رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

وجوه تطل من الأغنية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وجوه تطل من كلمات الأغنية، وهي تهتف ضد أنور السادات: "يا اللي بتحكم باسم الدين انزل انزل من عابدين شوف الفقرا بالملايين"، و"عايزين صحافة حرة دي العيشة بقت مرة"، وتستبدل الأصوات في هتاف آخر الصحافة بالحكومة "عايزين حكومة حرة دي العيشة بقت مرة".
وجوه تطل من الأغنية تحمل لهفة الأمهات والآباء بعد أن انقطعت أخبار بناتهم وأولادهم في يوم جمعة الغضب 28 يناير عام 2011، بعد قطع الاتصالات والإنترنت، وجه شاب يشارك لأول مرة في حياته في مظاهرة ـ كان قد تخرج حديثًا من كلية الهندسة ـ وصلت به المظاهرة إلى منطقة رملة بولاق ومثلث ماسبيرو يدخل في لحظة خلق جديدة، يعيشها بين أهالي المنطقة يحمل ويحملون القتلى والجرحى ويحيطه أهالي المنطقة الفقراء بحمايته ورعايته كأنه ضيف عزيز عليهم أن يقدموا له حق الضيافة، يفرض حظر التجول وتدق الساعة الثانية بعد منتصف الليل ويقطع الشاب المسافة من قلب البيوت الفقيرة إلى مصر الجديدة سيرًا على الأقدام، يحمل وعيًا آخر شكله بسالة أهالي المنطقة وفقرائها في الدفاع عن حقهم في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. 
وجوه تطل من الأغنية، شباب غادروا الطفولة في تلك اللحظة ليشكلوا لجان الحرية والدفاع عن منطقة عابدين، كانت الشرطة تحاصر مبنى وزارة الداخلية يوم 29 يناير، وسقط برصاص القناصة الذين اعتلوا الأسطح 13 شهيدًا وأصيب أكثر من 76 متظاهرًا واختنق من الغاز المسيل للدموع وقنابل الدخان الذي غطى زرقة السماء، كانت لجان الشباب تقف على أطراف الشوارع في أيديهم زجاجات الخل وقطع البصل وبينما الرصاص يدوي كانوا هم يأمنون المارة: "ادخلي من هنا، حاسبي يا أختي خدي شوية خل"، يقدمون الإسعافات في مدخل بيت قديم ثم يطل أحدهم برأسه يطلق من بين شفتيه "صافرة" يبدو أنهم تعارفوا عليها، بعدها يأتي آخرون ليصطحبوا المارة من شارع الى حارة مجموعة تسلمهم إلى مجموعة أخرى حتى أبواب البيوت، إنهم شباب عابدين ربما كان من بينهم الشهيد جابر صلاح "جيكا".
وجوه تطل من الأغنية وجه الطبيبة التي كانت تجلس متكئة على عصاها في ميدان التحرير، وفي يوم 2 فبراير المعروف بـ"موقعة الجمل" وبعد الهجوم على ميدان التحرير تسللت الطبيبة من مكانها الآمن في فجر اليوم التالي لتعود متكئة على عصاها إلى المستشفى الميداني كانت قد أجرت قبل الثورة بأيام جراحة دقيقة في عمودها الفقري.
وجه لشابة في حملها الأول تسجل ما يحتاجه المستشفى الميداني، طبيبة أديبة تقول: "نسيت كل دروس الجراحة ولم أتذكر الحب.. جدتي وهي ترفل الملابس وأنا أخيط جروح الشباب في وجوههم كنت حريصة على الحب.. حتى لا تترك الخياطة أثرًا في وجه شاب مقبل على مرحلة الحب".
وجوه تطل من الأغنية تحمي المتحف المصري وتضع المتاريس تسد الثغرات.
هذه الوجوه وغيرها كانت في الميدان وفي الميادين تطل من أغنية "فلان الفلاني، اللي كان يومها جنبي، ساعة ما بدأوا في ضرب الرصاص، فلان اللى نازل علشان القضية، فلان اللى نازل علشان الرغيف، فلان اللى ما طلعش جوّه البرامج وكان صوته في قلب الهتاف، فلان اللى مات يومها، ما تلزم له دية، من ابن الفلاني اللى كله لحمة حاف".
لم تكن ثورة 25 يناير مؤامرة حتى إن تآمر عليها خونة.. ولم تكن لقيطة فهي ابنة نضال الشعب المصري من أجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.