رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

«مجرى العيون» خطة طموحة للتطوير والأهالي يبحثون عن البدائل.. أصحاب المدابغ: نريد مساحات وليس تعويضًا ماديًا.. والتسعير تم على أساس عام 2009.. استخراج التصريح لا يتم بعيدًا عن «الروبيكي»

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يعد سور مجرى العيون، أحد أهم معالم مدينة القاهرة، ويعرف أيضًا باسم قناطر المياه، ويبلغ طوله حوالى ثلاثة كيلومترات، ويوجد فى منطقة مصر القديمة، ويبدأ من «فم الخليج» إلى «باب القرافة» بالسيدة عائشة.
تم بناؤه فى عهد الناصر صلاح الدين الأيوبى، مؤسس الدولة الأيوبية فى مصر الذى تولى الحكم من سنة 1169 م إلى سنة 1193 م، كان الهدف من انشائه هو إمداد قلعة صلاح الدين بالمياه عن طريق رفع مياه النيل بالسواقى إلى مجرى السور، بحيث تجرى المياه إلى أن تصل إلى القلعة التى كانت مقرًا للحكم فى مصر آنذاك.



مدابغ مجرى العيون

وخط الزمن خطوطه على الأثر العتيق وترك الإهمال بصماته عليه، ما دفع الناصر محمد بن قلاوون لتجديد مجرى سور العيون تجديدا كاملا سنة ١٣١٢م، وأقام لها خلال حكمه مأخذا للمياه به 6 سواق بالقرب من مسجد السيدة عائشة لرفع الماء من خليج صغير عند حائط الرصد الذي يعرف اليوم باسم إسطبل عنتر تجاه مسجد أثر النبى، وهو المبنى الذى حوله محمد على باشا أثناء حكمه إلى «جبخانة» للسلاح، وتتكون هذه القناطر من سور ضخم يمتد من فم الخليج حتى ميدان السيدة عائشة مصنوع من الحجر النحيت وتجرى على مجراه فوق مجموعة ضخمة من القناطر (العقود) المدببة كانت تنتهى بصب مياها فى مجموعة من الآبار الضخمة داخل القلعة.


خطة الحكومة للتطوير
أما الآن، وبعد مُضى أكثر من خمسمائة عام على إنشاء السور، فقد بلغ الإهمال ذروته ولم يبق صامدًا من قناطر المياه التى أنشأها الناصر صلاح الدين سوى بقايا قليلة فى بداية المجرى من ناحية القلعة المواجهة لمسجد السيدة عائشة، وأصبحت المنطقة المحيطة بالسور لا تتناسب مع طبيعة السور كأثر تاريخي، بعدما تحولت المنطقة لمقالب قمامة وتداخلت حركة المشاة والسيارات وزادت التعديات وأصبحت المخالفات فى ازدياد يومًا تلو الآخر، ما دفع الحكومة لاعتماد خطة تطوير متكاملة يتبناها جهاز التنسيق الحضارى بالمشاركة مع محافظة القاهرة وهيئة الآثار ووزارة السياحة، لإعادة السور لسابق عهده كأقدم سور تاريخى ووضعه على خريطة السياحة العالمية واستخدام التكنولوجيا الحديثة لعمل خداع بصرى ليظهر الجزء المتهالك فوق شارع صلاح سالم وكأن المياه تتدفق منه فى اتجاه القلعة. كما يهدف المشروع لإقامة محلات للحرف اليدوية والمنتجات الجلدية، إلى جانب المطاعم والمقاهي، وتمليكها لأهالى المنطقة التى ستضم أيضًا قاعات للعروض الثقافية والحفلات، وستتولى إدارة خاصة حفظ الأمن مع تخصيص إدارة للنظافة يشارك فيها الأهالي.
وشملت أولى خطوات التطوير، بداية السور على النيل حيث توجد السواقى التى كانت ترفع المياه عبر السور إلى القلعة، لإعادة الحياة للمنطقة المحيطة بالسور بأسس ومعايير التنسيق الحضاري، وكذلك نقل شاغلى المناطق المحيطة بالسور من الورش والمصانع والوحدات، واتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لاعتماد مخطط التطوير وانهاء كل الموافقات والتصاريح الخاصة بذلك، إلى جانب تهيئة المرافق الرئيسية اللازمة للمشروع على حدود منطقة التطوير المشار إليها، وتدبير المبالغ المالية اللازمة لصرف باقى التعويضات النقدية لشاغلى الورش والمصانع.
شكاوى أصحاب المدابغ 
ويشتكى بعض أصحاب المدابغ من عدم تسلمهم مدبغة بديلة أو تعويض مالي، فى إطار خطة التطوير، فانتقلت كاميرا «البوابة» إلى موقع السور، والتقينا بالدكتور عصمت بشارة، صيدلى ومالك مدبغة فى منطقة سور مجرى العيون، والذى قال إن تنفيذ مشروع نقل المدابغ للروبيكى بدأ منذ سنتين، ولكن هناك خللا فى تطبيق النظام، حيث تم توزيع أكثر من ٧٠٪ من المدابغ الجديدة على أصحاب المرحلة الأولى فقط، فهل من المعقول أن تتوزع الـ ٣٠٪ المتبقية على ٧٠ مدبغة و١٠٠ مصنع غراء وجلاتين.
وأضاف «بشارة» أن التعويض المالى الإجبارى أصبح هو الخيار الوحيد، رغم كثرة الشكاوى والتظلمات، وأشار إلى أن عملية الهدم بالونشات تمت يوم ٦ يوليو، وتم تسعير المدبغة بـ١٣٠٠ جنيه للمتر، على أساس أسعار عام ٢٠٠٩. 
وأضاف «بشارة» أن تلك الأراضى تسمى «ملكية إحكار» لأنها تعد ضمن العشوائيات فيتم ملكيتها من الناس مع تقنين وضعها من الحكومة، وقال: «ما ذنب أصحاب المدابغ فى عشوائية تقدير المساحات والأسعار ونفاد الأراضى ليصبح التعويض المادى إجباريًا، فماذا أفعل بالمال إن كنت لا أستطيع بناء مدبغة فى مكان آخر بعيدًا عن منطقة الروبيكي».
وقال أحد أصحاب المدابغ المنهدمة، إن المدبغة يعمل بها حوالى ٢٠ شخصًا، منهم من يعول أسرته بالكامل، فضًلا عن أصحاب المدبغة، وأضاف: «لو تم إعطائى حق المدبغة ١٠ مرات فلن يفيد، لأننا ورثنا المدبغة عن والدنا وهى مصدر دخلنا الوحيد أنا وإخوتى الخمسة». واشتكى صاحب المدبغة من تضرره من مصاريف نقل المعدات الضخمة والتى كلفته حوالى مائة ألف جنيه، كما أنه لا يعرف أين سيضع تلك المعدات الثقيلة وهو لم يتحصل على مساحة جديدة للمدبغة، وأشار إلى أن صناعة دبغ الجلود صناعة تكاملية لها أماكن محددة ولا يتم استخراج تصاريح بالمدابغ بعيدًا عن منطقة الروبيكي. ووجه استغاثة للرئيس عبدالفتاح السيسى قائلا: «ولادك متضررين يا ريس وكانت هناك عشوائية فى تقدير المساحات والأسعار وحصر مراحل نقل المدابغ»، والمنطقة الجديدة صحراء فلما لا يتم تمديدها لتشمل كل المدابغ حتى لا تتضرر صناعة دبغ الجلود فى مصر أو تتقلص. وناشد آخر، يملك إحدى المدابغ بالمنطقة، الرئيس السيسي، قائًلا: «نناشد «روح الأبوة» فى الرئيس أن يرأف بحالنا، فهذه مهنتنا التى لا نعرف سواها ومصدر دخلنا نحن وأطفالنا، مضيفًا «اللى خدوا أماكن أحسن مننا فى إيه»، وطالب الرئيس بالنظر فى حصر مراحل التوزيع وطريقة عمل الغرفة التجارية فى هذا الشأن، مشيرًا أنه يوجد أكثر من ١٠٠ مصنع غراء وجلاتين لم يتم ذكر اسمهم فى التعويضات المالية والمساحات المخصصة رغم أنهم ضمن عملية الهدم.
شكاوى السكان
وعلى صعيد آخر، فلم تكن المدابغ هى المتضرر الوحيد، بل امتد الهدم ليشمل سكان المنطقة، ممن يقطنون بجوار أعمالهم، فتشكو الحاجة الضريرة صفية عبدالله، إنها وعائلتها المكونة من ٨ أسر تم إبلاغهم بإخلاء «بيت العائلة» رقم ٣١٢ فى سور مجرى العيون، لأنه يقع ضمن نطاق المنطقة المحددة بالهدم، قائلة «بيتنا اتهد وعايزين غيره هنعمل إيه بالفلوس»، فتم الرد عليها من قِبل رئيس الحى أن يسكنوا عند أقاربهم «لحد ما ربنا يفرجها». وقالت هدى عبدالله، من سكان المنطقة المتضررين: «أنا وأسرتى عددنا ٢٨ شخصًا، وأولادنا يتلقون تعليمهم فى مدارس عين الصيرة، وورثنا البيت عن والدنا الذى ورثه عن جدنا، ونعانى من التشرد وانقطاع المياه والكهرباء وأعمال الهدم، التى جلبت «البلطجية» لسرقة «الخردة» والأبواب الحديد وبعض المعدات لبيعها، ما يجعلنا مهددين بالخطر طوال الوقت.
رئيس صندوق تطوير العشوائيات: تسكين 400 أسرة فى «الأسمرات»
قال المهندس خالد صديق، رئيس صندوق تطوير المناطق العشوائية، إن عملية نقل السكان الموجودين بمنطقة سور مجرى العيون تتم بشكل منتظم تمهيدًا لتسكينهم فى منطقة «الأسمرات»، وقد سكنت ٤٠٠ أسرة بالفعل فى حى الأسمرات ضمن المرحلة الثالثة.
وأضاف «صديق» فى تصريح خاص لـ«البوابة» أن هناك وحدات سكنية يقوم صندوق تطوير العشوائيات بالتنسيق مع مجلس الوزراء لشرائها من هيئة المجتمعات العمرانية، لصالح من يريدون السكن فى مدينة بدر بجوار المنطقة الصناعية الجديدة. ونفى «صديق» ادعاء البعض بعدم توفير وحدات سكنية لأهالى المنازل المنهدمة وإجبارهم على التعويض المادى الإجباري، مؤكدًا أن التعويض المادى لم يكن مقترحًا من الأساس، وسوف يتم توفير وحدات سكنية لجميع السكان القاطنين بمنطقة الهدم، وأشار إلى أن بعض الأسر تُزوج أبناءها فى بيت واحد ومن ثم يطالبون بشقة لكل شخص، ولكن التسليم يكون بمبدأ «وحدة مقابل وحدة»، وليس وحدة مقابل خمسة أو ست وحدات.
وقال إن بعض الأسر يوقعون عقود إيجار لبعضهم البعض ليتحصلوا على أكبر عدد من الشقق، وهو ما يعلمه الصندوق ويتصدى له، وأضاف أن الصندوق يشترط وجود «البطاقة الشخصية» القديمة وشهادة الميلاد وحق الملكية مع الأخذ فى الاعتبار أماكن مدارس الأطفال وغيرها من الأمور التى تضمن وصول الوحدة السكنية لمن يستحق.
وأضاف «صديق» أن الدولة تنفق المليارات على تطوير العشوائيات، وخصصت ٩٤ فدانا لساكنى هذه المنطقة، مشيرًا إلى أن الحصر أوضح أنه هناك حوالى ٢٠٠٠ حالة تستحق الوحدة السكنية، وهناك ٢٠٩٠ حالة لا تستحق ولكن يتم النظر فى أمرهم بدقة وعناية من خلال «لجان تظلمات».
ومن جانبه، أعلن اللواء خالد عبدالعال، محافظ القاهرة، الانتهاء من هدم ٢٤١ مدبغة و١٥ مقهى و١٢ كشكا و٣١ عشة خشبية و٥٤ محلا و٩ مصانع و٩٦ مخزنا و٢ إسطبل ومصنعين غراء ومعرضين جلود وورشة ومطعم بمنطقة مدابغ سور مجرى العيون بمصر القديمة. وأكد «عبدالعال»، أن المحافظة وفرت البديل المناسب لصناعة الجلود بمنطقة الروبيكى الصناعية، وذلك من خلال تخصيص ورش ومدابغ وأراض لإقامة مصانع مع توفير مركز تكنولوجى لتطوير الصناعة، مشيرا إلى أن تقديم المستندات المطلوبة للحى كان فى موعد أقصاه الخميس ٨ أغسطس، وأنه فى حالة التخلف عن المواعيد المحددة يتم اعتبار ذلك إقرارًا صريحًا منهم بعدم أحقيتهم فى التعويض المالي. ولفت المحافظ إلى أن إزالة المدابغ تأتى فى إطار خطة المحافظة لإعادة الرونق الحضارى والجمالى لمنطقة سور مجرى العيون الأثرية، واستغلالها بما يتناسب مع قيمتها التاريخية والأثرية لتكون مزارًا سياحيًا متميزًا ينضم إلى مزارات العاصمة.