رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

ظهور واختفاء "البغدادي".. معارك ما بعد هزيمة "داعش".. "التنظيم" لم يسقط وما زال بقوته وسيعود للمشهد.. قادته ملء السمع والبصر يخرجون على الناس برسائلهم وتسجيلاتهم.. تنفيذ ٩٢ عملية في ٨ دول

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تساؤلات كثيرة تطرح نفسها على الطاولة بخصوص المكان الذى يتواجد فيه الملقب بخليفة «داعش» أبوبكر البغدادي، خاصة مع إعلان الولايات المتحدة الأمريكية على لسان الرئيس دونالد ترامب فى 22 مارس من العام 2019 القضاء على «داعش»، وهو نفسه التساؤل الذى طرح عشية إعلان رئيس الوزراء العراقى السابق حيدر العبادى، سقوط «التنظيم» وتطهير الموصل فى 9 ديسمبر من العام 2017.

لا يمكن فهم مسارات تحرير الرقة والموصل أو تحقيق انتصار على «داعش» دون إلقاء القبض على أبوبكر البغدادى أو حتى تصفيته مع معاونيه من مقاتلى النخبة داخل «الجماعة» الأكثر تطرفًا.
نستعرض فى عدة حلقات معارك ما بعد هزيمة «داعش» نستعرض فيها ملامح ودلالات هذا الانتصار وإلامَ يشير وتحدياته، نبدأها بظهور واختفاء أبوبكر البغدادى، محاولين من خلال ذلك قراءة المعركة مع «التنظيم» العابر للحدود واستلهام وضعيته المستقبلية فى ظل المكونات الجديدة فى المشهد. 


لا شك أن وجود أبوبكر البغدادى قرابة ٥ سنوات من معركة القضاء على «داعش» يدل على أنها لم تنته بعد، وأن «التنظيم» ما زال الرابح فيها حتى كتابة هذه السطور، فما الفائدة من الحديث عن هزيمة لتنظيم «داعش» بينما قادته ما زالوا ملء السمع والبصر، يخرجون على الناس برسائلهم وتسجيلاتهم الصوتية والمرئية، والأكثر من ذلك يُخطط لمعارك فى المناطق والعواصم والولايات، كما يُحب أن يقول، ضد ساكنيها.
وجود «البغدادي» له دلالتان، إحداهما تتجسد فى أن «التنظيم» لم يسقط بعد وأنه ما زال بقوته بدليل وجود زعيمه، وهو ما يُرجح عودته للمشهد، فدائمًا تقاس معارك الانتصار والهزيمة بمقتل القائد، وفى هذه الحالة يبدو الأمر معقدًا بعض الشيء، خاصة أن «البغدادي» بدأ يظهر برسائله وكأنه يُريد أن يقول إنه ما زال موجودًا، خاصة بعد الإعلان أكثر من مرة عن مقتله، وأن تنظيمه ما زال موجودًا هو الآخر ولم يُهزم، كما تم الإعلان فى وسائل الإعلام وعلى لسان الرئيس الأمريكي.

مازال حيا
رسائل كثيرة يمكن قراءتها من اختفاء أبوبكر البغدادى ومن ظهوره أيضًا، وقد يكون العامل المشترك بين الحالتين أن «التنظيم» ما زال حيًا وما زال قادرًا على التجنيد والتعبئة والقتال، وهو ما يستلزم أطروحات أكثر عملية فى التعامل معه على الأقل القترة القادمة، خاصة أن خطره وصل إلى كل العواصم العربية والأوروبية والأفريقية والآسيوية.
ويمكن رصد ١٠ دلالات وراء الظهور المفاجئ لـ«البغدادي» عبر تسجيل مرئى بين مقاتليه فى تحد للقوات الأمريكية التى أعلنت عن مكافأة تصل إلى ٢٥ مليون دولار، وتحد آخر للقوات الروسية التى أعلنت مقتله أكثر من مرة.
- ظهور «البغدادي» ارتبط بقرب الذكرى الخامسة لإعلان قيام دولة «داعش» فى ٢٩ يونيو من العام ٢٠١٤، وكأنه يريد أن يقول رسالة مفادها بأن تنظيمه ما زال موجودًا حتى ولو تهاوت أركان الدولة التى أنشأها.
- ظهر أبوبكر البغدادى محاطًا برجاله، وبخاصة أبو عبدالرحمن الشامي، الملقب برئيس اللجنة المفوضة، وهى اللجنة المعنية بالولايات الخارجية، وكأنه يُريد أن يقول رسالة مفادها، إذا كانت دولة «داعش» سقطت، فالتنظيم موجود وقادر على إعادتها، وهو يراجع معه عبر الصورة المتحركة الأماكن التى نجح «التنظيم» فى إقامة ولايات له فيها.

ولاية الصحراء
- أعلن «البغدادي» أنه أقام ولاية الصحراء جنوب مالي، وهنا ضرب مثالًا على قوة «التنظيم» التى نجح فى إنشاء ولايات جديدة تابعة له، مفاد رسالته، قد نخسر المعركة فى مكان ما ولكننا سوف نكسبها فى أماكن أخرى.
- استهدف «البغدادي» فرنسا وحرض على ضربها، فهى أهم الدول الأوروبية التى يتواجد فيها مقاتلوه، كما أنه سبق ونجح فى تنفيذ عمليات نوعية بها منذ العام ٢٠١٥، بسبب قوة خلاياه هناك، فكثير من المقاتلين الذين أتوا إلى «داعش» جاءوا من فرنسا على وجه التحديد.
- حديث «البغدادي» عن أحداث سريلانكا والتفجيرات التى ضربت العاصمة كولمبو يربط بين ظهوره والرسالة الزمنية من التوقيت، فقط يكون هذا الظهور مرتبط بسقوط قوات «التنظيم»، ولكنه يُريد أن يقول إنه ما زال قادرًا على تنفيذ عمليات إرهابية فى عمق قارة آسيا، وفى دول قد تبدو هادئة مثل سريلانكا.

92 عملية
- صورة «البغدادي» وهو يمسك بمجلة مكتوب عليها «ولاية تركيا» يُعطى إشارة خفية إلى أن الولايات التى يلعب عن تكوينها وتدشينها ليست فى أفريقيا ولا منطقة الشرق الأوسط فقط، وإنما فى أوروبا أيضًا، وهنا تبدو الرسالة أكثر وضوحًا فى متابعته لهذه الولايات عبر ما يصله من إصدارات!
- أشار «البغدادي» عبر التسجيل المرئى أن تنظيمه نجح فى تنفيذ قرابة ٩٢ عملية فى ٨ دول ثأرًا لما حدث لهم، وهنا يُريد أن يقول عن أى هزيمة تتحدثون، فإذا كان «التنظيم» قد هزم فكيف له أن ينفذ أكثر من ٩٢ عملية بعضها يوصف عسكريًا بالنوعي.
- أعطى «البغدادي» إشارات واضحة باستهدافه المسيحيين ربما فى المناطق التى يتواجد فيها أتباعه، ليس هذا فحسب، وإنما استهداف الأنظمة الدولية، عندما قال «إن معركة الإسلام وأهله طويلة مع الصليب وأهله»، فهو يتوعد بالرد على كل ما حدث للتنظيم المتطرف.
- ظهور «البغدادي» على هذا النحو واضعًا بجواره بندقية ربما يكون قريبا من مشهد ظهور أسامة بن لادن قبل عقود، وهو يُعطى انطباعًا بأن «داعش» أصبحت جماعة محلية وإقليمية، خاصة أن ظهوره السابق كان من فوق مسجد «النوري» الكبير بالموصل، وهو ما أعطى انطباعًا مزيفًا بالقوة.
- ظهور «البغدادي» السابق فوق مسجد النورى فى الموصل وهو يتحدث بلغة حماسية يختلف بكل تأكيد عن ظهوره وهو يفترش الأرض ويتحدث بلغة هادئة وبطيئة، وقد ذكر فيما ذكر بانتهاء معركة «الباغوز» آخر جيب للتنظيم شمال شرقى سوريا.



مقتل «البغدادي» وملامح المشهد «الداعشي» 
لعله من السابق لأوانه الحديث عن خلفاء أبوبكر البغدادى أو حتى مقتل الرجل، فرغم شراسة المعركة «شكلًا» والتى شنتها القوات الأمريكية ضد تنظيم ما يسميه بـ«قاعدة الجهاد» فى العام ٢٠٠١، إلا أن القوات أخفقت فى قتل أسامة بن لادن، ولم تنجح فى ذلك إلا بعد ١٠ سنوات كاملة، وتحديدًا فى العام ٢٠١١، وهو ما يُرجح نفس السيناريو.
وهنا يمكن أن نتحدث عن رغبة أمريكية مرجحة فى عدم استهداف «البغدادي» حتى تُعطى مبررًا لمزيد من التدخل فى منطقة الشرق الأوسط ومزيد من الاستنزاف أيضًا لدول المنطقة التى تُعانى وجود التنظيمات المتطرفة، وعلى كل الأحوال وجود «البغدادي» أو اختفاؤه، يعنى غياب «التنظيم» أو حتى هزيمته ولكن مجرد مؤشر على ذلك.

رسالة صوتية
آخر ظهور للبغدادى من خلال رسالة صوتية كان فى أغسطس من العام ٢٠١٨، وارتبط هذا الظهور بمناسبة عيد الأضحى المبارك، وتحدث فى هذا التسجيل ٥٥ دقيقة، بما يدل على نهمه للحديث مع أتباعه، ووقتها كان يمر «التنظيم» بأزمة عسكرية تتعلق بتهاوى دولته، وأتباعه يدركون أهمية بقاء «البغدادي» على قيد الحياة، كما أنهم يُدركون أهمية ظهوره وتوقيتات هذا الظهور.
ولعل إشارة التسجيل المرئى الذى أخذ عنوان «فى ضيافة أمير المؤمنين» يُعطى الترجيح بأنه يرى أهمية هذا الظهور على أنصاره الذين تفرقوا ومقاتليه الذين تفرقت بهم السُبل، كما أنه يؤكد أن الظهور سوف يكون متكررًا وبقدر من الترتيب، وهو ما تُعنى كلمة «الضيافة» من الحفاوة والتكرار معًا.
الانتصار الحقيقى على «داعش» يرتبط بالتخلص من «البغدادي»، ليس هذا فحسب، والتخلص أيضًا من كل مقاتليه الذين قد يُشكلون نواة للتنظيم فيما بعد إذا تم التخلص من أمير «التنظيم»، بخلاف ذلك لا يمكن أن نحكم على معركة «داعش» بأنها انتهت.
ولعل المؤشرات كلها تصب فى اتجاه أن «التنظيم» ما زال قويًا، وأنه يضع بدائله إذا ما قتل «البغدادي» بحيث تظل الفكرة موجودة وملهمة من جانب ويظل «التنظيم» قادرًا على تجميع الأنصار والمقاتلين من جانب آخر.

التحدى الأكبر
ظهور «البغدادي» بكامل هيئته وأناقته ربما يحمل فى طياته التحدى الأكبر للولايات المتحدة الأمريكية التى فشلت فى معرفة مكان «البغدادي» أو استهدافه، وهو ما يؤكد أن معركتها مع «التنظيم» لم تحقق أى من أهدافها سوى التخلص المكانى من الأرض التى كان يُسيطر عليها «التنظيم» بينما ظل نفوذ «داعش» قويًا.
بدائل «داعش» فى اختيار «خليفة» جديد قد تكون قد انتهت بإجماع الموجودين وبتوصية من الزعيم الحالى عبر رسالة صوتية أو تسجيل مرئي، وغالبًا هذا المساعد أو الخليفة لا يتواجد فى نفس المكان الذى يتواجد فيه «البغدادي»، وهنا تبدو أهمية وجود رمز يلتف حوله متطرفو «داعش»، كما أن دلالة بقاء «البغدادي» تدل على أن أمريكا لم تحقق ما أرادته من وراء معركة القضاء على التنظيم المتطرف.
معركة القضاء على «داعش» تحتاج لرؤية استراتيجية تضمن فكرة القضاء على «التنظيم» من الناحية الأمنية والعسكرية والفكرية أيضًا، ليس هذا فحسب، وإنما القضاء على قادة وأمراء هذه التنظيمات أيضًا، خاصة أن هناك تصورات خاطئة بأن غياب هؤلاء الأمراء والقادة عن المشهد ولو قليلًا يُعنى القضاء عليها من منظور البعض، وهو تصور خاطئ، خاصة أننا ندرك أنها تتعامل بطريقة مرنة تسمح لها بالاختفاء والظهور.

المواجهة
قولًا واحدًا لا يمكن الإعلان عن هزيمة «داعش» طالما ما زال أمراؤه يظهرون عبر تسجيلات صوتية ومرئية ويتواصلون مع أتباعهم، ولعل مؤشر هزيمة «داعش» يبدو فى تصفية القادة والمراء يتبعه أو يسبقه تصفية كل المقاتلين، ويلى هذا وذاك معركة القضاء على أفكار «التنظيم» وتفكيك أفكارها.
«داعش» أصبح أقوى مما كان عليه فى يونيو من العام ٢٠١٤، وقتها كان «التنظيم» معلوم المكان ويراه الجميع، ومن هنا بدا الاستهداف أسهل، بعد تحرير الأراضى التى كان يُسيطر عليها «التنظيم» اختفت مجموعاته فى كل العواصم العربية والأفريقية والأسيوية والأوروبية، وهذا يدل على أن المعركة ضد «داعش» سوف تأخذ وقتًا وجهدًا، وربما تكون غير محسوبة العواقب، وهنا يبدو الحل فى وجود رؤية وتصور للمواجهة لا تنفرد به الولايات المتحدة الأمريكية دون غيرها، خاصة أن الإرهاب يطال الجميع بلا استثناء.