الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الجيش المصري تاريخ مجيد وحاضر يصون المستقبل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يموج الحال مكانًا وزمانًا بمتغيرات عاصفة لثوابت راكنة قدم الزمان، وتفرض كل الاحتمالات وجودها لتملى على قلم التاريخ محوًا للثابت وتثبيتًا للمتغير.
ولما كان مقتضى الحال يستوجب استدعاء قيم قد أهملها الحاضر ولاحت صفحاته لطيها.. تلك القيم الأصيلة وهذه المبادئ الحقيقية هى التى شكلت النسق الأخلاقى للحضارة الإنسانية التى أشرقت مع شمس الدنيا من «مصر» كفجر للضمير الإنسانى، وتعاقبت حضارات الأمم تتوضأ من ضى هذا الفجر أخلاقًا وقيمًا ومبادئ لتتمسك بإنسانيتها.. إن ما نعيشه - مفروضًا علينا - يخالف ما اعتادت عليه الإنسانية، ويُغلب قانون الغاب، عودًا على ما كان قبل التأريخ الإنسانى.
الواقع - الآن - في عوز لإعادة استدعاء قيم وأخلاق من أجل الحق والعدل للحفاظ على ما تبقى للإنسان من إنسانيته.
ستنتقل عبر جولات جيشنا تاريخًا ومكانًا نخلق من تلك الحلقات المتوالية جسرًا موصولًا بين فرساننا على مدى التاريخ وشبابنا الحالى ساعد هذه الأمة وعقلها وصانع مستقبلها.

المعركة الأخيرة في ضم الشام وبدايات الحرب النفسية من الجيش المصرى ضد عسكر السلطان العثمانى (الحلقة 16)
أقام إبراهيم باشا على دمشق في منتصف يونيو، المجلس المخصوص والمكون من 22 من أعيان ومشايخ العوائل، لإدارة شئون الولاية، وتعيين محمد شريف باشا واليا على دمشق، وأيضا كتب إلى أعيان حلب وأهلها ما يلى: «.. نصبنا رافع أمرنا هذا افتخار الأماجد والأكارم سياف زاده السيد إبراهيم أغا الموما إليه، وأبقيناه لأجل مصالح البلدة ورؤية أمورها، وأنتم أيها المخاطبون إذا صارت الكيفية معلومكم تكونون جميعا مع الأغا بالاتفاق، تشدون عضد المواحدة والاتفاق لإيفاء مراسم الخدمة المبرورة وإجراء مراسم المساعى المقبولة المشكورة لدى جانب ولى النعم أفندينا السر عسكر باشا المعظم.
وأنت أيها القائمقام يلزم منك الانتباه واليقظة في محافظة الطرقات وأبناء السبيل وعدم التعرض لأحد إلا بالوجه الشرعى واستجلاب دعوات الفقراء والرعية وديعة رب البرية، وبذلك تحوز رضا سعادة ولى النعم المعظم ورضانا،...» في 1248 هجرية.
وهكذا دخل الجيش المصرى حلب في منتصف يوليو، أى بعد شهر تقريبا من خروجه من دمشق، وعمل على تنظيم حاميتها واحتل قلعة الحكم فيها، وأرسل مفارز جيشه إلى نهر الفرات ليقف على أحوال العراق حتى يؤمن الجبهات الشرقية والشمالية لفتوحاته بالشام، وأعاد الأمير بشير واليا على لبنان، ولم يتبق أمامه من إجراءات تأمين الشام إلا القضاء على فلول جيش السر عسكر حسين باشا الذى عينه السلطان محمود رسميا واليا على مصر والحبشة وملحقاتها ليعزل محمد على باشا ويحرمه شرعية بقائه!
وبعد فناء فلول جيش الباشاوات الثمانية على يد الجيش المصرى في حمص، ورفض أهالى حمص وحماة مساعدة جيش السلطان العثمانى، مما اضطر حسين باشا ملاقاة البقية الفارة من فلول عسكر السلطان محمود عند جسر الشغور، وتوجه إلى بيلان ذاك الوادى بين الجبلين المنيع عسكريا من اختراقه أو تجاوزه، وكان سابقا ممرا للجيوش القادمة من الغرب إلى الشرق بين حلب والإسكندرونة، وعمل حسين باشا كل جهده على تحصين الممر أو البوغاز كما اشتهر أكثر بذاك الاسم، فتمترس على البوغاز ستون ألفا من عسكر السلطان محمود، منهم 45 ألفا من العسكر النظامى، وأكثر من 160 مدفعا، وتنتشر الحكايات حول قوة بنيان حسين باشا وغلظته في القتال وبأسه عند الحرب - كدعايات اليوم عن قادة العثمانيين! - لكن كلوت بك أحد قادة إبراهيم باشا، أصر على دحض الدعايات السوداء التى قد تضعف من عزيمة رجاله، فقال في السر عسكر العثمانى حسين باشا: «ألبس السلطان محمود قائده العام كسوة القيادة العليا، وهى المعطف القصير ذو البنيقة المزركشة بأسلاك الذهب، وأهدى إليه سيفا مرصعا بالألماس وجوادين عربيين مطهمين، وقلده رتبة المسيرية، فمن هو هذا القائد العام الذى فاز بمثل هذه الزلفى من الحضرة السلطانية واقترن نجمه بالسعد إلى هذا الحد؟
هو مبيد الانكشارية، كان في أول عهده حمّالًا، ثم جاسوسا، ثم رئيس قلعة، ثم مهيجًا، ثم جلادًا، ثم باشا الباشاوات، وكان سيفا ماضيا فيما مضى، لكنه الآن سيف لا يخرج من جرابه»، وتلك ما يطلق عليها الآن الدعايات المضادة في الحرب النفسية للجيوش قبل بدء المعارك التقليدية، والتى من الممكن أن تعطى بعض المكاسب بداية لمن يجيد تطويع سلاح الدعاية والتأثير على الروح المعنوية للجيوش أولًا.
كان الفريق محمد باشا معتوق حسين على رأس مفارز وطلائع الجيش المصرى إلى مضيق بيلان في 29 يوليو عند الثالثة عصرًا، ووجد بعد دراسته للأرض واستطلاعه لقوات العدو في الجبلين المشرفين على الممر، أن السر عسكر حسين باشا قد أهمل بعض الأنجاد العالية، فأدرك أن احتلالها قد يمكنه من سحق عدوه، ولم ينتظر إبراهيم باشا فقط الاستماع لتلك المعلومات الرصينة والمهمة، بل على الفور أصدر أوامره إلى عدد من قواده وجنودهم إلى احتلال قمم تلك المرتفعات، ومباغتة جيش السر عسكر حسين باشا بنيران المدفعية المصرية التى طالما ما انتصرت في كل معاركها، وكان لها الكلمة العليا على مدفعيات العدو، وبالفعل التفت أطقم المدفعية المصرية خلف وكالات - نقاط التشوين ومراكز الشئون الإدارية والذخيرة والمهمات - وبدءوا في ضرب قطاعات من مؤخرة الجيش العثمانى حتى فنى عن آخره وهرب قادته في ذل لا سابق له في أحداث التاريخ القريب! وليس أدل على نجاح الجيش المصرى على عسكر السلطان العثمانى من التقرير الذى ذاع خبره في كل الولايات الشامية ومصر والسودان والحجاز عن انسحاق جيش السلطان، والذى سيأتى بتفاصيله وسرد آخر معارك الشام العدد المقبل إن شاء الله.