة الحلواني"، وفي هذا العام أصيب جورج بجلطة في المخ نتج عنها حدوث شلل تام في الشق الأيمن من جسده، كما أثرت على مركز الكلام، مما أدى إلى ابتعاده عن الفن، ليظل بمنزله بعيدًا عن الشهرة يزوره بعض الاصدقاء من الوسط الفني، وخاصة الفنانة دلال عبدالعزيز، الفنان هاني رمزي الذي حرص على زيارته في شهر يناير الماضي ليقدم له التهنئة بحلول العام الجديد، وظل يتابع حالته حتى وافته المنية.
