الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

عرش "العثمانلية" يتهاوى.. "الانتخابات التركية" بداية النهاية لـ"أردوغان".. "العدالة والتنمية" يتلقى أكبر ضربة انتخابية منذ ظهوره في 2001.. حزب الشعوب يسيطر على الجنوب.. ورعب بين المقربين من رئيس تركيا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شهدت تركيا فى ٣١ مارس ٢٠١٩، أول انتخابات بلدية بعد أن تم إقرار النظام الرئاسى وفق التعديلات الدستورية التى تم إقرارها فى أبريل ٢٠١٧، وتحظى الانتخابات البلدية بأهمية كبيرة خاصة بالنسبة للرئيس التركى رجب طيب أردوغان؛ حيث إنها كانت البداية لصعوده السياسى، ووصوله إلى رئاسة تركيا، يضاف لذلك أن كافة الاستحقاقات الانتخابية فى تركيا لا تعبر فقط عن عملية ديمقراطية أكثر من كونها تعبر عن مستقبل سياسى لحزب «العدالة والتنمية»، الذى صعد للسلطة منذ عام ٢٠٠٢، وبالتالى فإن تلك الانتخابات السابقة، وكذلك انتخابات البلدية المنعقدة مؤخرًا، تعد بمثابة استفتاء شعبى مصيرى على المشهد السياسى التركي، سواء فيما يتعلق بالحراك السياسى الذى تتبناه المعارضة منذ إقرار النظام السياسى وفوز حزب «العدالة والتنمية»، وتفرده بالسيطرة على السلطة السياسية والعسكرية، أو فيما يتعلق بقدرة حزب «العدالة والتنمية» على إعادة التموضع من جديد مع تلك التغيرات السياسية الداخلية.
المشهد الانتخابى
تنافس فى انتخابات البلدية ١٢ حزبًا، هى: العدالة والتنمية، والشعب الجمهوري، والحركة القومية، والشعوب الديمقراطي، والسعادة، وتركيا المستقلة، والاتحاد الكبير، والديمقراطي، واليسار الديمقراطي، وإيي، والشيوعى التركي، والوطن.
وجاءت التحالفات الانتخابية على غرار الانتخابات البرلمانية والرئاسية فى يونيو ٢٠١٨، فى نمط تحالفاتها؛ حيث خاض حزب «العدالة والتنمية» الانتخابات بالتحالف مع حزب «الحركة القومية»، كما هو الحال فى السابق، وتحالف الأمة بين حزب الشعب الجمهورى (CHP)، وحزب الجيد (iP)، والحزب الديمقراطى الشعبى (HDP) وحزب السعادة (SP).
بينما خاضت باقى الأحزاب المعركة الانتخابية بصورة منفردة، وبرغم فوز حزب «العدالة والتنمية»، إلا أنه فشل فى السيطرة على العاصمة أنقرة للمرة الأولى، منذ أن سيطر الحزب عليها عام ٢٠٠١، عوضًا عن النتائج المتقاربة فى مدينة إسطنبول بين مرشح الحزب الجمهورى إكرام إمام أوغلو ومرشح حزب «العدالة والتنمية» بن على يلدريم، والتى تزداد الشكوك حول فوز مرشح الحزب «الجمهورى» أوغلو، تأتى هذه النتائج بعد أن هيمن حزب «العدالة والتنمية» على المشهد السياسى التركى منذ وصوله إلى السلطة قبل ١٦ عامًا، وحكم البلاد بسياسات تمكنه من استمرار السيطرة على النظام، وفى نفس السياق نظم الحزب حملات انتخابية دون كلل على مدى شهرين قبل التصويت فى الانتخابات المحلية التى وصفها أردوغان بأنها «مسألة مصيرية» بالنسبة لتركيا، أى للحزب. فيما تؤشر نتائج الانتخابات على أن حزب «العدالة والتنمية» الحاكم فقد السيطرة على العاصمة أنقرة، مما قد يشكل ضربة انتخابية لأردوغان. وبمقارنة نتائج الانتخابات تلك بنظيرتها المحلية فى عام ٢٠١٤، يتضح أن الحزب فقد ١٠ بلديات من أصل ٥٠ كانت بحوزته ٢٠٪ من بينها العاصمة أنقرة ذات الرمزية السياسية، بعد أن أدارها طوال فترة حكمه، وثمة احتمال لفوز المعارضة كذلك برئاسة بلدية إسطنبول التى تُعتبر «تركيا المصغرة» وخزانها الانتخابى الأكبر، والتى ترتبط رمزيًا بالحزب وأردوغان شخصيًا إلى حد كبير، إذ كانت الرصيد الأكبر له لدى الناخب التركى حين فاز برئاستها عام ١٩٩٤.
بداية التراجع
يعد فوز المعارضة فى المدن الكبرى بمثابة إعادة تصويت على سياسات حزب «العدالة والتنمية»، والتى شكلت الانتخابات جولة مصيرية للمعارضة فى ظل محاولات أردوغان إعادة تشكيل الحياة السياسية التركية وفق أجندة الحزب، وترتكز أهمية الانتخابات المحلية الحالية كونها الورقة الأخيرة لتأميم السلطة للحزب الحاكم وأردوغان بعد السيطرة على البرلمان والرئاسة وبطبيعة الحال الوزارات.
كما أن ترسخ حالة الاستقطاب وسيطرة الأحزاب السياسية والتحالفات على المشهد السياسى التركي، إذ برز تَقدُّم «العدالة والتنمية»، من جهة والشعب الجمهورى من الجهة الأخرى، فى مقابل ضعف الأحزاب الصغيرة وغياب تامّ للمستقلّين، ومن المؤكد أن تركيا ستشهد صراعًا داخليًا وانقسامًا حادًا فى ظل تنامى المعارضة التركية لتوجهات أردوغان، وهو ما سينعكس بالضرورة على حالة الاستقطاب تجاه السياسات الداخلية والخارجية أيضًا، وأنه لن يكون من اليسير على أردوغان بصلاحياته الواسعة فى التحكم فى رسم خطوط التحركات التركية، وفرض رؤيته ومشروعه السياسى فى ظل ذلك الوضع.
وتأتى هذه الحالة من الاستقطابات فى ظل السياسات التى يتبناها حزب «العدالة والتنمية»، والتى أدخلت تركيا فى نفق سياسى واقتصادى مظلم على خلفية تبنى سياسات من شأنها تفكيك الديمقراطية وهدم حكم القانون، وتأميم الصحافة والإعلام، مما أظهر العديد من الأصوات المعارضة لتلك السياسات، ونتيجة لذلك تقسيم البلاد إلى معسكرين.
ومن الدلالات الأخرى على ذلك العديد من الرسائل المباشرة إلى حزب «العدالة والتنمية»، خاصة فى ظل الخطاب التهديدى الذى بات الحاكم والمسيطر، فبعد أن كان الحزب يتبنى خطاب قائم على عرض الإنجازات الاقتصادية، تحول هذا الخطاب بصورة جذرية للتهديد من خطر الجماعات الإرهابية، وتوظيفها فى حشد الأصوات الانتخابية، وبرغم كل ذلك لم يحظ الحزب بالكتلة التصويتية التى كان يحصل عليها من قبل.
وبعدما تجمدت المشاريع التنموية على غرار تأجيل افتتاح مطار اسطنبول الجديد، الأضخم عالميًا، على وقع الركود الاقتصادى الكبير، بالتزامن مع حدوث رد مفجع على صعيد الديمقراطية وحقوق الإنسان، بدأت الاستراتيجية الانتخابية لحزب «العدالة» فى التخلى عن تسويق واستعراض نجاحات حكوماته، وإنجازات قيادته التنموية، لصالح اعتماد مقاربتين أساسيتين: أولاهما، أمنية تتمثل فى استثمار فزاعة الإرهاب والتهديدات الداخلية والخارجية، كما المؤامرات التى تتربص بالبلاد وتهدد أمنها القومي. وفى هذا السياق، جاءت السياسات والمغامرات العسكرية الخارجية، كالإصرار على التدخل العسكرى المكلف اقتصاديًا واستراتيجيًا فى سوريا والعراق، وثانيهما، دينية تتجلى فى توظيف الدين لخدمة السياسة عبر استخدام المساجد فى الدعاية الانتخابية، كما قامت الاستراتيجية الانتخابية لأردوغان على الاعتقاد بأن أواصر العلاقة الإيديولوجية بين حزبه والقواعد الاجتماعية فى تلك المنطقة تتجاوز أى ظرف اقتصادي. وعلى الرغم من ذلك، جاءت نتائج الانتخابات المحلية بصفعة قوية لأردوغان وحزبه، وعقوبة له على استبداده وسياساته والأزمة الاقتصادية التى تتعرض لها تركيا، فقبل أيام من موعد الانتخابات، هبطت قيمة الليرة التركية بمعدل ٣٪، لتصل إلى حدود ٥.٨ ليرة، مقابل الدولار لتخسر نحو نصف ليرة كاملة من قيمتها فى غضون ساعات. على الجانب الآخر؛ فإن فشل الأوضاع التركية الحالية، وفى الوقت ذاته تراجع مكانة تركيا خارجيًا، عملت المعارضة بدورها على ممارسة البناء على الخطوات التى اتبعتها فى الانتخابات الرئاسية العام الماضي، عندما سُمح بتشكيل تحالفات حزبية، ومنذ ذلك الوقت انخرطت أحزاب المعارضة فى تحالفات قوية استطاعت تجاوز الفروق الإيديولوجية وتقديم خطاب سياسى مقنع للمواطن التركى فى مواجهة حزب «العدالة والتنمية».
الفوز القسرى
جاءت الانتخابات المحلية فى تركيا انتصارًا لحزب الشعوب HDP قياسًا للظروف الصعبة والاستثنائية التى مّرت بها فى ظل حالة من السيطرة التامة السياسية والأمنية التى حاول حزب «العدالة والتنمية» فرضها لخدمة مصالحه، وفى هذا الشأن يمكن الإشارة إلى نتائج مناطق الأغلبية الكردية فى البلاد، أى محافظات الشرق والجنوب الشرقي، إذ خسر حزب «الشعوب الديمقراطى» هناك بلديتين مهمتين هما شرناق وبيتليس «٢٠٪ من البلديات التى فاز بها سابقًا»، لصالح حزب «العدالة والتنمية» فى ظل جمود نسبة التصويت له فى حدود ٤٪، وهى نسبة أقل بكثير من حضوره السابق فى عموم تركيا.
وذلك فى ظل الاضطهاد الذى يتعرض له المكون الكردى فى تركيا فى السنوات الماضية؛ حيث مورس بحقهم إرهاب الدولة، ومحاولة إبادة سياسية عبر عمليات الاغتيال، واعتقال الآلاف من أنصار حزب الشعوب، بينهم مئات من كوادر الصف الأول، وتدمير مقراته، وسلب البلديات من ممثلى حزب الشعوب المنتخبين. يدلل على ذلك انتخابات الرئاسة قبل عام؛ حيث صوتت شرناخ لحزب الشعوب بنسبة ٧٢ ٪، ولحزب «العدالة والتنمية» بنسبة ٢٢ ٪، أى أنها قلعة انتخابية لحزب الشعوب دون منافس، فكيف أصبحت فى الانتخابات المحلية بهذه النسبة؛ حيث حصد «العدالة والتنمية» ٦١٪، و«الشعوب الديمقراطي» ٣٥٪. وبرغم كل تلك السياسات، فإنه للمرة الأولى مُنذ العام ٢٠٠٢، وعلى الرغم من التحالفات السياسية التى عقدها حزب «العدالة والتنمية» التُركى وزعيمه رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان مع أحزاب أخرى، وعلى الرغم من التعديلات فى قانون الانتخابات، كى توافق مصلحته، تلقى أردوغان ضربة قوية فى الانتخابات المحلية؛ حيث أظهرت تراجعًا فى شعبية العدالة والتنمية وتنظيمه وتأثيره.
محاولات التوظيف الخارجى
لا يوجد أدنى شك فى أن فوز أردوغان وحزبه لم يقتصر تبعاته على السياسة الداخلية فحسب، بل إنه سينعكس بالضرورة على العديد من الملفات الخارجية واستراتيجة تركيا وعلاقاتها مع الدول الأخرى، كما أن سيطرة المشروع السياسى الجديد لتركيا متمثلًا فى أردوغان، والذى أعلن عن ملامحه من قبل، سوف يظهر الآن وبشكل أكثر جرأة من ذى قبل، خاصة أن الدعاية الانتخابية، التى تم توظيفها باستخدام الملفات الخارجية والتهديدات التى تتعرض لها تركيا من دول الجوار الجغرافى، خاصة سوريا والعراق لتحقيق كتلة تصويتية كبيرة. وتأسيسًا على ذلك يمكن أن تكون نتائج الانتخابات المحلية بمثابة نقطة الرجوع عن السياسات الأخيرة التى تبناها حزب «العدالة والتنمية» لتحقيق أجندته الخاصة دون الاعتبار لباقى التوجهات السياسية التركية، كما أنها على الجانب الآخر يمكن أن تكون نقطة تحول بالنسبة للقوى المعارضة التى حاولت البناء على ما تم فى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الماضية.