السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

كاتب أمريكى: الحرس الثورى يفرض قبضته على مفاصل الحكم في طهران

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من المحتمل في ظل تفاقم المشكلات الداخلية خلال الفترة القادمة أن تقرر النخبة الحاكمة في إيران ضرورة السير باتجاه الانتقال الداخلى أو على الأقل فرض ما يعمل على إزاحة فئة رجال الدين عن المشهد السياسى في الجمهورية الإسلامية، لا سيما بعد أن فشلت سياستهم في التغلب على التحديات الخطيرة التى تواجه طهران في الوقت الحالى، الأمر الذى من شأنه أن يسمح للحرس الثورى بالحفاظ على قبضته الحالية الواسعة على مفاصل الدولة الإيرانية، مع العمل في الوقت ذاته لتخفيف الضغوط الاقتصادية المفروضة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإعادة الاندماج في المجتمع الدولى. 
وفى هذا السياق، أكد عالم السياسة الأمريكى والنائب الأول لرئيس مجلس السياسة الخارجية في العاصمة الأمريكية واشنطن إيليان بيرمان، أن نظام الحكم في إيران مر بمرحلة تحول جذرى بعيدًا عن النظام الدينى الذى أنشأه آية الله «روح الله الخمينى» في عام 1979، وصولًا إلى نوع الحكم الذى توجد عليه حاليًا، والذى تمثلت أبرز تداعياته الرئيسية في سيطرة الحرس الثورى على الحكم في البلاد. 
ويشير الكاتب في هذا الإطار إلى الأفكار التى كانت تروج لها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون في فترة حكم الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما، فيما يتعلق بإيران، والتى كانت ترتكز على تحول حكم ولاية الفقيه في إيران بعد فترة طويلة من الزمن إلى الاستبدادية العسكرية، على خلفية الفكر الذى يحمله أبناء التيار الإصلاحى في إيران في مقابل فكر رجال الدين المتشددين والمحسوبين على التيار المحافظ، والذى كان يرمى للانفتاح على العالم مع الاندماج داخل المؤسسات الاقتصادية العالمية، ورفض التصعيد مع القوى الكبرى في مقابل المبادئ الإيديولوجية الثورية التى تهدف للتدخل في شئون دول الجوار مع تصدير الثورة الإسلامية.
وتحولت أفكار هيلارى كلينتون بعد فترة من الوقت لجانب كبير من الواقع، فعلى الرغم من أن الحرس الثورى ما زال يدين بولاء كبير للتسلسل الهرمى لرجال الدين في طهران، والذى يتربع على رأسه المرشد الأعلى «على خامنئى»، إلا أنه استطاع خلال السنوات الأخيرة توسيع نفوذه على حساب عدد كبير من المؤسسات داخل الجمهورية الإسلامية، لأسباب تمثل أقلها أهمية من وجهة نظر الكاتب في الخروج الأمريكى من خطة العمل المشتركة الشاملة المعروفة بالاتفاق النووى في مايو لعام 2018.
لكن تتمثل الفكرة الأساسية التى يرغب الكاتب بالتأكيد عليها في أن الحرس الثورى الإيرانى يمثل جهة إستراتيجية فاعلة قوية وقابلة للتحول بشكل كبير، ومع ذلك يشير الكاتب إلى أنه في الوقت الحالى الذى تواجه فيه الجمهورية الإسلامية ضغوطًا داخلية وخارجية متزايدة، تحتاج قيادات الحرس الثورى إلى الادعاء بأنه يجب أن يسيطر رجال الدين في البلاد على زمام الأمور أكثر أهمية من أى وقت مضى. 
ولفهم الدوافع الحقيقية الكامنة وراء ذلك سيكون من الضرورى المرور على الدور الفريد الذى لعبه الحرس الثورى في السياسة الإيرانية على مدى العقود الأربعة الماضية؛ حيث يعتبر الحرس بمثابة الذراع الاستكشافية والأساسية التى استخدمها قائد الثورة الإسلامية في إيران «آية الله الخمينى»، لتصدير والترويج لفكرة الإسلام السياسى الراديكالى، والعمل على نشرها في المنطقة. وتحقيقًا لهذه الغاية؛ فإن ديباجة دستور الجمهورية الإسلامية الأصلية لعام 1979، تكلف الحرس الثورى الإيرانى ليس فقط بالحفاظ على النظام داخل البلاد، ولكن أيضًا بتصدير الثورة الإيرانية لجميع أنحاء العالم، وسمح هذا التفويض الشامل على مر السنين للحرس الثورى الإيرانى بالحصول على مركز الصدارة في السياسة الخارجية والشئون الداخلية. 
على الصعيد العسكرى، أزاح الحرس الثورى بعد قيام الثورة الإيرانية في عام 1979 الجيش الإيرانى، ليصبح الأداة الإستراتيجية المفضلة للنظام، كما أنه بات يعد بمثابة حارس ترسانة الصواريخ الباليستية إحدى أدوات الردع الإيرانى في مواجهة الأعداء، كذلك برنامجها النووى الناشئ (وما زال نشطًا)، فضلًا عن أنه المسئول عن أهم الأصول الإستراتيجية للنظام والمتمثلة في شبكته الواسعة من الوكلاء الإقليميين. 
تجنبت الجمهورية الإسلامية منذ هزيمتها في الحرب المستمرة منذ ثمانى سنوات مع عراق صدام حسين في ثمانينيات القرن العشرين، المواجهة العسكرية المباشرة لصالح الحرب غير المباشرة أو بالأحرى (الحرب بالوكالة). وتأسيسًا على ما سبق، بذلت طهران الكثير من الجهود التى استمرت لعقود طويلة من الزمن لإقامة شبكة واسعة من الجماعات بالوكالة والمقاتلين المنتسبين لها في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجها؛ حيث لعبت هذه الجماعات، والتى يتمثل أبرزها في «حزب الله» اللبنانى، الحوثيين في اليمن والميليشيات الشيعية العراقية المتنوعة دورًا أساسيًا في تعزيز مصالح إيران وتعزيز أهدافها الإستراتيجية بكافة الوسائل غير المتماثلة. الأمر الذى اضطر الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب لاغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثورى قاسم سليمانى في يناير 2020، على خلفية سيطرة هذه القوة على كل ما يتعلق بإدارة أمور الميليشيات التابعة لطهران في المنطقة. 
وعلى الصعيد الاقتصادى، سيطر الحرس الثورى وما زال على العديد من الشركات والكيانات الاقتصادية العاملة في كافة المجالات داخل الجمهورية الإسلامية، بداية من قطاع النقل وصولًا إلى مجالى الطاقة والبناء؛ حيث تغلغلت الكيانات الخاضعة لسيطرة الحرس الثورى الإيرانى في كل قطاع من قطاعات الاقتصاد الإيرانى الرسمى، وتمارس نفوذًا واسع النطاق على أنشطة السوق الرمادية والسوداء في البلاد، بما يتضمن التهريب، التحويلات المالية غير المشروعة، إلى الحد الذى جعل الحرس الثورى يسيطر على ما يقدر بأكثر من ثلث الاقتصاد الكلى لإيران.
نتيجة لما سبق، جعل كل ذلك من الحرس الثورى الإيرانى قوة لا غنى عنها في معادلة السياسة الإيرانية، ورمزًا رئيسيًا للمكانة الدولية للبلاد، إلى الحد الذى عبر عنه زميل المجلس الأطلسى ومستشار القيادة المركزية الأمريكية نادر أوسكوى، عندما قال إن الحرس الثورى بات يحوز قدرا كبيرا من القوة التى من شأنها أن تجعله المفاوض الرئيسى لإيران مع القوة الكبرى والإقليمية. ولكن يشير الكاتب إلى أن اغتيال الولايات المتحدة الأمريكية لقاسم سليمانى يعد بمثابة ضربة قوية لقدرات إيران الإستراتيجية، فمن دون سليمانى تواجه إيران ضغوطًا شديدة لتنفيذ استراتيجيتها الإقليمية بالوكالة بكفاءة، لذا، من المحتمل أن يؤدى اغتياله لفرض نوع من توازن القوى الجديد والنوعى داخل الجمهورية الإسلامية. 
وفيما يتعلق بالجانب الداخلى تواجه طهران مشكلات خطيرة؛ فمنذ ديسمبر لعام 2017، تصاعدت حدة الاحتجاجات ضد النظام، والتى أسهمت في اختبار شرعية نظام ولاية الفقيه داخل إيران، كما اندلعت التظاهرات أيضًا بعد إسقاط الوحدة الصاروخية التابعة للحرس الثورى لطائرة الركاب الأوكرانية، التى راح ضحيتها عدد كبير من أبناء طلبة الجامعات الإيرانية.
ويقر الكاتب بأنه في مواجهة كل هذه التحديات لن يبقى أمام النظام الحاكم في إيران إلا التعويل على فكرة الانتقال الداخلى، الأمر الذى يتضمن إزاحة القيادات الدينية ذاتها من الساحة السياسية بعض الشىء بغرض إفساح المجال لنخبة جديدة يمكنها التغلب على هذه التحديات. ويرى الكاتب أن هذه الخطوة من الممكن أن تسمح للحرس الثورى بالحفاظ على قبضته الحالية الواسعة على السلطة الوطنية مع العمل في وقت واحد لتخفيف الضغط الاقتصادى من الولايات المتحدة وإعادة الاندماج في المجتمع الدولى. 
ويؤكد الكاتب أن هذه الفكرة ليست بعيدة المنال؛ فهذا النوع من تحول الطاقة الداخلية حدث أكثر من مرة في التاريخ الحديث؛ حيث حدث ذلك في دول مثل روسيا في التسعينيات؛ عندما استغلت «الدولة العميقة» الاضطرابات التى حدثت في فترة ما بعد الاتحاد السوفيتى لتعزيز سيطرتها وإعادة تشكيل نفسها في مؤسسة اقتصادية وسياسية هائلة تستمر حتى يومنا هذا. كما حدث الأمر ذاته في جمهورية مصر العربية؛ عندما تحرك جيشها للإطاحة بحكومة محمد مرسى التى تهيمن عليها جماعة الإخوان المسلمين في عام 2013، وتمت إعادة تأسيس الوضع السياسى والاقتصادى مرة أخرى. 
ولكن يتساءل الكاتب حول موقف الولايات المتحدة الأمريكية إذا ما حدث هذا التغيير في إيران؟ فعلى الرغم من تأكيد الرئيس ترامب مرارًا وتكرارًا أن هدف استراتيجيته «أقصى قدر من الضغوط» هو إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات الدولية وإبرام اتفاق نووى جديد أكثر شمولًا ليحل محل الاتفاق النووى لعام 2015، إلا أن سيطرة الحرس الثورى على الحكومة الإيرانية قد تجعل من مثل هذا التطور أكثر ترجيحًا، وواقعية وعقلانية.
وفى النهاية: يقر الكاتب بأن الحرس الثورى بات من أكثر المؤسسات السياسية المهيأة للقيام بهذه المهمة داخل المجتمع الإيرانى؛ حيث حاز الحرس الثورى على قدر كبير من القوة السياسية؛ ففى أعقاب الاحتجاجات الأخيرة، باتت النخبة الدينية في إيران أكثر اعتمادًا من أى وقت مضى على قوات الحرس الثورى، ولا سيما المنوط بها قمع المتظاهرين، لذا من المرجح أن يخرج الحرس الثورى الإيرانى من هذه العملية أقوى بكثير، ويمتلك سيطرة أكبر على المجتمع الإيرانى من أى وقت مضى.
ويتمثل المبرر الأقوى لذلك، في أنه ليس من المرجح أن يحدث التغيير السياسى في إيران عن طريق قيام جماعة معارضة بإسقاط نظام ولاية الفقيه وتأسيس نظام حكم جديد، ولكن الأمر الأكثر ترجيحًا هو أن يتولى أقوى فصيل سياسى زمام الأمور في البلاد، كما يجب أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة لذلك.