الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الجيش المصري تاريخ مجيد وحاضر يصون المستقبل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يموج الحال مكانًا وزمانًا بمتغيرات عاصفة لثوابت راكنة قدم الزمان، وتفرض كل الاحتمالات وجودها لتملى على قلم التاريخ محوًا للثابت وتثبيتًا للمتغير.
ولأن الثقافة المكتوبة هى أول اختراع علمته الحضارة المصرية لغيرها من الحضارات.. استوجب علينا اللجوء إلى الكتابة لاستدعاء انتصارات المصريين منذ التاريخ، تلك الانتصارات لم تكن طمعًا في أراضى الغير أو جورًا على حقوقهم، إنما حفاظًا على الحق ودعمًا للعدل، هكذا - دائمًا - كان جيش المصريين ابن حضارة السبعة آلاف عام من الأخلاق.
ستنتقل عبر جولات جيشنا تاريخًا ومكانًا نخلق من تلك الحلقات المتوالية جسرًا موصولًا بين فرساننا على مدى التاريخ وشبابنا الحالى ساعد هذه الأمة وعقلها وصانع مستقبلها.
قائد عسكر السلطان العثمانى يهرب بعد الهزيمة (19)
كانت لمحمد على وجهة نظر سياسية ذات أبعاد اقتصادية ترتكن على بناء قوة مصر العسكرية دون تجدد الخوف من جانب أوروبا التى كانت تتربص بتلك القوة الناشئة فالنمسا تجد فيها زعزعة للسلطنة العثمانية الحليفة، وروسيا تجد فيها تهديدًا لأطماعها في الميراث العثمانى، وقد أرسلت جيشًا روسيًا لنصرة السلطان محمود معلنة صراحة العداء على مصر، أما فرنسا الحليفة للجيش المصرى كانت لا تقدم كثيرًا من الخطوات الإيجابية حتى لا تتآلب عليها القوى الاستعمارية الأوروبية، في حين أن إنجلترا كانت لها مساران في سياساتها تجاه مصر الأول هو ترك مصر تسيطر على طرق التجارة إلى الهند وبالتالى الاستئثار بالسيطرة على مصر، وبذلك تفوز بجميع ما ضمته مصر من الإمبراطورية العثمانية، والثانى هو تقويض أطماع محمد على في الأراضى العثمانية ولا مانع من ضم سوريا فقط تحت الإدارة العثمانية لتستخدم الجيش المصرى في حماية الوجود العثمانى بدلا من انقضاض روسيا والنمسا على أنقاضه وضم ولاياتها لسلطانيهما، وكل الرغبات الأوروبية كانت ضد استأساد القوة المصرية وانقضاضها على رجل أوروبا الضعيف، فالسياسات الأوروبية الاستعمارية تحمى مصالحها - وفقط - وليست في جانب المصالح الوطنية للقوة المصرية الناشئة، ومن هنا صاغ محمد على سياسته الخارجية على مسارين: الأول الابتعاد قدر الإمكان عن عداء القوى الدولية وعدم الوقوف أمام أطماعها الواضحة في رجل أوروبا الضعيف - تركيا - والاكتفاء بالأراضى السورية بعد لبنان وفلسطين من بلاد الشام دون الانقضاض على الاستانة النى كانت لقمة صائغة بين أنياب الجيش المصرى!، والمسار الثانى هو الاهتمام بكل حرص على استمرار البناء الاقتصادى الشامل لمصر الحديثة من مجالات الزراعة وما تستلزمه من إضافة محاصيل نقدية كالقطن والقصب والأرز، وبناء الخزانات المائية والقناطر والسدود، وشق الترع والمصارف كالقناطر الخيرية، وتشييد المصانع العسكرية لتوفير مهمات وأسلحة وذخائر الجيش المصرى حتى لا يكون في احتياج للدول الاستعمارية، والمصانع المدنية التجارية التى تخدم تطور الاقتصاد الزراعى، فضلا عن اهتمامه بالثقافة في أهم أركانها وهى التعليم الذى أوفد من أجل تطويره البعثات الدورية إلى فرنسا وإيطاليا وإنجلترا، وأقام الكليات والمعاهد الطبية والتمريض والمهندسخانة والترجمة والألسن، وأصدر الصحف وأولها الوقائع المصرية التى كانت في بداياتها أنباء الجيش المصرى وتوالت حركة الإعلام في التطور حتى صدرت بمصر العديد من الصحف العربية والفرنسية والإنجليزية، وبدأ في تشييد المستشفيات الحكومية في القاهرة لتكون نواة لمثيلتها في المحافظات الكبرى، وهكذا كان لمحمد على جناحان ليحلق بمصر الحديثة بعيدا عن أطماع الغرب الاستعمارى وارتقاءً من الحداثة والتطور للمجتمع المصرى.
لذا ظل إبراهيم باشا الساعد الأيمن في تنفيذ سياسات مصر في الخارج، ظل من نهاية يوليو وحتى نهاية ديسمبر غير متخذ مواقع الهجوم بعد تمام ضمه لولايات الشام تحت العلم المصرى ليرى كيف تتصرف أوروبا الاستعمارية أمام الجيش المصرى، وكانت لمحمد على رغبة في السيطرة على مصادر الخشب لاستمرار بناء السفن العسكرية والتجارية، فتقدم الجيش المصرى ببطىء نحو أدنة الغنية بالغابات والأشجار، واستولى على ميناء طرطوس ذي الأهمية الإستراتيجية للوجود المصرى بالشام، وهنا تلقى أمرًا مباشرًا من محمد على بالتوقف والتمسك بكل ما أوتى من قوة بالأراضى العربية بالشام والوقوف على أعتاب جبال طرطوس المباشرة على بلاد الأناضول ليشكل ضغطًا معنويًا على الباب العالى ليسمح بإقرار الأمر الواقع وهو بقاء الجيش المصرى بالشام، وهنا فرضت مصر وجودًا عسكريًا على أبواب الأستانة لتكسب أوراقًا سياسية لاعتماد الشام تحت الحكم المصرى، فضلًا عن مساندة العراقيين لجيش مصر المجاور لهم بالشام بعد قتلهم للوالى السلطان محمود بالعراق داود باشا، ولم تمنع سياسة محمد على المتأنية في أن يباشر القائد إبراهيم مهامه في تأسيس النظام المصرى بالشام فأرسل تشكيلات من الجيش المصرى خارج الشام على أبواب المدن المطلة على الأستانة حتى تكون بمثابة مفارز متقدمة تحمى الوجود المصرى في الشام، وتنذر من أى تقدم من هذا الاتجاه للعدو المحتمى بروسيا والنمسا لاستعادة ما خسره من ولايات الشام، لذا أرسل آلايين من المشاة إلى مدينة أورفة التى بادرت وتقدمت بالطاعة للجيش المصرى، وأرسل وحدات من الفرسان العرب من أبناء سيناء ليراقبوا الطريق من أضروم وسيواس وديار بكر، فاحتلت تلك الوحدات من الفرسان مدينة مرعش، واهتم بتأمين الجانب الشرقى من الجيش المصرى فأرسل وحدات من المشاة والفرسان إلى الفرات وقد تعاون معهم أهالى العراق بشكل ملحوظ ضد الأتراك.
أما فارس تركيا الأول حسين باشا الباشوات ومشيرها وقائد جيوشها فقد تبخرت آثاره أمام استمرار هربه أمام الجيش المصرى وتناثرت الشائعات حول مقتله على يد رجاله، وأخرى حول هربه بعد استيلائه على أموال الجيش التركى على ظهر مركب إلى إحدى جزر قبرص، وثالثة تقول إنه أصابه العمى من هول ما رأى من هزائم، ولكن السلطان محمود ارتضى بحكاية استيلائه على أموال الجيش التركى وأرسل قوة سلطانية في أثره لاستقدامه أمام الباب العالى لمحاكمته على التقصير والهزائم المتتالية التى أضعفت من مكانة الإمبراطورية العثمانية أمام الجيش المصرى واسترداد الأموال التى سرقها القائد الأعظم للجيش التركى! 
وسيأتى في التالي كيف سارت سياسة محمد على لتقويض تركيا مستغلا انتصار الجيش المصرى، وكيف تلاعب بالسياسة ليجبر أوروبا على قبول الأمر الواقع، في العدد القادم إن شاء الله.