السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

قبل مولد العذراء.. "البوابة نيوز" ترصد معلومات هامة عن دير المحرق.. أكبر أديرة الشرق على مساحة 20 فدانًا.. حرائق هائلة بالمنطقة وراء التسمية.. وراهب يكشف سبب تشييد كنيسة أخرى للعذراء غير الأثرية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

مقر رئيس الدير يتزين من الداخل بصورة كبيرة لرئيس الجمهورية

مدارس الدير التعليمية بها مُصلى للطلبة والمعلمين المسلمين

الدير يخصص مواعيد ثابتة لصرف معونات مالية وغذائية للفقراء والأرامل والأيتام

قبل أيام قليلة على حلول صيام العذراء مريم، 7 أغسطس المقبل، وبدء مولد الـ 15 يوم الخاص بها، بكافة أديرتها، زارت «البوابة نيوز» دير العذراء مريم المحرق، بمركز القوصية، أسيوط، وحالفنا الحظ للدخول إلي الحصن الأثري العريق، الموجود بالدير، لنرصد كافة أسراره.

أهم ما يميز «المحرق» أنه لا يعتبر فقط مجرد دير للتعبد، بل هو أيضا مزار سياحي، كون ما يحويه من أثر قبطي تاريخي، حيث اختبأت به العائلة المقدسة «مريم العذراء، وطفلها يسوع، ورفيقهما يوسف النجار» أثناء هروبها من فلسطين، من مطاردة الملك "هِيرودُس" الذى كان يسعى لقتل الطفل، ومكثت به العائلة فترة أطول من أي مكان أخر اختبأت به، 6 أشهر وعشرة أيام، وفقا لما ذُكر في المصادر الكنسية، وكتاب الأنبا غريغوريوس "الدير المحرق"، وكان آخر مكان للعائلة في رحلة الهروب، فبحسب الأناجيل ترآى ملاك الرب ليوسف في حلم، وهم في مِصر، وأمره بأن يأخذ الصبي وأمه، ويذهب إلى إسرائيل، لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبي.


(تاريخ وموقع الدير)

تأسس الدير حوالي سنة 342م، على يد الأنبا باخوم،المعروف بـ «أب الشركة»، ضمن سلسلة الأديرة التي شيدها في الصعيد، ويقع الدير في سفح الجبل الغربي المعروف بـ "جبل قُسقام"، وهو اسم قبطي لوصف ولاية فرعونية خربت واندثرت منذ زمن بعيد في هذه المنطقة، ويبعد عن مدينة القوصية التابعة لمحافظة أسيوط بحوالي 12 كيلومتر غربًا، وتبلغ مساحته حوالي 20 فدانًا، ليصبح بذلك أكبر دير، من حيث المساحة، مقارنة بكافة الأديرة الموجودة في الصحاري المصرية، بل في الشرق كله.

(تعدد تسمية الدير)

سمى الدير بأكثر من اسم، ارتبط بحدث معين، فسمى دير العذراء مريم، لاختبائها في تلك البقعة من مصر، لحماية طفلها من الشر الهيرودِسي، وبالتحديد في غرفة بناها يوسف النجار، هي حاليا هيكل الكنيسة الأثرية، فسُمي الدير على اسمها.

كما أطلق عليه، دير المحرق: ولا يوجد سبب مؤكد وراء تسمية الدير بالمحرق، بل تعددت الروايات، إحدى أشهر هذه الروايات، الأعشاب الكثيفة التي كانت تنمو في منطقة الدير، لم يتمكنوا من التخلص منها، إلا بالحرق المستمر لها، ولهذا دُعيت المنطقة بالمحرقة، وهناك رواية أخرى تقول، أن والي مقاطعة الأشمونين، إحدى القرى التابعة لمركز ملوى، بمحافظة المنيا، دخل في حرب شرسة مع والي قسقام (القوصية حاليا)، وانتصر عليه، ثم حرق المنطقة بأكملها، فسميت بالمحرقة.

وأطلق عليه أيضا دير قُسقام: نسبة إلي جبل قُسقام الموجود في سفحِهِ الدير، وكانت بقربه المدينة الفرعونية المندثرة، وقسقام مصطلح اطلقه قبطي مصر على المنطقة، حيث تعني "قُس" المندثرة، و"قام" تعني إلي الأبد، أي "المدينة المندثرة بلا عودة".


(المعالم الأثرية بالدير)

يوجد بالدير معالم أثرية عريقة يعود زمنها للقرون الميلادية الأولى، منها:

"الحصن"

يعود تاريخ الحصن إلى ما بين سنة 474 ل 491 م، حينما ترهبنت إيلاريا، ابنة الإمبراطور الأرثوذكسي "زينون"، بدير وادي النطرون، وعندما زار والدها الدير، وعلم بهجمات البربر، وبدو العرب عليه، والذين اعتادوا ذبح الرهبان، وسرقة ممتلكاتهم، فأمر ببناء حصن عتيق لها ولراهبات الدير، ثم طلبت ايلاريا من والدها بناء مثل هذا الحصن في كافة الأديرة في مصر، وكان من بينها الدير المحرقي.

وفي لقاء لنا بأحد رهبان الدير كان بقرب الحصن، رفض ذكر اسمه، قال: "هذا الحصن قد تم بنائه خصيصًا لتحصُّن الرهبان بداخله، حال حدوث هجمات البربر على الدير، وكان يتم فرض حصار بهدف إجبار الرهبان على الاستسلام، وكانت تدوم لفترات طويلة، يظل خلالها الرهبان داخل الحصن، يرفعون الصلوات ويلتمسون معونة الله".

وتابع: "الحصن بناء قوي، له مدخل واحد، عبارة عن قنطرة خشبية معلقة ومتحركة، وله نوافذ عالية جدا، عبقرية في التصميم، مقاطعها الأفقية مخروطة الشكل، ما يؤدي إلي استحالة رؤية الناظر من الخارج لما بدخله، ولكن يسمح لمن بالداخل أن يرى خارجه".

وبسؤاله عن مصادر الماء، وكيف كان يتم الحفاظ على الطعام من الفساد أثناء فترة الحصار داخله، قال: "كان الحصن دائما مجهزا لإيواء الرهبان لأوقات طويلة حتى ينفك الحصار، ومهيأ لخدمتهم روحيًا ومعيشيًا على قدر متطلبات الجسد الأساسية التي تكفل استمرارية الحياة، فكان يتم الحصول على الماء من أحد الآبار القريبة من الحصن خارجا، من خلال وصلة داخلية، أما الطعام فكان يتم الاعتماد على الترمس فقط، لأنه لا يسوس أو يتلف أثناء تخزينه، وهو به نسبة كبيرة من دهون نباتية، وكربوهيدرات، وكالسيوم، وفسفور، وفيتامينات، وعناصر غذائية أخرى مفيدة.

ثم استطرد الراهب كلامه قائلا: "بالطبع عند حديثنا عن حصن الدير المحرق الأثري لا يمكن لنا أن نتغافل الساعة الشمسية، والموجودة على جداره الخارجي، وكانوا قديما يضعون مسمار بميل أو اتجاه معين، حسب فصول السنة، وعندما كانت تشرق الشمس، كان المسمار يعطي ظلًا يعرفون منه الوقت، ولو على وجه التقريب".

ولاحظت «البوابة» في الطابق العلوي للحصن كنيسة صغيرة لها مذبح، وبسؤاله عنها أوضح: "أنها كنيسة الملاك ميخائيل دشنها الرهبان الأوائل لممارسة طقوس القداس بها خلال فترات حصارهم بالحصن، والتي تطول بالشهور، وأما الآن لا يقام بها الصلوات إلا في مناسبات قليلة جدًا، منها عيد صاحب الكنيسة الملاك ميخائيل".


وأخيرًا، وعن تلك الهياكل المصممة على شكل رهبان، قال: "لقد اصبح الحصن المحرقي مزارا أثريا كبيرا، يدخله العديد من المقبلين على الدير، وهذه بانوراما صممت لتوضح كيف كانوا الرهبان قديمًا، يحيوا داخل الحصن أثناء حصارهم، وكيف كانوا يتحركون، ويصلّون، فهي نوع من التعريف، بالإضافة إلي إمتاع الزائر، وجعله يشعر نفسيا بالحالة الكاملة للراهب القديم داخل هذا الحصن، خلال أوقات الهجوم والحصار البربري".

"كنيسة العذراء الأثرية"

تعد كنيسة العذراء الأثرية أقدم من تاريخ الدير، حيث ترجع للقرن الأول الميلادي، في حين تأسس الدير في القرن الرابع، وهي موجودة في الجهة الغربية للدير، وهيكلها الحالي كان الغرفة التي احتوت العذراء وطفلها، ويحوي على الحجر الذي كان يجلس عليه الطفل يسوع وأمه.

ويؤكد مصدر من داخل الدير لـ «البوابة»، أن القداس الإلهي يُقام يوميًا داخل هذه الكنيسة، ولابد أن تُتلىَ كافة صلواته باللغة القبطية، احترامًا لوصية الآباء السابقين الذين منعوا استخدام أي لغة أخرى داخل هذه الكنيسة بالتحديد، غير القبطية.

وبسؤاله عن أيقونة العذراء الموجودة في الجانب الأيمن للهيكل، قال: "تعد هذه الصورة نسخة من إحدى الصور الثلاث التي رسمها تلميذ المسيح لوقا الإنجيلي، ويرجع تاريخها،تقريبا، إلي 650 سنة".


"كنيسة مار جرجس"

توجد "كنيسة مار جرجس إلي الجنوب من كنيسة العذراء الأثرية، بنيت فيما بين 1870 و1884 م، تعد ثاني أكبر كنيسة بالدير، بعد الكنيسة الخارجية الجديدة، ويقول أحد الرهبان ويدعى "دميان": أهم أثر تاريخي في هذه الكنيسة هو أيقونة العذراء التي تحمل فيها المسيح على ذراعها الأيسر".

وبالقرب من باب الكنيسة لاحظنا توابيت دائرية مغلفة بمفارش حمراء اللون، وبسؤالنا عنها قال: " يوجد مدفن دفن فيه بعض رؤساء الدير، وهو يمتد تحت الأرض، ويوجد على الحائط الجنوبي للكنيسة لوحة رخامية مسجل عليها بعض من دفنوا في هذا الموقع"، وطالبناه بذكر بعض أسامي هؤلاء المدفونين، فذكر منهم، الأنبا باخوميوس،أسقف للدير المحرق، والأنبا ساويرس،أسقف أبرشية صنبو، والقمص ميخائيل البحيري.


"كنيسة العذراء مريم الجديدة"

وأثناء تجوالنا بالدير بعيدا عن محيط أسواره الداخلية، وجدنا كنيسة أخرى يبدو عليها الحداثة والضخامة، واقعة إلي جانب المدخل الكبير للدير على يسار الداخل، تميزت من الداخل والخارج بالجمال والأناقة، وحينها استوقفنا أحد الرهبان وسألناه عن هذه الكنيسة، فقال: "أنها كنيسة العذراء مريم الجديدة، وأكبر كنائس الدير"، ولأن الدير به كنيسة للعذراء مريم أثرية، كما أشرنا، فكان طبيعي أن يفرض هذا السؤال نفسه علينا، ما هدف تأسيس كنيسة أخري جديدة للعذراء، إن كان موجود بالدير واحدة من أقدم وأعرق الكنائس لها؟، فأجاب قائلا: "حياة الرهبنة تحتاج للهدوء والانعزال عن ضوضاء العالم والزائرين، وكان معظم صلواتهم تتم داخل الكنيسة الأثرية، وكان الزوار يتزاحمون عليها بشدة مما يقطع على الراهب محاولات انشغاله بالعبادة والوحدة مع الله، فكان لزاما إنشاء كنيسة أخرى مخصصة للزوار يتم فيها كافة متطلباتهم الروحية، مثل تعميد الأطفال بداخلها، وبالفعل هذا ساعد على تقويم مسار النظام بالدير".

وعن تاريخ الكنيسة أضاف: تأسست عام 1940م في عهد الأنبا أغابيوس رئيس الدير إنذاك، وأشار الراهب إلي المساحة الكبيرة المبلطة بالبلاط الأبيض الكبير خارج الكنيسة، حيث أوضح أن هدفها جلوس الزائرين بها، والشجرتان الكبيرتان الموجودتان وسط الساحة، تم زراعتهما خصيصًا ليستظل بهما الزوَّار من حرارة الشمس، ولهيبها خلال مولد العذراء وعيدها الموافق 28 يونيو.


"قصر الدير الجديد"

وقفنا طويلا أمام هذا قصر الدير الجديد المكون من ثلاث طوابق، والجذاب بأشجاره الخلابة المحيطة به، وللأسف كان مغلقًا، وكان صعب علينا اختراق حواجزه، ولكن عزمنا على أن نعرف،على الأقل، ما حكايته، وما يوجد بداخله، فتواصلنا مع أحد الآباء المسئولين بالدير، والذي طلب منا عدم البوح باسمه، وبدأ حديثه عن القصر قائلا: "هذا القصر هو مقر إقامة رئيس الدير،الأنبا بيجول حاليا، وهو مقر لزيارة كبار الأساقفة، والمطارنة، وشخصيات كبرى من الدولة".

وعن الطوابق الثلاثة وتقسيمها قال: "الطابق الأول عبارة عن قاعة استقبال كبيرة زُينت جدرانها بصورة رئيس الجمهورية، والبابا البطريرك، والأساقفة والمطارنة الذين تخرجوا من الدير، الأحياء منهم والأموات، أما الطابق الثاني مخصص لرئيس الدير، وبه أيضا قاعة استقبال، وحجرات للمبيت، ودورة مياه، وأخيرا الطابق الثالث، به حجرات وغرف تستخدم كمخازن فقط".

وعن تاريخ القصر قال: "شيده رئيس الدير المُتنيح الأنبا باخوميوس الأول عام 1910م، وبه مكتبة يحتفظ فيها رئيس الدير ببعض المخطوطات الثمينة".


المطبوعات والمخطوطات بالدير"

المخطوطات: توجد مكتبة المخطوطات بالدير المحرق داخل القصر الجديد بالطابق الأول، ويبلغ عدد هذه المخطوطات 708 مخطوطة، كتبت معظمها في الفترة ما بين 1870 و1884، فترة رئاسة الأنبا ميخائيل الأبوتيجي، ومن المخطوطات المهمة بها، كافة طقوس الكنيسة الأرثوذكسية.

المطبوعات: توجد داخل مبنى مدرسة الرهبان الكائن بالقرب من الكنيسة الجديدة، وتم تأسيسها بناء على رغبة الرهبان، كمقترح إصلاحي، وشارك عدد كبير من رهبان الدير، وأساقفته في إهداء هذه المكتبة من كتبهم الخاصة، لتحويلها لبحر زاخر من المعارف، والعلوم المختلفة والمتنوعة، بإجمالي عدد كتب وصل لحوالي 2831 كتابا، ومن أهم هذه الكتب، كتب عقائدية ولاهوتية، وكتب إسلامية، وكتب مشاهير الكتاب المقدس، وكتب مشاهير القديسين، وكتب في القانون الكنسي، وكتب في اللغة القبطية، وكتب الفلسفة، وعلم النفس والاجتماع، وكتب لروايات عربية، وكتب أدب، وكتب علمية، وطبية، وتاريخية، وجغرافية.


"مدرسة الرهبان"

انشأ الأنبا باخوميوس الأول عام 1906 مدرسة الرهبان، بهدف تثقيف الرهبان، ورفع مستواهم العلمي، والديني، وهي موجودة خارج أسوار الدير الداخلية، وبها أكفأ المعلمين من الكليات الإكليريكية، وكان الدير يعفي الرهبان الدارسين بها، من أعمال الدير الزراعية، والصناعية، حتى يتمكنوا من التركيز فقط في دراستهم وعبادتهم.


"المدارس الدير التعليمية "

شعر رهبان الدير سنة 1930 بأن هناك واجب عليهم لمحو الأمية، فانشأ الدير مدرسة ابتدائية بسيطة في قرية الرزقة، وكان الدير يدفع نفقات الكتب، والمدرسين، وتم تطويرها، وتجديدها مع الوقت، وظل هذا الوضع حتى عام 1949م، حيث اخضعت المدرسة لإشراف وزارة التربية والتعليم، وفي عام 1950 دخلت نطاق الإعانة، وأصبحت مدرسة خاصة مجانية، يتعلم بها الطلاب بدون أي مصاريف دراسية، على أن تتولى الوزارة تعيين المدرسين، وصرف رواتبهم من ميزانيتها الخاصة، وفي 8 أكتوبر 1951 تم اعتماد المدرسة من قبل وزارة التربية والتعليم، وفي العام 1954 تحولت المدرسة إلي مدرستين، ابتدائية إلزامية، واعدادية، وتحوي المدرستين مصلى للمعلمين، وللطلبة المسلمين، وبها كافة الإمكانيات من ملعب، وحجرات للأنشطة الموسيقية، ومكتبة للقراءة، وبها معمل كيميائي، والأعظم أن مدارس الدير تخدم حوالي 12 قرية مجاورة.


(نشاط الدير الاجتماعي)

بمجرد أن تطأ قدمك أرض الدير، ستلاحظ على الفور الحِراك الزراعي، والصناعي، بل والصحي أيضًا، حيث يبدأ العمل من الرابعة صباحًا، وتمثل هذه النشاطات رزق واسع لعدد كبير من الفقراء والمحتاجين، كما يوفر فرص عمل لمئات الشباب، وحاولنا أن نستعلم عن مختلف مناحي النشاطات به، وآلية إدارة الدير لها، فيقول الراهب "عزرا" يعمل بحراثة أرض الدير: "دأب الدير منذ القدم على تقسم الرقعة الزراعية التابعة للدير إلي قطع صغيرة، ليستفيد وينتفع بها عدد أكبر من المستأجرين، لما تدره هذه الأرض من ربح كبير، وهنا نظام مستقيم لا يمكن لمستأجر أن يجور على مستأجر أخر، وتعتبر القطعة ملك خاص، لدرجة يتم توريثها للزوجة أو الأبناء بعد موت الوالد، في مثال قوي على الرحمة والعمل الجماعي الصحيح".

وتابع كلامه: "الدير يقدم مساعدات للمستأجرين من آلات زراعية لا يملك المستأجر مقدرة مالية على شرائها، وسنويا، ومن موسم لأخر، يستغل الدير عدد كبير من الشباب في الزراعة، مما يفتح بيوتهم ويوفر لهم قوت وافر".

ومن الناحية الصناعية، يقول الراهب "يسطس" يعمل في الصناعة: "العمل هنا للجميع، للمسلمين قبل المسيحيين، مشيرا إلي أن الدير يهتم بصناعة منتجات الألبان، وصناعة البلاط، وكافة أعمال البناء الحديث من أخشاب، وبوابات، وأدوات صحية، وكهربائية".

وأضاف: "كل هذه الصناعات تدرّب عليها أعداد كبيرة من العاملين، واتقنوها بحرفية شديدة، حتى أن بعضهم هاجر لدول خارجية، وعمل بهذه الحرف والمهن"، مضيفا أن الدير به مصانع للسجاد الدقيق".

وعلى المستوى الصحي، فيقول أحد الرهبان الذين تخرجوا من كلية الطب: "الدير يهتم بشدة بالمرضى الفقراء، غير القادرين على تكاليف العلاج الخارجي، كما حرص الدير منذ زمن، على مد أهالي المنطقة بالمياه النظيفة".

وأكد أن هناك مواعيد ثابتة، يصرف فيها الدير معونات مالية، ولحوم، وغلال، لمئات من الفقراء والأرامل، والأيتام، كما يساهم في إعانة الطلبة المحتاجين مصاريف دراستهم، وكل هذه المعونات للمسلمين والمسيحيين، دون تفرقة، فالخدمة والمساعدة مقدمة للإنسان".

وأخيرا، وليس بآخر، فالدير المحرق أكبر من أن نسبر أغواره في يوم واحد، فهو تاريخ، وحياة بها حِراك مستمر، وكل جزء فيه خلفه حكاية، بل أن كل راهب به لديه رحلة جهاد، تحتاج لصفحات، وصفحات لسردها، غير إن كل زائر لديه ذكريات بين أسواره، فهو ليس مجرد دير ملك المسيحيين وحدهم، بل إنه أثر تاريخي قبطي وطني، تفتح أبوابه أمام الجميع، من مصر ومن خارجها.