الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الجيش المصري تاريخ مجيد وحاضر يصون المستقبل (22)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يموج الحال مكانًا وزمانًا بمتغيرات عاصفة لثوابت راكنة قدم الزمان، وتفرض كل الاحتمالات وجودها لتملى على قلم التاريخ محوًا للثابت وتثبيتًا للمتغير.
ولأن الثقافة المكتوبة هى أول اختراح علمته الحضارة المصرية لغيرها من الحضارات.. استوجب علينا اللجوء إلى الكتابة لاستدعاء انتصارات المصريين منذ التاريخ، تلك الانتصارات لم تكن طمعًا في أراضى الغير أو جورًا على حقوقهم، إنما حفاظًا على الحق ودعمًا للعدل، هكذا- دائمًا- كان جيش المصريين ابن حضارة السبعة آلاف عامًا من الأخلاق... 
الواقع- الآن- في عوز لإعادة استدعاء قيم وأخلاق من أجل الحق والعدل للحفاظ على ما تبقى للإنسان من إنسانيته.
ستنتقل عبر جولات جيشنا تاريخًا ومكانًا نخلق من تلك الحلقات المتوالية جسرًا موصولًا بين فرساننا على مدى التاريخ وشبابنا الحالى ساعد هذه الأمه وعقلها وصانع مستقبلها.

معركة قونية ورسائل الحرب والدبلوماسية 

عرض الصدر الأعظم ريس أفندى على سفير إنجلترا في الأستانة سترافورد في 12 أغسطس عن لسان الباب العالى رغبة السلطان في التحالف مع إنجلترا، ليضمن النصر على جيش مصر، من خلال إبرام معاهدة أو محالفة دفاعية بين إنجلترا وتركيا، وفى 3 نوفمبر جدد هذا العرض سفير تركيا في فينا- النمسا- عندما ماطلت إنجلترا في الرد، وزاد في عرضه تحمل تركيا كل التكاليف والنفقات ولإنجلترا جميع الامتيازات التجارية التى تريدها، وفى 13 ديسمبر سافر نامق بك، السكرتير الخاص للباب العالى، لتجديد مطالب السلطان في الاستقواء بإنجلترا ضد الجيش المصرى، وكان رد إنجلترا: «لا تستطيع المملكة الاندفاع في عمل عسكرى وإنها تفضل الانتظار»، وبهذا الرد خابت مساعى سلطان تركيا، وطالت من ناحية أخرى المدة التى لا يطيق بعدها إبراهيم باشا الانتظار بجيشه دون حراك فعلى يحقق الهدف الذى تحرك من أجله من المحروسة، ومرت الأشهر الثلاثة على كل الأطراف ثقيلة للغاية، بيد إن إبراهيم باشا كانت له المبادأة بالفعل العسكرى، عندما تجمدت خطوات الفعل السياسى الذى كان يفضله والى مصر، فتوجه الجيش إلى قونية لإتمام فتحها وضمها إلى مصر، وكانت معركة قونية تسير وفق سيناريو نمطى لا يتغير حيث ارتداد العسكر العثمانيين أمام تقدم الجيش المصرى، وفى 14 أكتوبر توجهت طلائع الجيش المصرى ناحية قونية، فبدأت فرقة نظامية تتقدم إلى (نمرود) وأخرى من العربان تتوجه إلى (تشفت خان)، وانسحب الأتراك إلى (أركلى) بلا قتال، واحتل إبراهيم باشا (أركلى) منذ 15 أكتوبر حتى 20 نوفمبر، وتوجه إلى قونية وفى أثناء المسير اعترضته فرقة من عسكر السلطان من (كرمانيا) وتهاوت سريعا، وتدفقت فرق الجيش المصرى ناحية قونية التى هجرها عسكر السلطان، وارسل في مطاردتهم إبراهيم باشا فرقة من العربان حتى طريق (آك شهر) فأسروا منهم عددا كبيرا، وتحصن الجيش خلف المتاريس التى أخذ في تشييدها في (قونية) حتى ظهرت طلائع العسكر في 18 ديسمبر بقيادة رءوف باشا الذى خسر ثمانية مدافع وأُسر منهم 2750 على مدى يومين، وكان في الأسرى كريدلى محمد باشا أوغلو، فضلا عن تقدم 500 من الأرناؤط بالخدمة داخل الجيش المصرى طواعية، وأرسل إبراهيم باشا لوالى مصر خبر انتصار الجيش على عسكر السلطان وضم قونية إلى مصر، وكانت أوامر والى مصر بضرب المدافع ثلاث مرات نهارا من جميع القلاع والحصون والطوابى ابتهاجا بنصر الجيش المصرى على عسكر السلطان.
وأرسل محمد على إلى ابنه ليعود أدراجه من قونية ويترك الرأى العام العالمى يفعل ما يريده في الأستانة، إلا إن إبراهيم باشا خالف والده في الرأى، إذ رأى أن يقوم هو بتوجيه الرأى العام العالمى إلى ما يريده مستغلا انتصارات الجيش الذى لم يقهر حتى الآن، وأرسل لوالده: «يجب علينا حسب أوامرك أن نتقهقر إلى الوراء بعد الاستيلاء على قونية، فالشائع أن الصدر الأعظم يزحف علينا بقوة كبيرة، فإذا نحن تقهقرنا عزوا ذلك إلى الجبن والخوف وعلى عجزنا عن مقابلته، وفوق هذا كله فإن الصدر الأعظم يغنم الفرصة للزحف على قونية، وقد يتجاوزها للحاق بنا مذيعا خبر تقهقرنا، ومن يدرى ما يكون من وراء ذلك، ويظل الغرض من تقهقرنا خفيا لا يفهم، لذلك أطلب منك يا والدى أن ترسل آليين من المدد في الحال، وسأطلب من خادم الفتوى فتواه في إعلان عزل السلطان».
ويبدو أن حكمة والى مصر ارتضت بالحلول الوسطى، فأرسل لولده في 13 نوفمبر:».. لأن التقدم إلى ما وراء قونية في الظروف الحاضرة لا تنظر إليه الدول بعين الرضا»، وبالنسبة لعزل السلطان فقد وجدها ليست في صالح مصر في الراهن، أو على أقصى تقدير من الممكن إجازتها على أن تكون صادرة من بلاد السلطان لا من مصر!، أما غير ذلك فقد عدل عن رأيه في التقهقر عن قونية نزولا على رأى قائد جيشه.
إلا إن اعتماد محمد على على عيونه في الحكومتين الفرنسية والإنجليزية وبالأخص المستر بريجس الذى كان قنصلا لإنجلترا بمصر وتلاه المستر باركر المعادى لسياسة محمد على، ما دفع والى مصر إلى مراسلة ابنه إلى الارتداد عن الأناضول آخذا بنصح المستر بريجس، فأرسل القائد المنتصر لوالى مصر رسالة هى درس للقادم من الأجيال في الطاعة والانضباط من ناحية، ومن جهة أخرى نموذجا في تطبيق مبدأ استغلال النجاج في الميدان، وسنوالى رسالتين للقائدين الصديقين المتقاتلين إبراهيم باشا قائد الجيش المصرى ورشيد باشا قائد عسكر السلطان في العدد المقبل إن شاء الله.