السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المسئولية الاجتماعية وكورونا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تعد المسئولية الاجتماعية ركنا أساسيا وجوهريا في حياة المجتمعات، ومكونا مهما لاستقرارها ورفاهيتها، وبدونها تفقد المجتمعات هويتها، وتصبح حياتها فوضى، تفتقد التكامل والنظام والاستقرار، وتعاني صعوبة الاستمرار. والمسئولية الاجتماعية من القيم الإيجابية المرغوبة التي يسعى الأفراد والجماعات والمجتمع بأسره إلى تحقيقها، والوفاء بمتطلباتها لتعميق روح الجماعة الوثابة بين أبناء المجتمع، وتعزيز المشاركة والتعاون والإيثار والتعاطف وتحمل المسئولية من ناحية، وتقليل مشاعر الأنانية والاستغلال والانتهازية من ناحية أخرى، بما يحقق أهداف المجتمع الساعية إلى رفاهية أبنائه وإيجاد حلول لمشكلاتهم، وتجاوز الصعوبات التي تواجههم.
والمقصود بالمسئولية الاجتماعية استعداد الفرد للمشاركة في النشاطات الاجتماعية مع الآخرين في أي عمل يقومون به للمساهمة في مواجهة الصعوبات، والتعامل الأمثل مع الأزمات التي يتعرضون لها، وحل المشكلات التي يواجهونها، وتقبل الدور الذي تقره الجماعة للفرد عن قناعة.
ويكون الالتزام بالمسئولية الاجتماعية والدافعية إليها نابعا من داخل الفرد نفسه، وبكامل حريته في القيام بأعمال معينة، أو تولي مسئوليات ما، وإلزام نفسه ببعض المهام، وأن يفي بذلك بإرادته الذاتية وجهوده الخاصة. ومن ثم لا يكلف الفرد بالمسئولية الاجتماعية من قبل أفراد آخرين أو جماعات. فالدافعية الذاتية هي التي تكون المحرك الأساسي لمختلف أنشطة الفرد والجماعة البناءة والهادفة. وبالتالي عندما تتناغم المسئولية الاجتماعية للأفراد والجماعات تتحقق كل الطموحات في التغلب على المشكلات ومواجهة الصعوبات.
وعلى ذلك، تبرز أهمية المسئولية الاجتماعية ودلالتها في ظل الأزمات والمحن والظروف الصعبة التي تمر بها المجتمعات على اختلاف مكانتها وقدراتها ومواردها. وليس هناك أزمة أو محنة أهم اليوم من اجتياح فيروس كورونا المستجد كل دول العالم الذي يعايش ظرف لم يسبق له المرور بخبرتها، وهو ما أربك حسابات الجميع، ولم يستثن أحدا من الدول العظمى أو الناهضة. ولم يتخيل أكثر المتشائمين في تلك الدول أن الأمور يمكن أن تصل إلى ما وصلت إليه الآن من سوء، تمثل في تزايد أعداد المصابين والوفيات وإعلان بعض زعماء العالم أن الموضوع خرج عن السيطرة. وأصبح حلم العالم أجمع هو الوصول لعلاج هذا المرض اللعين في أسرع وقت لإنقاذ حياة الملايين في العالم، وعودة الأمور إلى نصابها.
ولدى أمل مثل الكثيرين أننا سنتجاوز هذه المحنة، وستعاود البشرية حياتها الطبيعية في أقرب وقت إن شاء الله، وستعود أرض الكنانة أقوى مما كانت، في ظل الشعور بالمسئولية الاجتماعية لأبناء شعبنا العظيم وقيادته السياسية الرشيدة وحكومته الواعية التي تضع نصب عينيها صحة المواطن المصري، وتعتبرها أولوية مطلقة لا تضاهيها أية اعتبارات أخرى اقتصادية وغير اقتصادية. وفي ظل هذا الشعور المتبادل بالمسئولية الاجتماعية، يقتضي حسن إدارة الأزمات تكاتف الشعب مع الحكومة، والثقة في كل الجهود التي تبذل، والوعي بمحاولات الوقيعة التي يقوم بها أعداء الوطن في الداخل والخارج من أنصار الجماعة الإرهابية ومن على شاكلتهم من المرضى النفسيين وعديمي الضمير الذين يتاجرون بالوطن، ولا يسعون إلا لتحقيق مصالحهم الخاصة وأجنداتهم المشبوهة.
فمن ناحية الحكومة، هناك دلائل ظاهرة للعيان على شعورها الواعي بمسئوليتها الاجتماعية في هذا الظرف الاستثنائي الي يمر به وطننا مثل سائر دول العالم، وإظهارها أداء متميزا، فهي تبذل قصارى جهدها لحسن إدارة الأزمة والعبور بالوطن إلى بر الأمان، وتتعامل مع الأحداث طبقا لمقتضياتها، وتأخذ القرارات الصائبة في الوقت المناسب، وتحاول إيجاد حلول مناسبة لكل المشكلات التي تظهر على السطح، سواء بالنسبة للتعليم أو الاقتصاد أو الحياة اليومية للمواطنين. والأهم على الإطلاق هو جهود وزارة الصحة في برامجها الوقائية والعلاجية من فيروس كورونا المستجد على امتداد كل المحافظات. ويقوم جنود وزارة الصحة المخلصين من الأطباء والممرضين والعاملين بمختلف مستوياتهم الإدارية بملحمة طبية فريدة من التفاني والإخلاص في ظروف صعبة على الجميع، سوف يسجلها لهم التاريخ. وتتجاوب الوزارة بشكل جاد ومميز مع تعليمات منظمة الصحة العالمية فيما يتعلق بالرصد والوقاية والمتابعة والعلاج، والإعلان بشفافية عن واقع الحال بشكل لا يجعل هناك مجال للتشكيك من قبل المغرضين الذين ينتظرون أي فرصة للإساءة والبلبلة، وهيهات أن يتحقق لهم ما يريدون، فلكل العاملين في وزارة الصحة الاعتزاز والتقدير والثناء وعلى رأسهم الوزيرة المخلصة التي تصل الليل بالنهار للحفاظ على صحة المواطنين وسلامتهم.
هذا من ناحية المسئولية الاجتماعية للحكومة المصرية، فما حدود مسئوليتنا الاجتماعية كشعب؟ وما يتعين علينا القيام به في هذه المرحلة المهمة من تاريخ وطننا؟ أبدأ الإجابة من الشكر الذي تقدم به فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي لشعبنا العظيم على تجاوبه مع مقتضيات الأزمة، وإدراكه لمخاطرها، ووعيه بواجباته، وحرصه على تجاوزها بأقل الخسائر الممكنة. ففعلا يظهر معدن شعبنا المصري الحقيقي وقت الشدائد، ويقف صفا واحدا في مواجهة الصعاب، ويتناسى مشكلاته وقت الجد، ويشهد تاريخنا الحديث والمعاصر على ذلك من خلال الوقائع الفعلية التي مررنا بها. وأعتقد أن إدراكنا لمسئوليتنا الاجتماعية يظهر أنها متعددة الجوانب، ومتنوعة الأهداف بالشكل الذي يمهد لتجاوزنا هذه الفترة العصيبة والمحنة التي نعايشها سوف أتناول أربعة منها فقط. أول هذه الجوانب لمسئوليتنا الاجتماعية أن ندرك الحرب النفسية التي توجه لوطننا من خلال العديد من الأدوات القذرة منها الدعاية السوداء وغسيل الدماغ والإرهاب والشائعات المغرضة التي تهدف للنيل من استقرار الوطن وشموخه، واستغلال هذه الفترة التي يشعر فيها الناس بالخوف والقلق لبث الشائعات السامة في مختلف مناحي الحياة طوال الوقت لخلق حالة من البلبلة وعدم الثقة بين الشعب وقيادته. وللتغلب على ذلك وحسن مواجهة الشائعات يجب أن نبحث عن مصدر الخبر الصادق الذي يتم تداوله،وليس أمامنا إلا الحكومة ووزارة الصحة كمصدر للثقة فيما نريد أن نتيقن منه. فكل ما تعلنه وزارة الصحة عن تطور فيروس كورونا في مصر وعدد حالات الإصابات والوفيات والحالات التي شفيت صحيح تماما، ويعبر عن واقع الحال في ظل متابعة جادة ووثيقة من منظمة الصحة العالمية، والتي أشادت في أكثر من مناسبة بجهود الحكومة المصرية في التعامل مع الأزمة، وأقرت حديثا أن الفرصة مازالت سانحة لمصر للسيطرة على المرض، ومنع تفشيه ببذل المزيد من الجهد، وأن بامكانها عمل مائتي ألف اختبار لفيروس كورونا المستجد، مما يعزز فرص المواجهة. والحقيقة أن الحكومة تقوم يوميا بتكذيب عشرات الشائعات المغرضة في العديد من جوانب الحياة اليومية، لتقليل مخاطرها في هذه الظروف المقلقة التي تزيد من قابلية الناس للتصديق، وتجعلهم يتوهمون أشياء غير واقعية، وأرى أن التكذيب يتم بصورة مدروسة. والأهم من ذلك هو البيان اليومي الذي تصدره وزارة الصحة ممثلة في الوزيرة والمتحدث الرسمي للوزارة، وهما مصدر ثقة من شأنه دحض الشائعات وتكذيبها.
ويتمثل الجانب الثاني للمسئولية الاجتماعية في ضرورة الالتزام التام بكل التعليمات والتوجيهات الصحية التي تصدر عن وزارة الصحة فيما يتعلق بالبقاء في المنازل، وعدم النزول للشارع إلا للضرورة القصوى، واتباع التعليمات الخاصة بما ينبغي عمله إذا ظهرت أعراض على أي مواطن، وما يجب عليه أن يفعله، والاهتمام بالنظافة الشخصية ونظافة المنزل، والمداومة على غسيل الأيدي، وغيرها من إجراءات الوقاية المعروفة للجميع. وأتمنى من أبناء شعبنا التوقف عن تبادل مختلف الرسائل مجهولة المصدر، والتي تثير البلبلة والخوف لدى المواطنين، وهدفها معروف لمن صنعها، وما أكثرها الآن، وربما أكثر الشائعات والمعلومات المغلوطة تلك التي تتناول علاج الفيروس بأدوية مخصصة لأمراض أخرى مثل أدوية المناعة والملاريا والدرن والروماتويد وغيرها، مما جعل الكثيرون يحصلون على هذه الأدوية من الصيدليات ولا يبقى أي منها للمرضى الحقيقيين.
ويتمثل الجانب الثالث لمسئوليتنا الاجتماعية في المساهمة الوطنية في التكافل الاجتماعي لأسر العاملين المؤقتين والباعة الجائلين وعمال اليومية. فعلينا واجب وطني أن نؤمن لهم ولأسرهم احتياجاتهم المعيشية الأساسية، لأن معظمهم يعيش على دخله يوما بيوم ولا يقتصد منه شيئا. وهنا يجب التنسيق بين المؤسسات الحكومية والجمعيات الأهلية موضع الثقة وصاحبة الخبرة لتأمين لقمة العيش بكرامة لكل أسرة مصرية تضررت من الظروف الحالية، أو لا تسمح ظروفها الحالية بالحصول على احتياجاتها المعيشية.وأنتهز هذه الفرصة لأنادي بأن نبدأ فورا بعمل شنطة شعبان لهذه الأسر على أمل أن يبلغنا الله رمضان، ويواصل شعبنا عطاءه وكرمه المعهود الذي هو إحدى سمات الشخصية المصرية على مدار تاريخها المشرق.
أما الجانب الرابع والأخير من جوانب المسئولية الاجتماعية، فهو ضرورة التعامل الوطني والمخلص ما احتياجاتنا الأساسية من الأغذية والأدوية وكل المنتجات الأخرى.وأن نشتري احتياجاتنا اليومية فقط، دون التوجه إلى تخزينها والاحتفاظ بكميات أكثر من احتياجاتنا. فقد أعلنت الحكومة أن كل المنتجات والأدوية مؤمنة لشهور طويلة، ولا توجد بها أية مشكلات. فضلا عن دورنا الإيجابي في محاربة التجار الجشعين والإبلاغ عنهم، وعدم التكالب على سلع بعينها أو أدوية ما حتى لا نشجع تجار الأزمة منعدمي الضمير على الاستمرار في انحرافاتهم، وإخفاء السلع ورفع أسعارها. وأن يكون لدينا ثقة تامة بأن ما نريده سنجده في أي وقت.
بقي أن أعبر عن ثقتي التامة وكل أبناء وطننا المخلصين في القيادة السياسية، والتي تبذل قصارى جهدها للحفاظ على الوطن، والارتقاء به، وتعزيز رفاهية أبنائه. وثقتي كذلك في أبناء شعبنا العظيم، وفي الثقة المتبادلة بين الطرفين التي يشهد عليها الجميع،مما يمهد لتجاوز هذه المحنة، وعبور هذه الأزمة في ظل الإدراك الواعي من الجميع بحدود مسئوليته الاجتماعية ودوره البناء. وتبقى مصرنا الحبيبة أم الدنيا رمزا مرموقا وعلامة فارقة في تاريخ الأمم كما كانت دوما عبر تاريخها الطويل.. حفظ الله شعبنا العظيم من كل مكروه.