الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

تفاصيل المؤامرة البريطانية على رأس توت عنخ آمون

رأس توت عنخ آمون
رأس توت عنخ آمون
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

جريمة مكتملة الأركان، جرت وقائعها فى عاصمة الضباب «لندن»، بعد إعلان صالة كريستيز للمزادات، عن بيع أكثر من 32 قطعة أثرية مصرية فرعونية على رأسها رأس حجرية للملك المصرى الذهبى توت عنخ آمون، وإذا كان من حق مصر استرداد تراثها الذى نهب منها وخرج خفية، فإن المتهم الأول وفق تصريحات الخبراء والتحركات الرسمية المصرية، يتمثل فى السلطات البريطانية التى رفضت التعاون مع الجانب المصري، وكذلك صالة المزادات التى أجرت المزاد متجاهلة المطالب المصرية المشروعة، وأصرت على إتمام بيع الآثار المصرية المنهوبة فى مزاد علنى يمكن أن يسدل الستار على حق مصر فى استعادة آثار أجدادنا، ويضيع حقنا فى حماية تراثنا، وسط رفض واستنكار وزارتى الخارجية والآثار المصريتين لهذا المزاد.


وبعد أن كان تجار الآثار يتخفون بكل الطرق خوفا من افتضاح أمرهم أمام الجهات الرسمية أو الدولية، باعتبارهم يقومون بعمل يجرمه القانون والعرف الدولي؛ إذا بهم ينتهجون مسلكا جديدا يؤصل لسرقة ثروات الشعوب وتراثها عن طريق التعاون مع المتهم الرئيسى فى هذه القضية وهى صالات العرض، التى تخالف كل القوانين والأعراف الدولية وترفض الاستجابة للمطالب الشرعية للدول فى الحفاظ على تاريخها.

كريستيز تتعنت..

القصة بدأت مع إعلان صالة كريستيز للمزادات العالمية، بداية شهر يونيو الماضي، عن عرضها رأس منحوتة للملك الذهبى توت عنخ آمون للبيع، خلال مزاد أقيم يوم الخميس ٤ يوليو، وسط تعتيم متعمد حول كيفية العثور على التمثال، ووصوله ليد البائع، ومستندات ملكيته، ومع الوقت تم الإعلان عن بعض المعلومات حول المالك المجهول للتمثال، الذى أكد أن التمثال تعود ملكيته الأولى لأحد الأمراء الألمان فى حقبة الستينيات من القرن الماضي، إلا أن بعض التقارير الإعلامية التى نشرت كشفت عن كذب هذه المعلومات بعد نفى أسرة الأمير المذكور ملكية والدهم للتمثال لأن جمع الآثار ليست من هواياته، مما يعد دليلا على أن التمثال خرج من مصر بشكل غير شرعي، الجهات الرسمية المصرية، سعت من اللحظة الأولى بكل قوة لدى دار العرض لإيقاف البيع كما حدث فى مرات سابقة إلا أن الدار أصرت على موقفها المتعنت والغامض بكل قوة.


حيث خاطبت وزارة الآثار، صالة مزادات «كريستيز»، بلندن، ومنظمة اليونسكو، لوقف إجراءات بيع القطعة الأثرية والتى تنسب إلى الملك توت عنخ آمون وطالبت الوزارة بالحصول على المستندات الخاصة بملكية القطعة الأثرية، فضلا عن المطالبة بأحقية مصر فى القطعة فى ظل القوانين المصرية الحالية والسابقة؛ كما خاطبت السفارة المصرية فى لندن وزارة الخارجية البريطانية وصالة المزادات لوقف عملية البيع والتحفظ على رأس التمثال وطلب إعادته إلى مصر، ومطالبة الجانب البريطانى بوقف بيع باقى القطع المصرية المزمع بيعها بصالة كريستيز يومى ٣ و٤ يوليو الجاري، والتأكيد على أهمية الحصول على كافة مستندات الملكية الخاصة بها، إلا أنه ورغم كل الإجراءات بيعت رأس توت عنخ آمون بما يقرب من ٦ ملايين دولار.


«حواس» يخرج عن صمته..

ورغم المخاطبات التى تقدمت بها وزارتا الآثار والخارجية، إلا أن صالة المزادات ضربت بكل هذه المخاطبات عرض الحائط واستمرت فى إجراءات عقد المزاد تمهيدا للبيع، ما دفع طارق محمود المحامى بالنقض والدستورية العليا، للتقدم بلاغ للنائب العام، يوم ١٢ يونيو الماضي، قيد تحت رقم ٨٠١٤ لسنة ٢٠١٩ عرائض النائب العام، اتهم فيه صاحب ومدير صالة مزادات كريستيز بلندن وآخرين بسرقة وتهريب الرأس الحجرى للملك توت عنخ آمون وعرضها للبيع بالمزاد العلنى بدار كريستيز يوم ٤ يوليو الجاري، بثمن يبلغ ٤ ملايين جنيه استرليني؛ وهو ما اتفقت معه تصريحات الدكتور زاهى حواس وزير الآثار الأسبق الذى أكد أن رأس توت عنخ آمون المعروضة بصالة المزادات تمثل الإله آمون بوجه توت عنخ آمون، ولم تخرج من مقبرة الملك توت لأن الـ ٥٣٩٨ قطعة التى اكتشفها «كارتر» لم يعثر على أثر واحد من الحجر وخاصة أن الرأس من حجر الكوارتزيت، مؤكدًا أن هذا الرأس سُرق من معبد الكرنك بعد عام ١٩٧٠، مضيفا أنه عضو فى اللجنة العليا لاستعادة الآثار المسروقة. والدكتور «خالد العناني، وزير الآثار الحالى طلب من المستشار نبيل صادق النائب العام عمل إنابة قضائية بالإضافة إلى إرسال خطاب إلى اليونسكو.

وأوضح حواس أن صالة «كريستيز أعلنت عن الشخص الذى يملك الرأس، واتصلت الصحف بهذا الشخص ووُجد أنه متوفى وأنكرت عائلته صلتها بتوت عنخ آمون لذلك لا يوجد لدى صالة «كريستيز» أى دليل لخروج الرأس بطريقة قانونية، وهو ما يؤكد كذب وتدليس صالة المزادات، علاوة على تواطؤ السطات البريطانية المعنية فى اتخاذ إجراء قانونى عاجل قبل البيع.

وأشار حواس إلى أن بيع رأس «الملك توت عنخ آمون» سوف يكون نقطة سوداء فى تاريخ هذه الصالة لأن التمثال لا يخص حضارة مصر فقط بل العالم أجمع. واختتم حواس حديثه قائلًا: مالك هذا التمثال والصالة لو سلما التمثال لمصر سوف يعرض داخل معرض توت عنخ آمون بباريس ثم لندن ثم مصر بدلًا أن يشتريه شخص ثرى ويعرضه داخل حجرة مظلمة لا يراه العالم، مشددا على أن التمثال لو عرض للبيع سيصبح يوم بيعه يوما أسود فى تاريخ صالة «كريستيز».


مصر تتمسك بحقها..

من جانبها اجتمعت اللجنة القومية للآثار المستردة فى القاهرة يوم ٨ يوليو الجاري، أى بعد خمسة أيام من بيع رأس توت عنخ آمون فى بريطانيا، برئاسة الدكتور خالد العنانى وزير الآثار، وحضور الدكتور زاهى حواس وقيادات كل من وزارات الخارجية والداخلية والعدل والنيابة العامة وهيئة قضايا الدولة وغيرها من الجهات المعنية، لمناقشة الموقف حيال مزاد «كريستيز» وكافة الإجراءات التى سيتم اتخاذها من جانب السلطات المصرية بعد بيع قطع الآثار المصرية، وأعربت اللجنة خلال الاجتماع عن بالغ استيائها من التصرف غير المهنى حيال بيع القطع الأثرية المصرية بدون إظهار سندات الملكية وما يثبت شرعية خروجها من مصر حتى تاريخه؛ كما أعربت أيضا عن استغرابها الشديد من عدم تقديم السلطات البريطانية الدعم المُنتظَر منها فى هذا الشأن.

وأثنت اللجنة على قرار النيابة العامة المصرية بمخاطبة الإنتربول الدولى لاستصدار نشرة لتعقُب القطع الأثرية المُباعة فى جميع دول العالم والتنسيق مع وزارة الخارجية لإرسال توجيهات للسفارات المصرية بالخارج لمتابعة هذه القطع وإخطار السلطات المصرية بظهورها فى أية دولة، والعمل على التحفُظ عليها لحين عرض سندات الملكية الخاصة بها والتحقُّق منها. هذا، بالإضافة إلى تكليف مكتب محاماة بريطانى لاتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة لرفع دعوى قضائية مدنية.


وأكدت اللجنة تطلعها إلى المزيد من التعاون من جانب السلطات البريطانية فى هذا الشأن، فضلًا عن تأكيد اللجنة على مخاطبة الحكومة البريطانية لمنع خروج وتصدير القطع الأثرية من الأراضى البريطانية لحين اطلاع السلطات المصرية على سندات الملكية الخاصة بها وما يثبت شرعية خروج تلك القطع من مصر، وذلك فى إطار التعاون المستمر بين البلديّن فى مجال العمل الأثري، خاصةً فى ظل عمل ١٨ بعثة أثرية بريطانية فى مصر. وعلّق مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، على بيع رأس توت عنخ آمون قائلا: «إننا نتطلع لمزيد من التعاون بين السلطات المصرية والبريطانية فى هذا الشأن، وذلك حرصًا على استمرار التعاون فى مجال العمل الأثري، وخاصة أن هناك بعثات أثرية بريطانية عاملة فى مصر».

وأضاف «وزيري»، الجانب البريطانى أكد أن القطعة الأثرية خرجت فى الستينيات قبل اتفاقية اليونسكو وقبل قانون حماية الآثار لسنة ١٩٨٣، مشيرا إلى أنه حتى الآن لم تظهر بريطانيا بأى سندات ملكية لتلك القطعة أو خروجها بطرق شرعية، وصالة كريستيز للمزادات لا تمتلك الأدلة ومستندات الملكية لبيع القطع الأثرية. وأشار إلى أن بعض المصريين كانوا متواجدين خارج مقر المزاد، يدعون لوقف المزاد، وبعض النشطاء يحاولون الضغط الشعبى ونحن نسير بشكل رسمى من أجل استرداد تلك القطع الأثرية.