الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

فن الكاريكاتير في مصر.. البداية «اعتراض على الملكية»

ثورة يوليو ١٩٥٢
ثورة يوليو ١٩٥٢
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عانت الفنون كثيرًا قبل اشتعال أجواء ثورة يوليو ١٩٥٢، فكان أغلب الأعمال التشكيلية والكاريكاتورية بها صبغة ولهجة غربية، ومن أجل تمصيرها والاهتمام بها اضطر فنان الكاريكاتير محمد عبدالمنعم رخا، للمخاطرة من أجل الحفاظ على الهوية المصرية وعبر عن مشاهد الملكية فى لوحاته الكاريكاتورية التى قادته نحو نتيجة سلبية وهى السجن لمدة أربع سنوات.
سرد «رخا» هذه التجربة فى مقال بمجلة الهلال صدر فى ١٩٦٢، وقال: «رسمت على غلاف مجلة «المشهور» صورة كاريكاتورية للمدير الأجنبى يضرب عاملًا بخنجر فى ظهره وقد سال دمه، ورسمت رئيس الوزراء فى ملابس عسكرى بوليس يجرى نحو العامل المصاب ويقول له: وكمان وسخت بدلة الخواجة بدمك الزفر»، فكانت هذه الرسمة التى دفع بسببها أربع سنوات من عمره بالسجن، وكانت تُهمته هى «العيب فى الذات الملكية».
ومن بعد انتهاء هذه الفترة، ظهر فن الكاريكاتير من جديد ليُعبر عن كل الأحوال الاجتماعية والسياسية التى تمر بالبلاد ما قبل اشتعال أنفاس ثورة يوليو والقضاء على الملكية، فالتحق «رخا» بمجلة روزاليوسف ورسم العديد من الأعمال الكاريكاتورية المُضادة للحكم الملكى والحكومة القائمة فى ذلك الوقت حتى اتخذت الحكومة إجراءاتها ضد هذه المجلة وعملت على تحطيمها وتشجيع الشعب على مقاطعتها، ولكن واجه الفنان كل ذلك بمساعدة مؤسسة المجلة السيدة روزاليوسف.
وتمر الظروف على الفنان بانتقاله للعمل فى أخبار اليوم، مرورًا بالعديد من الأحداث التى لم تؤثر على إصرار «رخا» فى التعبير عن كل ما يحدث حوله فى البلاد من أحداث من خلال أعماله الكاريكاتورية، حتى أصدر فى ١٩٤٦ كتاب «صور ضاحكة» الذى عالج فيه العديد من القضايا السياسية والاجتماعية.
ثم تعاقبت من بعد «رخا» أجيال من رسامى الكاريكاتير الذين تعلموا على أيديه، ثم عبروا فى أعمالهم عن أحداث ثورة يوليو وما تمر به البلاد خلال هذه الفترة وفترة الستينيات، وكان من بينهم صلاح جاهين، وصاروخان، فعبر الفنانون عن رؤيتهم للأوضاع التى شهدتها البلاد بعد أحداث ثورة يوليو، وكانت المجلات تمتلئ فى هذا الوقت بأعمالهم التى لمست مشاعر الشعب بأسلوب فكاهي.
الفنان صلاح جاهين مُتعدد المواهب، فكتب الشعر ورسم الكاريكاتير وأنتج الأفلام ومثل ببعض الأعمال السينمائية، فهو كنز فنى زاخر، مع انطلاق أجواء ثورة يوليو ١٩٥٢ كتب الشعر فكانت حركة الضباط الأحرار بها تُمثل مصدر الإلهام عنده، فكثير من أغانى الثورة التى رددها الشعب المصرى كانت من كلماته.
أما عن الكاريكاتير فاتجه له «جاهين» بعد ذلك خلال فترة الستينيات، لينقل الأوضاع والظروف السياسية فى البلاد بشكل فكاهى وساخر رسم به الضحكة على أوجه العديد من مُتابعيه، وبدأ بنشر أعماله الكاريكاتورية فى مجلة روزاليوسف، مرورا بالعديد من المجلات الأخرى حتى استقرت أعماله فى جريدة الأهرام، لينقد ما يراه بشكل إيجابى وبناء وحس فكاهي.
أما عن الفنان والمُبدع صاروخان، فهو أرمنى عشق مصر وعبر عن أحوالها الاقتصادية والسياسية والمعيشية فى العديد من أعماله، وجاء للعيش بها فعرَف المجتمع بشكل أكبر على فن الكاريكاتير، حيث انتقل فى بدايته بين العديد من المجلات والجرائد خلال حياته، وكان من بينها روزاليوسف، أخبار اليوم، الأخبار، والمستقبل، بالإضافة إلى عمله فى مجلات مصرية باللغة الفرنسية مثل «لابورس إجيبسين، وإيماج»، حتى استطاع فى النهاية أن يحصل على الجنسية المصرية بعد أن منحه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر إياها وهو فى السابعة والخمسين من عمره.
وجاءت أعماله قبل أحداث ثورة يوليو لتُمثل وتُجسد واقع الحكام والطبقة الأرستقراطية، فصورهم فى أعماله على هيئة قطع الشطرنج التى تُساير حركة أيدى كل من الملك والمُستعمر الإنجليزي، وفى الوقت نفسه جسد حال الشعب المصرى وخصوصًا طبقته المتوسطة، فأخرج شخصية تُعبر عنه بمسمى «المصرى أفندي» وكانت شخصية ترتدى الزى الأجنبى ليدل على تقدمها وتطورها ولكنه يحمل فوق عينيه نظارة تدل على ثقافته وذكائه ومعرفته بكل مُجريات الأمور.