الجمعة 24 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

تقارير وتحقيقات

يهود الفلاشا بإسرائيل.. عنصرية وهوية ضائعة.. مجتمع الصهاينة يأخذ الشكل الهرمي.. والعبيد «الكوش» في الدرجة الأدنى.. 41% من الإثيوبيين تحت خط الفقر.. والغالبية تعمل بالوظائف الخدمية المتدنية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تشهد إسرائيل من وقت لآخر احتجاجات من قبل يهود الفلاشا، بسبب الممارسات العنصرية التى تحدث ضدهم من قبل الإسرائيليين، نتيجة للحرمان والاضطهاد الذى يعانون منه بسبب إجراءات حكومة الاحتلال الإسرائيلية.

فالأحداث الأخيرة التى خرج فيها يهود الفلاشا إلى الشوارع معترضين على مقتل أحد أبنائها على يد شرطى إسرائيلي، سلطت الضوء على أزمات مجتمع الاحتلال، وما يقوم به من ممارأسات تجاه الطوائف المكونة له.

ويهود الفلاشا هم القادمون من إثيوبيا إلى إسرائيل، بداية من ثمانينيات القرن الماضى وحتى أواخر القرن العشرين، يتم معاملتهم على أسس تمييزية فى شتى جوانب الحياة اليومية، فيكفى على سبيل المثال الإشارة إلى أنه يطلق عليهم لفظ «كوش» وهى كلمة تعنى «العبيد»، ما يؤذى مشاعرهم ويزيد من عمق الهوة الفاصلة بينهم وبين باقى الطوائف الصهيونية الأخرى.

 

عنصرية متعددة الأبعاد

لا يوجد اتجاه واحد للعنصرية الإسرائيلية تجاه يهود الفلاشا، فمنذ وصولهم إلى إسرائيل، عانى يهود الفلاشا من التمييز، إذ إن العنصرية لا تأتى فقط من المواطنين بل تأتى من جانب «المؤسسات» الإسرائيلية وهو ما يجعلهم الفئة المحرومة هناك، فالمؤسسات الإسرائيلية توجه للفلاشا العديد من التحديات النفسية والجسدية بسبب لون بشرتهم.

فالعنصرية فى إسرائيل تجاه «السود» بشكل عام تأخذ شكلًا هرميًا، وهو ما أكد عليه «عدى دورى أفراهام» الباحث فى شئون اللاجئين بمنظمة العفو الدولية، وأن جوهر العنصرية الإسرائيلية يقوم على تسلسل هرمى يكون فيه الإثيوبيون أعلى درجة من الأفارقة، ويؤدى هذا التسلسل الهرمى إلى خضوعهم تحت معاملات تمييزية عنصرية، فقد أشارت دراسة أعدها معهد مايزر الإسرائيلى إلى أن ٤١٪ من يهود الفلاشا يعيشون تحت خط الفقر، ويعمل معظمهم فى وظائف خدمية متدنية مثل كنس الشوارع وتنظيف دورات المياه، وذلك بسبب إحجام الكثير من أصحاب الأعمال عن تشغيلهم، فوصلت نسبة البطالة بينهم إلى ٦٥٪.

 

ممارسات أجهزة الشرطة

تقوم الأجهزة الأمنية بشكل متكرر بالاعتداء على يهود الفلاشا، كما تتعامل الأجهزة الأمنية بعنصرية تجاه الجنود من هذه الطائفة، ففى مايو ٢٠١٥ قام ضابط إسرائيلى بالاعتداء على جندى من يهود الفلاشا وعلى الرغم من تصوير هذه الواقعة وانتشارها فى الصحافة والإعلام الإسرائيلى وخرجت على أثرها مظاهرات منددة بتلك الأفعال، إلا أن القضاء الإسرائيلى رفض توجيه أى اتهامات إلى الضابط تحت زعم أن الجندى اشتبك معه أولًا، وجاء هذا الاعتداء بعد عام تقريبًا من تعرض «يوسف سلامسة»، وهو يهودى إثيوبي، للضرب وإطلاق نار على يد الشرطة، ثم تركه فاقدًا الوعى مكتف الأيدي.

 

رفض المؤسسات التعليمية

وصلت العنصرية إلى حد عدم قبول التلاميذ فى المدراس بسبب لون بشرتهم ويرفض التلاميذ من الطوائف الأخرى الجلوس بجوارهم لنفس الأسباب.

 

أزمة الهوية والاندماج

تمثل قضية البحث عن الهوية للكيان الصهيونية، كما قال المفكر الراحل الدكتور عبدالوهاب المسيري، أحد أبرز القضايا التى تسيطر على «المجتمع الإسرائيلي» حيث يتبدى هذا السؤال بشكل كبير فى قضية من هو اليهودي؟، فالدولة التى تسمى نفسها «يهودية» أو دولة اليهود لم تنجح حتى الآن فى تعريف هوية اليهودي.

فحالة يهود الفلاشا فى إسرائيل هى حالة معقدة، ارتبطت بالعديد من العوامل أولها الهجرات اليهودية من إثيوبيا إلى إسرائيل، ذلك «المجتمع» الذى يتعامل بالأساس وفقًا لأيديولوجية عنصرية تسيطر على «شعبه» وتجعله ينظر إلى الآخرين من منظور متدن، بالرغم من أن الهجرة اليهودية الإثيوبية للفلاشا كانت على أساس «ديني» على اعتبار أن إسرائيل موطن لليهود فى كل بقاع العالم.

ولذلك، تتعدد الأحداث التى يتم فيها التعامل بصورة تمييزية مع يهود الفلاشا فى إسرائيل، وبسبب ذلك ينتشرون فى المناطق الفقيرة وفى المستوطنات الإسرائيلية التى تشهد ارتفاعا للبطالة وغيابا للخدمات والبنى التحتية، على العكس من المناطق الأخرى التى يقطنها «اليهود البيض» على الرغم من أن تعدادهم يقدر بحوالى ١٤٠ ألفا ويشكلون نسبة ١.٥٪ من الإسرائيليين، ولكن هناك تعاملًا عنيفًا وترهيبًا من قبل الإسرائيليين تجاه هؤلاء، فاندلاع الأحداث الأخيرة من مظاهرات عقب الاعتداء الوحشى من قبل جندى إسرائيلى على شاب من يهود الفلاشا تؤكد تلك النظرة والمعاملة العنصرية.

ولعل هذه الأزمة، يمكن قراءتها من خلال تقرير نشره مكتب الإحصاء المركزى فى إسرائيل عام ٢٠١٧، والذى تناول عددا من الحقائق حول يهود الفلاشا فى إسرائيل، وكان من أبرز نتائج هذا التقرير أن ٨٨٪ من حالات الزواج تعقد ضمن الجالية الإثيوبية دون وجود أى مظهر من مظاهر مشاركة باقية الطوائف الأخرى المكون لـ«المجتمع الإسرائيلي»، بل إن الجيل الأول منهم لا يزال غير متقن للغة العبرية، ولم يتمكنوا من التأقلم مع المجتمع رغم برامج الاندماج التى أطلقتها «الحكومة»، وأن أكثر من ٤٥٪ منهم لا يستطيعون حتى إجراء محادثة يومية باللغة العبرية، وما يزيد على ٦٠٪ منهم لا يجيدون الكتابة بها.

ويعانى «يهود الفلاشا» بسبب أزمة الاندماج، من رفض قبولهم داخل وظائف النخبة والوظائف الكبرى، على اعتبار أن النظرة إليهم تأتى فى سياق أنهم ليسوا جزءا من هذا المجتمع، فقد تمت السيطرة على مراكز القوى فى إسرائيل، سواء فى المؤسسة العسكرية أو النظام السياسي، من قِبل اليهود الأشكناز، بل إن الأمر وصل إلى حد القول بأنه حتى يتم الاعتراف بـ«هويتهم الدينية» داخل إسرائيل فلا بد من الدخول فى عملية « تهويد جديدة». وفى ذات السياق، وفى إطار التعامل الدينى معهم، يعانى يهود الفلاشا بسبب ممارسات العنصرية المتأصلة، حيث يحرم يهود الفلاشا بعض المماراسات الخاصة بـ«الطقوس الدينية»، حيث يحظر عليهم دخول «المعابد» فى الكثير من الأوقات. ويمكن القول إن الجوهر العنصرى للأيديولوجية الصهيونية يمثل أحد أهم عناصر معاناة يهود الفلاشا بإسرائيل فلا تزال الدولة الصهيوينة تعيش فى واقع اجتماعى هش ينذر بفنائها حال انصهار مكوناتها بسبب الصراعات والتناقضات المتحدمة داخل هذا الكيان.

وهذه الأزمة لا يمكن القضاء عليها بسبب الفكر الاستيطانى من جهة ومن جهة أخرى بسبب طبيعة إدارة المكونات العرقية داخل هذا الكيان، ولذلك فمهما حاولت السياسات «الحكومية» أن تحد من هذه الأزمة، فإنها لن تنجح فى إدماج يهود الفلاشا داخل المجتمع، فالتاريخ يؤكد أن كل المجتمعات الاستيطانية التى قامت على أسس عنصرية فى زوال.

 

التجريد من الهوية

تقوم ما تسمى ببرامج « الاستيعاب الثقافى» بتجريدهم من بعض هوياتهم الثقافية، إلى الحد الذى جعل إسرائيل تحظر عليهم الأسماء الإثيوبية، وأيضا لا تزال قطاعات عديدة من المؤسسات الدينية الإسرائيلية تناقش ما إذا كان يهود الفلاشا، يهودا حقًا أم لا؟ هذه الممارسات تأتى على الرغم من أن «المجتمع» الإسرائيلى يتألف من يهود من خلفيات مختلفة، بما فى ذلك اليهود الأشكناز من خلفية أوروبية، واليهود السفارديم الذين نشأوا أساسًا فى شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وعلى الرغم من أن المجموعات المختلفة لها ألوان بشرة مختلفة، إلا أن السكان الإثيوبيين ما زالوا يبرزون فى «البشرة السمراء».